الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ ۚ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍ ۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة النساء:25].
يقول تعالى: ومن لم يجد منكم طولاً أي: سعة، وقدرة أن ينكح المحصنات المؤمنات، أي: الحرائر العفائف المؤمنات فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ أي: فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ أي: هو العالم بحقائق الأمور، وسرائرها، وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور."

فقد فسر جمهور المفسرين الطَّوْل بما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أي: السعة، وغنى المال الذي يدفعه مهراً للحرة، وقيل الطَّوْل: الصبر لمن كان يهوى أمة، ولا يجد صبراً عنها، ويخشى أن يقع عليها بالزنا فله أن يتزوجها؛ ليكون ذلك الوقاع بالحلال، وقال بعضهم: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أي: يتزوج حرة، ونقل عن بعض الفقهاء - كالإمام مالك - رحمه الله - قوله: إن الرجل لا يحل له أن يتزوج أمة إن كانت تحته حرة، فإن لم يكن تحته حرة جاز له أن يتزوج بالأمة، ولكن القول المتبادر الذي عليه عامة أهل العلم أن المراد بقوله سبحانه: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أي: سعة يتمكن بها من أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ أي: الحرائر العفيفات.
والإحصان يتغير معناه بحسب سياق الآية، ومعناها فالمراد بالإحصان في هذه الآية غير المراد به في قوله سبحانه: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [سورة النساء:24] إذ المراد بالإحصان هنا: المتزوجات.
وقوله سبحانه: فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ الفتاة تطلق على الأنثى الشابة، ويشمل الوصف في الآية الكبيرة، والصغيرة كما في الحديث: لا يقول: عبدي، وأمتي، وإنما يقول: فتاي، وفتاتي[1]، والمعنى أي: فتزوجوا من إمائكم المؤمنات، والإيمان في الأمة المراد تزوّجها شَرَطه جمهور أهل العلم؛ فلا يجوز التزوج بالأمة الكتابية، مع أن الله أباح نكاح حرائر أهل الكتاب قال سبحانه: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ... [سورة المائدة:5]، وأجاز أبو حنيفة - رحمه الله - نكاح الأمة غير المؤمنة، ولم يقل بقول الجمهور بناء على أصوله فهو لا يرى إعمال مفهوم المخالفة، وهذا هو مأخذ المسألة.
وأما مسألة الوطء للأمة فمذهب عامة أهل العلم أن الأمة غير الكتابية - كالمجوسية، والوثنية - لا يجوز له أن يطأها بملك اليمين، ولقد ذكر الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - بأن ذلك لم يخالف فيه إلا طاوس بن كيسان - رحمه الله -، ولكن عند استعراض النصوص نجد أنه لم يرد في مسألة تحريم الوطء للأمة شيء لا في كتاب الله ، ولا عن النبي  ﷺ يدل على أنه لا توطأ غير الكتابية، بل كان سبايا العرب عند المسلمين كتابيات، وغير كتابيات - كسبايا أوطاس، وغير أوطاس -، وكانوا يطئونهن، ولم ينهاهم النبي ﷺ عن وطئهن، وما أمرهم أن يفرقوا أو ينظروا في دينهن، - والله أعلم -.
ولا يجوز لإنسان أن يتزوج أمته بالإجماع إلا إذا أعتقها فله أن يتزوجها.
وقوله سبحانه: وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ يحتمل أن يكون ذلك من جهة النسب يعني يرخص لك في التزوج بالأمة في حال الاضطرار إذا خفت على نفسك العنت - يعني الزنا -، فيجوز أن تتزوج الأمة، وهذا الأمر كانت العرب تنفر منه، والله قد كرهه لهم، فخفف عليهم وطأته بأن جعله في حال الاضطرار، وقالت طائفة: وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ يعني أنتم ترجعون في النسب في الأصل إلى آدم - عليه الصلاة، والسلام -، وبعضهم يقول: (بعضكم من بعض): أي في الإيمان، فأنتم مشتركون فيه، وهذا بناء على أنه - كما ذكرنا من قول الجمهور - لا يجوز له أن يتزوج بالأمة غير المسلمة، ولو كانت كتابية، (بعضكم من بعض).
"ثم قال: فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ، فدل على أن السيد هو ولي أمته لا تزوج إلا بإذنه، وكذلك هو ولي عبده ليس لعبده أن يتزوج بغير إذنه، كما جاء في الحديث: أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر[2] أي: زان، فإن كان مالك الأمة امرأة زوّجها من يزوج المرأة بإذنها؛ لما جاء في الحديث: لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها[3]."

