"وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ [النساء:24]، المراد هنا ذوات الأزواج، وهو معطوفٌ على المحرمات المذكورة قبله، وفي النسخة الخطية: [وهو معطوفٌ على المحرمات المذكورات قبله]، والمعنى أنه لا يحل نكاح المرأة إذا كانت في عصمة الرجل."
قوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ أصل هذه المادة "حَصَنَ" تدل على الحفظ والحياطة، والحرز، والمقصود ذوات الأزواج وهذا الذي اختاره الحافظ ابن كثير والحافظ ابن القيم وكذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - وليس محل اتفاق يعني بعضهم يقول: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ يعني الحرائر، يعني غير الأربع، والاستثناء في وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يكون من قبيل الاستثناء المنقطع.
الاستثناء المنقطع على هذا أن المراد الحرائر غير الأربع، وبعضهم يقول: المعنى أعم يعني لا يختص بذوات الأزواج، وإنما المحصنات من النساء، يعني: الحرائر إلا إذا كان ذلك بالعقد والتزوج، لكن المشهور هو أن المقصود ذوات الأزواج، يعني ويحرم عليكم من جملة المحرمات المحصنات من النساء، يعني ذوات الأزواج.
ولفظ الإحصان يطلق على هذا، وكما سيأتي في قوله: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25] فهو بحسب السياق، فقد يطلق على المتزوجات، ويطلق على الحرائر، والعفائف.
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ذوات الأزواج، هذا هو الأقرب والله أعلم، ومن ثم فإنه لا يصح أن يبتدئ القراءة من قوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ مع إنها بداية حزب، لا يصح هذا، وبعض الناس يقرأ في الصلاة مثلًا قراءة متتابعة، يقرأ في كل ركعة مثلًا ربع حزب ويقف عند مثل هذا، وفي صلاة أخرى يبدأ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ فهذا لا معنى له وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ما بهن؟ فهو معطوف على ما قبله من المحرمات، وهذا يدل على فضل تحزيب السلف على هذا التحزيب.
السلف كانوا يحزبون بالسور، وكما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : بأن ذلك أوفق بحيث يقف على المعاني الكاملة تامة بانتهاء السورة، أمَّا هذا فقد يقف على معنًى مقطوع عما قبله، فيراعى مثل هذا.
يقول: "وهو معطوفٌ على المحرمات المذكورة قبله"، ابن جرير - رحمه الله - حمله على العموم وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ فيشمل الحرائر المسلمات، العفائف، المتزوجات، إلا ما ملكت الأيمان بالشراء أو النكاح، يعني في قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ عند ابن جرير يعني: المحصنات هنا يشمل المتزوجات وعموم الحرائر.
إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يعني: في حق المتزوجات بالسبي، فإن سبي نساء الكفار يقطع علاقة المرأة بزوجها، فتُستبرأ المتزوجة بحيضة، ويحل لمالكها أن يطأها، وهي ذات زوج، ولكن انقطع حبل النكاح بالسبي.
لكن إذا حُمِل أيضًا على الحرائر المحصنات، يعني: تحرم عليه المرأة الحرة إلا بسببٍ مبيح، وهو عقد نكاح للحرة، وبالنسبة للمعنى الآخر الذي قاله الجمهور إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يعني: بملك اليمين.
فابن جرير حمله على هذا المعنى العام، عمم المعنى، لكن المشهور - وهو قول الجمهور - أن المقصود بالمحصنات ذوات الأزواج، لا يحل له أن يتزوج امرأة متزوجة، في عصمة زوج، في حبائله، ولو كانت مطلقة طلاقًا رجعيًا فهي لا زالت في عصمته إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يعني: إذا وقعت له بملك اليمين، يعني: بالسبي.
