وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال للمتلاعنين بعد فراغهما من تلاعنهما: الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثلاثاً، فقال الرجل: يا رسول الله مالي؟ يعني - ما أصدقها - قال: لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها[1]، ولهذا قال الله تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ."
فإن الاستفهام في قوله سبحانه: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ استفهام استنكاري، وأما الإفضاء في قوله: وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ فأصله المخالطة، يقال للشيء المختلط: فضاء، ويقال: القوم فوضى، وفضاء، أي: مختلطون لا أمير عليهم، وفسر الإفضاء في الآية بأنه الخلوة، وقالت طائفة: الإفضاء بأن يكون معها في لحاف واحد جامَعَ، أو لم يجامع، وفسر بأجلى صوره، وهو الجماع، فالإفضاء يكون بهذه الألوان من المخالطة، وغايته الجماع.
ولذلك لما قال الله : لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [سورة الممتحنة:8] عدى الفعل تقسطوا بإلي؛ وذلك لأنه مضمن معنى الإفضاء إلى هؤلاء الكفار الذين لم يقاتلوا في الدين، والخلاصة أن الإفضاء قد يفسر في كل مقام بحسبه، إلا أن أصله يبقى بمعنى المخالطة، - والله أعلم -.
أصل الميثاق: العهد، وحمل الحافظ ابن كثير - رحمه الله - الميثاق في الآية على العقد، وهذا لا يعارض القول بأن الإمساك بمعروف، أو التسريح بإحسان هو مقتضى العقد، وقد ذكرت طائفة من أهل العلم كابن جرير، وغيره أنهم كانوا إذا تزوج الرجل يقولون له: عليك عهد الله، وميثاقه أن تمسك بمعروف، أو تسرح بإحسان، أو كلاماً نحوه، وكلا التفسيرين صحيح، ومعلوم أن مجرد الإيجاب، والقبول بين الرجل، والمرأة يوجب علي الرجل أن يمسك بمعروف، أو يفارق بإحسان، - والله أعلم -.
- أخرجه البخاري في كتاب الطلاق - باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب؟ (5006) (ج 5 / ص 2035)، ومسلم في كتاب اللعان (1493) (ج 2 / ص 1130).
- رواه البخاري في كتاب النكاح – باب الوصاة بالنساء برقم (4890)، ورواه مسلم في كتاب الحج – باب حجة النبي ﷺ برقم (1218).