المقطع الأخير في الحديث من قوله: فإن الزانية هي التي تزوج نفسها[4] لا يخلو من ضعف.
"وقوله تعالى: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أي: وادفعوا مهورهن بالمعروف، أي: عن طيب نفس منكم."

استدل الإمام مالك - رحمه الله - بهذه الآية على أن المهر يكون ملكاً للأمة؛ لأن الله - سبحانه - أمر بأن تعطى هذا المهر، وعدوا هذا الموضع مما يستثنى، وقالوا: إنما استحقته مقابل ما استحل من بضعها، والمشهور أن المهر لسيدها، وإن أضافه إليها؛ لأن الأمة لا تملك إنما الذي يملك هو سيدها، - والله أعلم -.
"ولا تبخسوا منه شيئاً استهانة بهن؛ لكونهن إماء مملوكات.
وقوله تعالى: مُحْصَنَاتٍ أي: عفائف عن الزنا لا يتعاطينه."

وفي قراءة الكسائي، وهي قراءة متواترة بكسر الصاد مُحْصِنَاتٍ يعني لفروجهن.
"ولهذا قال: غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ، وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة، وقوله تعالى: وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ قال ابن عباس - ا -: المسافحات هن الزواني المعلنات، يعني الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة، ومتخذات أخدان: يعني أخلاء.
وكذا روي عن أبي هريرة ، ومجاهد، والشعبي، والضحاك، وعطاء الخرساني، ويحيى بن أبي كثير، ومقاتل بن حيان، والسدي، قالوا: أخلاء."

والمعنى أن تكون الأمة المراد نكحاها عفيفة ممتنعة من الفاحشة، وهذا أحد المعاني في قوله - تبارك، وتعالى -: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [سورة الأنعام:120]، وكذا في قوله في الفواحش: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ... [سورة الأعراف:33] فما ظهر، قيل: الزنا علانية، ومجاهرة، وما بطن قيل: مع الأخلاء، والأخدان.
"وقوله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ."

وفي قراءة حمزة، وعاصم: فَإِذَا أَحْصَنَّ، والمعنى على الأقرب واحد.
"المراد بالإحصان هاهنا التزويج؛ لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول - سبحانه، وتعالى -: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، - والله أعلم -."