ولو قال قائل: إذا اشترى أمةً متزوجة وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إذا قيل: بمعني المتزوجات؟ فهل له أن يطأ هذه المرأة المتزوجة؟
الجواب: لا؛ وإنما تكون للخدمة متزوجة، لكن هنا المقصود بالآية إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يعني: ما وقع لكم بسبي نساء الكفار، فإنه بذلك ينقطع حبل النكاح، فيجوز لمن وقعت في سهمه أن يطأها بعد أن يستبرئها بحيضة.
لكن إذا فُسِّر وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ هنا بالحرائر إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يكون الاستثناء منقطع؛ لأنهن لسن من الحرائر.
"إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يريد السبايا في أشهر الأقوال، والاستثناء متصل، والمعنى: أن المرأة الكافرة ذا كان لها زوجٌ، ثم سبيت: جاز لمن ملكها من المسلمين أن يطأها."
يعني الاستثناء متصل باعتبار أن المتزوجات لا تحل، ذوات الأزواج سوى من وقعت في السبي من النساء الكفار المتزوجات إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يعني: من هؤلاء المتزوجات، إذا قلنا: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ يعني المتزوجات، فيخرج منه؛ لأنَّ الاستثناء المتصل - كما هو معلوم - هو يكون مستثنى من جنس المستثنى منه، فهنا إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ هذا من جنس المستثنى منه وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ يعني: المتزوجات ذوات الأزواج لا تحل، إلا إذا وقعت بملك اليمين، بالسبي، فيجوز أن يطأها.
وسبب ذلك أن رسول الله ﷺ بعث جيشًا إلى أوطاس، فأصابوا سبايا من العدوّ لهنّ أزواج من المشركين، فتأثم المسلمون من غشيانهنّ، فنزلت الآية مبيحةً لذلك ومذهب مالك أن السبي يهدم النكاح.
يقول: "فنزلت الآية"، تأثم المسلمون في سبي الأوطاس، "فنزلت الآية مبيحةً لذلك" وهذا جاء من حديث أبي سعيد الخدري - أن رسول الله ﷺ يوم حنين بعث جيشًا إلى أوطاس، فلقوا عدوًا فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ تحرجوا من غشيانهن؛ من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله : وَالْمُحْصَناتُ يعني: فهنَّ لكم حلال هذا في سياق الرواية، إذا انقضت عدتهنَّ، وهذا مخرّج في صحيح مسلم، فهذا هو سبب النزول.
ومذهب مالك أن السبي يهدم النكاح، سواء سُبي الزوجان الكافران معًا، أو سُبي أحدهما قبل الآخر وقال ابن المواز: لا يهدم السبي النكاح.
ابن مواز من المالكية، على كل حال الأقرب أنه يهدم النكاح، ينقطع حبل النكاح بالسبي، وهذا سبب النزول دليل واضح على هذا، ويبين المراد بقوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ أنه ليس المقصود الحرائر، وإنما المتزوجات، وهم تحرجوا من وطء المتزوجات في هذا السبي، فنزلت الآية.
فسبب النزول كما هو معلوم في جملة فوائده أنه يرفع الإشكال، يزيل الإشكال والاحتمال في معنى الآية، كما في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ [البقرة:158]، وسؤال عروة لعائشة - ا - وهو مشهور ومعروف فالذي رفع الإشكال هو سبب النزول.
" كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ منصوبٌ على المصدرية."
يعني: "منصوبٌ على المصدرية" مؤكد لمضمون الجملة قبله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلى آخره، والمحرمات السابقات من قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23] إلى آخره، قال: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ[النساء:24]، فهذا يؤكد لمضمون ما قبله، ومنصوب بفعل مقدر كما ذكر المؤلف، يعني: كتب الله عليكم كتابًا، منصوبٌ على المصدرية.
قال: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني: هذا التحريم فرض فرضه الله عليكم، فالزموه ولا تخرجوا عن حدوده.
"كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ منصوبٌ على المصدرية، أي: كتب الله عليكم كتابًا، وهو تحريم ما حرم، وهو عند الكوفيين منصوبٌ على الإغراء."