وحمْل الإحصان على التزويج هو اختيار جماعة من المحققين، من المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -، وذهب جمهور المفسرين إلى أن المراد بالإحصان الإسلام فَإِذَا أُحْصِنَّ أي: أسلمن، ولو أخذنا بمفهوم المخالفة بناء على قول الجمهور فإن ذلك يقتضي أن لا حد عليها إذا لم تسلم، ولكن الجمهور يتعقبون ذلك بالقول: إنه لا اعتبار لمفهوم المخالفة في هذا الموضع؛ لأنه معارض بمنطوق السنة الصريح في إقامة الحد، فقد جاء عن أبي هريرة، وزيد بن خالد - ا - أن النبي ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت، ولم تحصن فقال: إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها، ولو بضفير[5]، وثبت من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها، ولو بحبل من شعر[6].
إذا تعارض المفهوم، والمنطوق قدم المنطوق؛ لأنه أقوى، وابن جرير - رحمه الله - جمع بين القولين فقال: إن قول الجمهور تفسر به قراءة الفتح فَإِذَا أَحْصَنَّ أي: أسلمن، وقراءة الضم فَإِذَا أُحْصِنَّ بالبناء للمجهول، بمعنى: تزوجن، فجعل معنى كل قراءة يختلف عن الآخر بناء على القاعدة أن القراءتين إن اختلف معناهما فهما بمنزلة الآيتين، ولكن الذي عليه كثير من أهل العلم: أن معنى القراءتين واحد، وهذا هو المتبادر من السياق، - والله أعلم -.
وقالت طائفة: لا يقام عليها الحد، ولكنها تضرب تأديباً، واستدلوا ببعض الظواهر التي قد لا تخلو من ضعف، ومما يضعف هذا الرأي حديث أبي هريرة السابق، وما روي عن علي أنه قال: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد - لمن أحصن، ولمن لم يحصن - فإن أمة لرسول الله ﷺ زنت فأمرني أن أجلدها، فهذا يدل على أن الأمة يقام عليها الحد سواء كانت مسلمة، أو غير مسلمة متزوجة، أو غير متزوجة.
"والآية الكريمة سياقها كلها في الفتيات المؤمنات فتعيَّن أن المراد بقوله: فَإِذَا أُحْصِنَّ أي: تزوجن، كما فسره ابن عباس - ا -، ومن تبعه.
وقوله: نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تنصيفه، وهو الجلد لا الرجم، - والله أعلم -."

واختلف المفسرون في المراد بالمحصنات في قوله سبحانه: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ فقال بعضهم: الحرائر، وقيل: المتزوجات، والمشهور الأول، وكل هذا يبينه السياق، وهذا يدل على أن اللفظة الواحدة يكون لها في كل موضع معنى بحسب السياق، - والله أعلم -.
"وقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ أي: إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا، وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله فحينئذ يتزوج بالأمة."

أصل العنت: الإثم، والعرب تقول ذلك لانكسار العظم إذا انجبر، وقد يراد بالعنت المشقة؛ لكون الإثم سبباً للمشقة، وقد يراد بالعنت الزنا باعتبار أن الزنا سبب للإثم الذي يتسبب عنه المشقة في الدنيا، وفي الآخرة.
"وإن ترك تزوجها، وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له؛ لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها، ولهذا قال: وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة النساء:25]." 

فكره الله لأهل الإيمان أن يتزوجوا الإماء إلا في حال الضرورة، بخلاف وطء الأمة بملك اليمين فإن أولاده منها أحرار، وينسبون لأبيهم، - والله أعلم -.
  1. أخرجه البخاري في كتاب العتق - باب كراهية التطاول على الرقيق، وقوله عبدي، وأمتي (2414) (ج 2 / ص 901).
  2. أخرجه أبو داود في كتاب النكاح - باب في نكاح العبد بغير إذن مواليه (2080) (ج 2 / ص 188)، وأحمد (14250) (ج 3 / ص 300)، والدارمي (2233) (ج 2 / ص 203)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2734).
  3. أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح - باب لا نكاح إلا بولي (1882) (ج 1 / ص 606)، وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (1841)، وقال في صحيح ابن ماجه: "إن الحديث صحيح دون جملة الزانية، انظر ضعيف الجامع حديث رقم (6214)".
  4. قال الألباني في صحيح ابن ماجه: إن الحديث صحيح دون جملة الزانية،، وأحال إلى كتابه ضعيف الجامع حديث رقم (6214).
  5. أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر، والردة - باب إذا زنت الأمة (6447) (ج 6 / ص 2509)، ومسلم في كتاب الحدود - باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (1703) (ج 3 / ص 1328).
  6. أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب بيع المدبر (2119) (ج 2 / ص 777)، ومسلم في كتاب الحدود - باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (1703) (ج 3 / ص 1328).

مرات الإستماع: 0

"وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ [النساء:25] معناها: إباحة تزوج الفتيات، وهنّ الإماء للرجل إذا لم يجد طولًا للمحصنات، والطول هنا: هو السعة في المال، والمحصنات هنا: يراد بهنّ الحرائر غير المملوكات، ومذهب مالك، وأكثر أصحابه أنه: لا يجوز للحُر نكاح أمة إلّا بشرطين:

- أحدهما: عدم الطول وهو ألا يجد ما يتزوج به حرة.

- والآخر: خوف العنت، وهو الزنا؛ لقوله بعد هذا: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وأجاز ابن القاسم نكاحهن دون الشرطين، على القول بأن دليل الخطاب لا يعتبر، واتفقوا على اشتراط الإسلام في الأَمَة التي تتزوج لقوله تعالى: مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ إلّا أهل العراق فلم يشترطوه."

قوله - تبارك وتعالى -: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ هنا لاحظ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أيمان جمع مضاف إلى معرفة، وهي الكاف فهذا يفيد العموم، فجاء الخطاب للجميع باعتبار المجموع، لا باعتبار كل فرد؛ لأنَّ المالك لا يصح أن يتزوج مملوكته؛ لأنَّ تملكه لها يغني عن تزوجه، فيباح له أن يستمتع بها، فلا يجوز له أن يتزوج المملوكة، إلا إذا أعتقها فله أن يتزوجها، صارت حرة، فهذه رخصة من الله - تبارك وتعالى - في حال خوف العنت كما سيأتي إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24].

فلاحظ التعبير هنا إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فهذا ظاهره العموم والصيغة جاءت بهذا الأسلوب للجميع باعتبار المجموع، لا باعتبار كل فرد أن يتزوج ملكة يمينهإِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لا، مجموع الأمة مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يعني: يتزوج من الإماء.

"إباحة تزوج الفتيات، وهنّ الإماء للرجل إذا لم يجد طولًا للمحصنات، والطول هنا: هو السعة في المال" هذا قول الجمهور، الطول أصله يدل على فضلٍ، وامتدادٍ في الشيء، وفسّره بعض السلف بالصبروَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا يقول: يهوى أمةً يحبها تعلق بها، فيخشى على نفسه، ولا يصبر عنها، ففي هذه الحال له أن يتزوجها لكن هذا بعيد وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أي صبرًا عن أَمَة.

 وفسره مالك[1] وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة[2] بالحرة وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني: من كانت تحته حرة، لم يتزوج أمة، وإلا جاز له ذلك، من كانت تحته حرة، فليس له أن يتزوج أَمَة، لكن ظاهر السياق - والله أعلم - ما قاله الجمهور وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا يعني: ليس لديه من القدرة المالية في بذل مهور الحرائر، فله أن يتزوج الأمة إذا خشي على نفسه العنت.

ويقول: "مذهب مالك، وأكثر أصحابه أنه: لا يجوز للحُر نكاح أمة إلّا بشرطين:

الأول: عدم الطول وهو ألا يجد ما يتزوج به حرة.

والآخر: خوف العنت، وهو الزنا".

خوف العنت هذا الشرط معتبر أيضًا عند الشافعية[3] والحنابلة[4] خلافًا للحنفية[5] لأنهم لا يعتبرون مفهوم المخالفة، يعني: مفهوم المخالفة أنه إن لم يخشَ العنت فلا يجوز له أن يتزوج الأمة، قال: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ فمن لم يخشَ العنت لا يجوز له أن يتزوج هذا على قول الجمهور؛ لأنهم يعتبرون مفهوم المخالفة، الأحناف لا يعتبرونه، فعندهم أنه يجوز له أن يتزوج الأمة، ولو لم يخشَ العنت يعني: هذا الشرط عند الأحناف غير معتبر خوف العنت.