"وهو عند الكوفيين منصوبٌ على الإغراء" يعني تقدير الزموا كتاب الله، الزموا كتاب الله عليكم، الزموا كتاب الله، ويكون عليكم اسم فعل للإغراء عليكم، يقول: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة:105]، اسم فعل للإغراء حذف مفعوله للدلالة عليه، يعني عليكم ذلك، عليكم ذلك، يعني: الزموه، وبعضهم يقول: بأن كتاب منصوب على الإغراء بعليكم، والتقدير عليكم كتاب الله، يعني: الزموه كقوله: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ - والله أعلم -.
"وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ معناه: أحلّ لكم تزويج من سوى ما حرم من النساء، وعطف أحلَّ على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله، والفاعل هو الله، أي: كتب الله عليكم تحريم من ذكر، وأحل لكم ما وراء ذلكم."
يقول: "معناه: أحلّ لكم تزويج من سوى ما حرم من النساء". يعني: أحل لكم غير المحرمات المذكورات قبله، وقد دلت السُنَّة على تخصيص هذا العموم وَأُحِلَّ لَكُمْ ما هذا عام يعني: كل امرأة غير المذكورات السابقات، فهي حلال، فهذا العموم مخصص بما ورد في السُنَّة - كما سبق - من تحريم الجمع بين المرأة، وعمتها، والمرأة، وخالتها، وكذلك على قول الجمهور في الجمع بين المرأة وعمتها من الرضاع، والمرأة وخالتها من الرضاع، ونحو ذلك.
فهذه أربع، العمة، والخالة من الرضاع، والعمة، والخالة من النسب أي: يجمع بينهما، يكون ذلك تخصيصٌ لقوله: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ.
يقول: "وعطف أحلَّ على الفعل المضمر" أي وعطف أحل على الفعل المضمر، الذي نصب كتاب الله، والفاعل هو الله، قراءةٌ أخرى متواترة وَأَحَلَّ أي: الله، لكن في قوله: وَأُحِلَّ هنا بُني للمجهول باعتبار الذي أحل، وحرم معلوم وهو الله - تبارك وتعالى - لأنه مصدر تشريع.
يقول: "والفاعل هو الله، أي: كتب الله عليكم تحريم من ذُكِر، وأحل لكم ما وراء ذلكم".
"أَنْ تَبْتَغُوا مفعولٌ من أجله، أو بدلٌ من ما وَراءَ ذلِكُمْ."
أَنْ تَبْتَغُوا "مفعولٌ من أجله"، أو مصدر بدل يكون يعني بدل اشتمال وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا أَنْ تَبْتَغُوا مفعول من أجله، أو بدل يكون مصدرًا أن تبتغوا يعني: وأحل لكم من وراء ذلكم ابتغاء أَنْ تَبْتَغُوا يعني ابتغاء، ما الذي أحل؟ يكون بدل اشتمال، وأحل لكم من وراء ذلكم ابتغاء، يعني: كأنه البدل الآن يقوم مقام المبدل منه، لو أردت أن تقيمه مقام ما قبله من المبدل منه تقول: وأحل لكم ابتغاء، ابتغاء فهذا بدل من قوله: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ يعني ابتغاء.
"أَنْ تَبْتَغُوا مفعولٌ من أجله، أو بدلٌ مما وراء ذلكم."
ما وراء ذلكم يكون في محل رفع على قراءة أُحِلَّ للبناء للمجهول؛ لأنَّ (ما) حينئذ في محل رفع نائب فاعل وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ فهذا نائب فاعل، يعني: التقدير وأحل لكم، أُحِلَّ على هذه القراءة ابتغاؤهن بأموالكم.
"وحذف مفعوله وهو النساء."
هذا على قراءة الفتح (وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) أَحَلَّ لكم ماذا؟ النساء.
"مُحْصِنِينَ هنا أعفة ونصبه على الحال من الفاعل في تبتغوا."
أعفة يعني: متعففين من الزنا محصنين، "ونصبه على الحال من الفاعل في تبتغوا"، حال كونكم محصنين، يعني: متعففين من الزنا.