يقول: "وأجاز ابن القاسم نكاحهن دون الشرطين، على القول: بأن دليل الخطاب لا يعتبر"، مفهوم المخالفة لا يعتبر، يعني: ابن القاسم من المالكية وافق الحنفية، بأن ذلك يجوز له ولو لم يخش العنت، هذا خلاف قول الجمهور.

يقول: "واتفقوا على اشتراط الإسلام في الأَمَة التي تتزوج"، وهذا قول الشافعية[6] وهو قولٌ أيضًا عند المالكية[7] وهو المذهب عند الحنابلة[8] لكون الحاجة تندفع بالمسلمة هذا في نكاح الإماء أن الحاجة تندفع بالمسلمة، وقالوا: الكافرة يجتمع فيها نقص الكفر مع نقص الرق، فذلك نقصٌ مركب فيكفيه نقص الرق عن نقص الكفر، هذا قول الجمهور.

وذهب الحنفية وهو قولٌ عند الحنابلة، إلى عدم اشتراطها، يعني: يجوز أن يتزوج الأمة الكافرة للإطلاق في قوله: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، وقوله: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ [النساء:3].

بل ذهب الجمهور إلى منع وطء الأمة الوثنية بملك اليمين، وذكر ابن عبد البر أنه لم يخالف في ذلك إلا طاووس[9] لكن أجازه بعض أهل العلم من المعاصرين كالشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - [10] للإطلاق في إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24].

وعلى كل حال هنا هذان الشرطان:

عدم الطول.

 والثاني خوف العنت.

أضاف بعض أهل العلم شرطين آخرين:

ألا تكون عنده زوجة حرة يمكنه الاستعفاف بها، هذا كما سبق في تفسير الطول.

 الشرط الآخر: ألا تكون الأمة مملوكة له ولا لولده، ولا يتزوج مملوكةٌ له ولا مملوكةً لولده، وسبق هذا إذا كانت مملوكةً له فكيف يتزوجها فهي تحت تصرفه ومن جملة أملاكه؟ والولد باعتبار هو وما يملك لأبيه.

"وإعراب طولًا: مفعولًا بالاستطاعة، وأن ينكح بدلٌ منه، فهو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح، ويحتمل أن يكون طولًا منصوبًا."

"إعراب طولًا مفعولًا بالاستطاعة وأن ينكح بدلٌ منه" هذا مصدر مؤول يعني نكاح وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ يعني: نكاح.

يقول: "بدلٌ منه" بدل كل من كلوَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ يعني نكاح، بدلٌ منه، بدل كل من كل؛ لأن الطول هو القدرة، أو الفضل، والنكاح قدرة، وفضلوَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ يعني: ومن لم يستطع منكم نكاح المؤمنات الحرائر.

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ نكاح باعتبار أن ينكح بدل من طولًا، بدل كل من كل وجهه ما ذكرت أن الطول هو القدرة أو الفضل، والنكاح قدرةٌ وفضل بهذا الاعتبار.

"وهو في موضع نصب بتقدير؛ لأن ينكح، ويحتمل أن يكون طولًا منصوبًا على المصدر، والعامل فيه الاستطاعة؛ لأنها بمعنى يتقارب، وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة، أو بالمصدر".

بالمصدر يعني: طولًا ، والتقدير ومن لم يستطع أن ينال نكاح المحصنات، فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات.

"وأن ينكح بدلٌ منه، وهو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح، ويحتمل أن يكون طولًا منصوبًا على المصدر، والعامل فيه الاستطاعة؛ لأنها بمعنى يتقارب، وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة أو بالمصدر" 

في النسخة الخطية: والعامل فيه الاستطاعة؛ لأنهما بمعنى يتقارب.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ معناه: أنه يعلم بواطن الأمور ولكم ظواهرها، فإذا كانت الأَمَة ظاهرة الإيمان، فنكاحها صحيح، وعلم باطنها إلى الله."

"وعلم باطنها إلى الله" كما قال ابن عطية: بأن هذا من أجل إلا يستريب[11] متحير بإيمان بعض الإماء، كقريبة العهد بالسباء، سُبيت حديثًا وهو يقول: يتشكك هذه مؤمنة أو ليست مؤمنة، أو مثل الخرساء التي لا تبين، وما أشبهه، وأيضًا في اللفظ تنبيه على أنه ربما كان إيمان أَمَة أفضل من إيمان بعض الأحرار، أو الحرائر

"بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أي: إماؤكم منكم، وهذا تأنيس بنكاح الإماء؛ لأنَّ بعض العرب كان يأنف من ذلك."

كما قال ابن عطية: بعضكم من بعض، أي: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] [12] فهذا معنى التأنيس، أتقاكم فهذا معنى التأنيس.

وقال ابن جرير - رحمه الله -: بأنه بعضكم من بعض أنه مرفوع بفعل مقدر، فلينكح مما ملكت أيمانكم بعضكم من بعض، باعتبار أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا على قول ابن جرير[13].

 يعني: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [النساء:25]، فعلى قول ابن جرير: التقديم، والتأخير ترتيب الكلام هكذا: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ يعني الحرائر فلينكح مما ملكت أيمانكم بعضكم من بعض، لكن الأصل في الكلام الترتيب، من القواعد الترجيحية أنه إذا دار الكلام بين ترتيب، أو دعوى التقديم والتأخير، فالأصل في الكلام الترتيب، الأصل في الكلام الترتيب.

 وبعضهم يقول: المعنى: بعضكم من بعض يعني: متصلٌ في الأنساب كلكم ترجعون إلى آدم، هي ما خرجت من مخلوقٍ آخر، وإنما هو أبٌ للجميع أنتم ولد آدم، وبعضهم يقول: بعضكم من بعض، يعني: أنتم متصلون في الدِّين، أن دينكم واحد.

والحافظ ابن كثير يقول: المعنى أي هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها، وإنما لكم أيُّها الناس الظاهر من الأمور وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ[14].

يقول هنا: هذا تأنيس بنكاح الإماء؛ لأنَّ بعض العرب كان، سواءً قال: هذا التأنيس باعتبار أن الدِّين واحد، أو باعتبار أن الأب واحد، أو نحو ذلك مما يدخل في هذا المعنى، يعني: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

"فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ أي: بإذن ساداتهن المالكين لهنّ."

يعني: بإذن السادة المالكين، وفي الحديث: أيُّما عبدًا تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر[15] حديث صحيح، والمرأة من باب أولى، إذا تزوجت من غير إذن مواليها.

فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ فهذا شرط لا يجوز له أن يتفق معها، بل لو عرف أبوها فلا يجوز له أن يلجأ إليه لينكحه ابنته، وهي مملوكة، لكن لو كان المالك امرأة فمن يزوجه إياها ؟ من يلي تزويج المرأة.

"وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي: صدقاتهنّ، وهذا يقتضي أنهنّ أحق بصدقاتهنّ من ساداتهنّ، وهو مذهب مالك."

وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ظاهره أنه يعطيها الصداق، لكن معروف أن المملوك لا يملك، وأنه وما يملك لسيده، ولهذا كان قول الجمهور أن قوله تعالى: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أن ذلك لا يكون لها، وإنما يكون لسيدها، طيب لماذا قال: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ؟ باعتبار أن التأدية إليهن تأديةٌ للسيد، وإلا فالصداق يكون لمن؟ لمالكها، لسيدها.

"بِالْمَعْرُوفِ أي: بالشرع على ما تقتضيه السنة."

بِالْمَعْرُوفِ يعني: عن طيب نفس، من غير مماطلة، ولا بخس يقول: هذه أمة فيماطل معها، أو يبخس مهرها، أو نحو ذلك.

"مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ أي: عفيفات غير زانيات، وهو منصوبٌ على الحال، والعامل فيه فانكحوهنّ."