"غَيْرَ مُسافِحِينَ أي: غير زناةٍ، والسفاح هو الزنا."
معروف هذا "والسفاح هو الزنا" يقال: أصله من سفحت القِرْبة، يعني صببتها، قيل: سُمي بذلك؛ لأنَّ الرجل يصب النطفة، وكذلك قالوا: المرأة، سفح الماء؛ ولهذا يقال: بأن المسافح هو الذي يصب ماؤه حيث اتفق، المسافح يعني الفاجر يصب ماؤه حيث اتفق، يعني: لا يبالي بحلٍ أو حرام، وأصل المادة تدل على إراقة شيء، مسافحين سفاح يعني: أن يضعه نطفته في غير ما يحِل.
"فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً قال ابن عباس وغيره: معناها: إذا استمتعتم بالزوجة، ووقع الوطء فقد وجب إعطاء الأجر، وهو الصداق كاملًا."
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً يعني: ذلك فرضٌ فرضه الله عليكم فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً "قال ابن عباس وغيره: معناها: إذا استمتعتم بالزوجة، ووقع الوطء" يعني: بالنكاح الشرعي، "فقد وجب إعطاء الأجر، وهو الصداق كاملًا"، بخلاف ما لو عقد عليها من غير أن يدخل بها، فإنها تستحق نصف الصداق فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237].
هذا على خلاف في معنى الدخول هل المقصود به الوطء، الذي تستحق به المرأة المهر كاملًا أو إذا خلى بها وأسدل ستارًا تنزيلًا للمظنة منزلة المئنة؟ كما هو قول الجمهور من الصحابة فمن بعدهم .
قول ابن عباس - ا -: يقول: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً "قال ابن عباس، وغيره: معناها: إذا استمتعتم بالزوجة، ووقع الوطء فقد وجب إعطاء الأجر" هذا جاء من طريق علي بن أبي طلحة، وهذا الإسناد معروف مشهور، ولعله إسنادٌ جيد - إن شاء الله - ولفظه إذا تزوج الرجل منكم المرأة، ثم نكحها مرةً واحدة، فقد وجب صداقها كله.
والاستمتاع يقول: هو النكاح، وهو قوله: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] يعني المهور، يعني: معنى أن ذلك يتحقق بالجماع، ولو مرة واحدة.
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً هنا قول أهل العلم عامة: أن المقصود قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ يعني الزوجات، واضح؟ أنه إن دخل بها فقد وجب لها المهر، إن جامعها وجب المهر فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ المقصود به الصداق، فهذا الذي عليه عامة أهل العلم سلفًا، وخلفًا.
"وقيل: إنها في نكاح المتعة، وهو النكاح إلى أجلٍ من غير ميراث، وكان جائزًا في أول الإسلام، فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه ثم حَرُم عند جمهور العلماء، فالآية على هذا منسوخةٌ بالخبر الثابت في تحريم نكاح المتعة، وقيل: نسختها آية الفرائض؛ لأنَّ نكاح المتعة لا ميراث فيه، وقيل: نسختها وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ [المؤمنون:5] وروي عن ابن عباس جواز نكاح المتعة وروي أنه رجع عنه."
القول الأول: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ يعني: بالنكاح الشرعي، وهذا الذي عليه عامة السلف واختاره الحسن ومجاهد وجماعة وهو اختيار أبي جعفر ابن جرير ومن المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -.
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ كما قال الله - تبارك وتعالى - يعني: سماه أجرًا، يعني النكاح، وقال: إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [المائدة:5] فهذان موضعان من كتاب الله في إطلاق الأجر على الصداق، وليس المقصود به ما يُعطى في المتعة، نكاح المتعة.
ويقول: "وقيل: إنها في نكاح المتعة" هذا يقول: في الحاشية عندكم يوجد في هذا المعنى أثر عن مجاهد، وكذلك عن السُدِّي وهما ضعيفان، طبعًا الذي حقق الكتاب هو لا يذكر هذه الأحكام من عنده، وإنما ينقلها نقلًا مباشرًا من بعض المصادر.