عفيفات يعني: مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ فسّره ابن عباس بالمعلنات[16] يعني: بالزنا، غير مسافحات، والمسافحات هنَّ الزواني اللاتي لا يمنعن أحدًا أراد ذلك، يعني: لا تختص أحداً بعينه يكون خليلًا له، وإنما تزني مع من أراد، مسافحات، قال هنا: غير زانيات، وعلى قراءة الكسائي بالكسر مُحْصَناتٍ غَيْرِ مُسافِحاتٍ غير مسافحات.

ويقول: "وهو منصوبٌ على الحال"، وعلى هذه قراءة الجمهورمُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ "منصوبٌ على الحال" يعني غير، "منصوبٌ على الحال والعامل فيه فانكحوهنّمُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وعلى قراءة الكسائي غَيْرِ مُسافِحات يعني: عفيفات غير زواني.

والمقصود: انكحوهن حال كونهن محصناتٍ غير مسافحات، لا تكونوا ممن يتعاطى أو يمارس الزنا مع من أراد.

"وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ جمع خدن، وهو الخليل، وكان من نساء الجاهلية من تتخذ خدنًا تزني معه خاصة، ومنهنّ من كانت لا تردّ يد لامس."

الخليل الخدن، والخدن هو المصاحب، وأكثر استعماله فيمن يصاحب أو يصاحب لشهوة، يقال له: خدن، لكن ليس دائمًا فقد يطلق على الحبيب، والرفيق، والصاحب الملازم، يقال: فلان خدن فلان، يعني يكثر مجالسته يلازمه، ونحو ذلك.

 يقول: "وكان من نساء الجاهلية من تتخذ خدنًا، تزني معه خاصة، ومنهنّ من كانت لا تردّ يد لامس" على كل حال تفسير الخدن بالخليل، هذا مروي عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم، كأبي هريرة، وعن الشعبي، والضحاك، وعطاء الخراساني، ويحيى بن أبي كثير، مقاتل بن حيان، والسُدِّي[17].

"فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ معنى ذلك: أن الأَمَة إذا زنت بعد أن أحصنت فعليها نصف حدّ الحرة، فإن الحرة تجلد في الزنا مائة جلدة، والأَمَة تجلد خمسين."

قوله: فَإِذا أُحْصِنَّ الإحصان هنا قال ابن كثير: التزويج بدلالة سياق[18] يعني: إذا تزوجن، إذا أُحصنَّ وبهذا فسره ابن عباس - ا - وغيره، لكن الجمهور قال: فإذا أُحصنَّ فسروه بالإسلام، يعني إذا أسلمن. 

وعلى هذا على قول الجمهور أن الأمة الكافرة لا تحدفَإِذا أُحْصِنَّ أي: أسلمن، فالكافرة على هذا لا تحد، مع أن الجمهور لا يقولون الأمة الكافرة لا تحد، لكن هذا مقتضاه فسروه بالإسلام، فمفهوم المخالفة أن غير المسلمة لا تحد، وبعضهم يقول: تضرب تأديبًا، إذا زنت تضرب تأديبًا، لكن من غير تحديد خمسين جلدة نصف حد الحرة، لكن هنا الله - تبارك وتعالى - يقول: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ.

إذا أُحصنَّ، فعلى أنه التزويج، يعني: إذا تزوجن فلا حد على الأمة، هذا ظاهره ما لم تتزوجفَإِذا أُحْصِنَّ إذا قيل: أُحصنَّ بمعنى تزوجن، مفهوم المخالفة أنها إن لم تتزوج فلا حد عليها، مع أن السُنَّة دلت على الحد على البكر من الإماء، هذا جاء في السُنَّة.

ذكر حديث علي وغيره، روى مسلم بسنده قال: خطب عليٌ قال: يا أيُّها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمةَ لرسول الله ﷺ زنت، فأمرني أن أجلدها.

يعني الشاهد فيه: من أحصن ومن لم يحصن فإذا هي حديث عهد بنفاس يعني: من الزنا فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: أحسنت[19].