يقول: "وقيل: إنها في نكاح المتعة" هذا بعضهم نسبه إلى الجمهور هنا في الآية، يعني: أنه نُسخ عن ذلك من المنسوخ، ولكن نسبة ذلك إلى الجمهور قد لا يخلو من نظر.
يقول: "وهو النكاح إلى أجلٍ من غير ميراث، وكان جائزًا في أول الإسلام، فنزلت" وفي قراءة لابن عباس، طبعًا هذا سبب النزول لا يعرف له إسناد، الذي أشار إليه.
وفي قراءة لابن عباس، وأُبِّي بن كعب، وسعيد بن جبير، والسُدِّي، فما استمتعتم به منهنَّ إلى أجلٍ مسمى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً فهذه القراءة إذا صح إسنادها، فإن القراءة الأحادية تفسر القراءة المتواترة، فما استمعتم به منهنَّ إلى أجلٍ مسمى فآتوهن أجورهن، إلى أجلٍ مسمى هذا نكاح المتعة، فتكون النهاية هذه بناءً على ما كان في أول الأمر، ثم نُسِخ بعد ذلك كما هو معلوم، وكما سيأتي مما يدل عليه صراحةٍ.
الرافضة طبعًا يحتجون بهذه الآية على جواز نكاح المتعة، فهذه الآية إذا قلنا: بأنها في الزواج المعروف فلا حجة فيها لهم، وأن الأجور هي الصداق، على قول ابن جرير ومن وافقه، وإذا قيل: بأن ذلك كان في المتعة، فيكون مما قد نُسخ.
لاحظ هنا وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ [النساء:24]، السياق كله في النكاح في الزواج المعروف يعني، السياق يدل على قول ابن جرير - رحمه الله - لكن هذه القراءة الأحادية لو صح إسنادها تكون مفسرة للقراءة المتواترة.
"وقيل: إنها في نكاح المتعة، وهو النكاح إلى أجلٍ من غير ميراث، وكان جائزًا في أول الإسلام، فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه، ثم حُرِّم عند جمهور العلماء" هذا يشبه الإجماع، روي عن ابن عباس كما سيأتي القول بالجواز، وروي ذلك عن غيره.
يقول: "فالآية على هذا منسوخةٌ بالخبر الثابت في تحريم نكاح المتعة" تحريم نكاح المتعة ورد فيها أحاديث، منها ما جاء عن علي وذلك مخرجٌ في الصحيحين، ولفظه: أن رسول الله ﷺ نهى عن متعة النساء يوم خيبر هذا عن علي حجة على الرافضة، وعن أكل لحوم الحمر الأنسية.
وجاء أيضًا من حديث سمرة بن معبد، في إذنه لهم في العمرة فيه، يعني: النبي ﷺ أذن لهم أن ينكحوا من النساء، يعني نكاح المتعة، ثم وقف بين الباب، والحجر يعني: النبي ﷺ يخطب الناس يقول: ألا أيُّها الناس قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله - تبارك وتعالى - قد حرم ذلك إلى يوم القيامة هذا أخرجه مسلم، هذا في نفس العمرة.
وجاء أيضًا من حديث أبي هريرة عند ابن حبان، ومن حديث سلمة بن أكوع عند مسلم رخص لنا رسول الله ﷺ عام أوطاس في المتعة ثلاثًا يعني: ثلاث ليالٍ ثم نهانا عنها فالذي يظهر - والله أعلم - أن المتعة أبيحت لهم، كانت مباحة في أول الأمر، ثم حرمت عام خيبر، ثم أُذِن لهم فيها، ثم حرمت، يعني: تكون مما تكرر النسخ فيه، هذا مثال على تكرر النسخ في القضية الواحدة، هذا وجه الجمع بين هذه الأحاديث عام أوطاس، وكذلك في عام خيبر فإن ما وقع عام أوطاس بعد ذلك بمدة، يعني بعد فتح مكة، وعام خيبر كان في السنة السابعة للهجرة.
"وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ [النساء:24] قال: إن الآية المتقدمة في مهور النساء، فمعنى هذه جواز ما يتراضون به من حطٍ من الصداق، أو تأخيره بعد استقرار الفريضة."
"وقيل نسختها آية الفرائض"، آية الفرائض يعني: آية المواريث باعتبار أنه لم يذكر في المواريث هؤلاء، اللاتي نُكِحن بهذه الطريقة على سبيل المتعة، نسختها آية الفرائض وهذا قال به سعيد بن جبير - رحمه الله - يعني: اختلفوا في الناسخ ما هو؟
"وقيل: نسختها وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ [المؤمنون:5]" وهذا مروي عن عائشة - ا -
قال: "وروي عن ابن عباس جواز نكاح المتعة، وروي أنه رجع عنه" لفظه عند الترمذي إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أن يقيم، فتحفظ له متاعه، يعني: الرجل يقدم البلد، الأرض، المكان ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه، حتى إذا نزلت الآية: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ.
قال البيهقي: حتى نزلت هذه الآية حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23] فنسخ الله الأولى فحُرِّمت المتعة.
يعني: على هذه الرواية عن ابن عباس - ا - عند الترمذي أنها منسوخة، لكن يعني: أنه رجع عن القول بجواز نكاح المتعة، وهذا قال فيه الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بأن إسناده ضعيف، وضعفه أيضًا الشيخ ناصر الدين الألباني، وذكر في الحاشية أن ابن عباس - ا - له في المتعة ثلاثة أقوال:
- الأول: الإباحة مطلقًا.
- والثاني: الإباحة عند الضرورة.
- والثالث: التحريم مطلقًا.
وهذا لم يثبت عنه بخلاف القولين الأولين، فهما ثابتان عنه، هذا منقول من كتاب "إراواء الغليل" فالمشهور عن ابن عباس - ا - أنه يقول بجوازها، وجاء عن ابن الزبير لما كان أميرًا في مكة والحجاز، بويع له بالخلافة فقال: وابن عباس حاضر، ما بال رجلًا؟ وقال: كلامًا يعني في إباحة المتعة ،كلامًا فيه شدة، وابن عباس يسمع، وابن الزبير يخطب، حتى قال: "جرب بنفسك، فوالله، لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك".
فالشاهد: أن هذا المروي من ابن عباس - ا - هو خلاف قول الصحابة فهذه الآية يبقى النظر هل هي في نكاح المتعة فنسخت، أو أنها في الزواج، النكاح المعروف وليس في نكاح المتعة؟ ومضى كلام أهل العلم في ذلك، قلنا: أن هذا قول الحسن ومجاهد، واختاره ابن جرير، وبهذا قال الشنقيطي - رحمه الله - فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يعني: المهور.
"وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ من قال: إن الآية المتقدمة في مهور النساء، فمعنى هذه جواز ما يتراضون به من حطٍ من الصداق، أو تأخيره بعد استقرار الفريضة.
ومن قال: إن الآية في نكاح المتعة. فمعنى هذا جواز ما يتراضون به من زيادة في مدة المتعة وزيادة في الأجر."
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إذا قلنا: هذا في النكاح المعروف، يعني: أن المرأة تسقط مهرها بعد ذلك إذا فرض لها إن شاءت ترد له المهر، إذا كان قد أعطاها إياه فهذا لا إشكال فيه، إذا كانت نفسها طيبة بذلك، أو ردت عليه أو أسقطت بعض المهر، كأن يكون هناك مؤخر فأسقطته فهذا لا إشكال فيه فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ.
وعلى أنه المتعة، يعني: ما تراضوا به من زيادة المدة وزيادة الأجر، أو زيادة الأجر دون المدة، أراد أن يزيدها بعد ذلك، أو أن تضع عنه بعض الأجر - والله أعلم -.