 وكذلك في حديث أبي هريرة في الصحيحين: إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها[20] هذا ظاهره العموم إذا زنت أمة أحدكم ما قال: المتزوجة، الأصل بقاء العام على عمومه، والمطلق على إطلاقه، إلا لدليلٍ يدل على التقييد.

فهنا قوله: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ يقول: "معنى ذلك: أن الأَمَة إذا زنت بعد أن أحصنت فعليها نصف حدّ الحرة".

"فإن الحرة تجلد في الزنا مائة جلدة، والأَمَة تجلد خمسين، فإذا أحصنَّ يريد به هنا تزوّجن، والفاحشة هنا الزنا، والمحصنات هنا الحرائر، والعذاب هنا الحدّ."

أُحصنَّ على هذه القراءة أُحصنَّ، الفاعل هو الأزواج، فإذا أحصن على جعل الإماء مفعولات، أُحصنَّ أُحصنهنَّ الأزواج بإحصان الأزواج لهنَّ، هذا واضح، وإذا فُسِّر بأسلمن، فإذا أُحصنَّ على هذه القراءة، قراءة ضم الهمزة، إذا أُحصنَّ، البناء للمجهول، يعني: أحصن أنفسهن بالإسلام.

 قال: "يريد به هنا تزوّجن" وهذا المعنى هو الذي اختاره ابن كثير[21] أنه معنى التزوج، ومن المعاصرين الطاهر ابن عاشور[22].

وفسر أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله - الإحصان بالإسلام أو النكاح[23] يقول: الإحصان بالإسلام أو بالنكاح، يعني بهذا وهذا، إذا حصل لها إسلام، أو تزوجت، وبهذا قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - من المعاصرين[24].

وحمل ابن جرير - رحمه الله - قول الجمهور على قراءة الفتح، فإذا أَحصنَّ، يعني: أسلمن، والقول الآخر على قراءة الضم فإذا أُحصنَّ، يعني بالتزوج، وهذا مثال لتوجيه الأقوال بتنزيلها على القراءات المختلفة.

"والعذاب هنا الحدّ، فاقتضت الآية حدّ الأَمَة إذا زنت بعد أن تزوّجت، ويؤخذ حدّ غير المتزوّجة من السُنّة وهو مثل حدّ المتزوّجة، هذا على قراءة أُحصِنّ بضم الهمزة وكسر الصاد، وقرئ بفتحهما، ومعناه أسلمن، وقيل: تزوّجن."

مع أن قوله - تبارك وتعالى -: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ هنا باعتبار الحرائر، وبعضهم قال: نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ يعني: المتزوجات، لكن هذا لا يخلو من إشكال؛ لأنَّ حد المتزوجة هو الرجم، والرجم لا يتنصف، وإنما الجلد هو الذي يتنصف، وإنما المقصود الحرائر فعليهن نصف ما على الحرائر من العذاب، يعني الحد، وهذه القراءة أحصن بضم الهمزة، هي قراءة الجمهور، والقراءة الثانية فإذا أَحصنَّ هذه قرأ به الكسائي، وحمزة، وأبو بكر.

"وقرئ بفتحهما، ومعناه أسلمن" يعني: أحصن "وقيل: تزوّجن". والمعنى: أنهن إذا أسلمن، لاحظ توجيه القراءة إذا أَحصنَّ يعني إذا فسر بالإسلام إذا أسلمن أَحصن فروجهن بالإسلام، يعني: أعففن أن الإسلام يأمر بالعفاف، وبعضهم يقول: أحصن أنفسهن بالتزويج، بإسناد الفعل إليهن، فإذا أحصن يعني أنفسهن بالنكاح، أحصن أنفسهن بالنكاح - والله أعلم -.

"ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ الإشارة إلى تزوّج الأَمَة، أي: إنما يجوز لمن خشي على نفسه الزنا، لا لمن يملك نفسه."

خشي على نفسه الزنا، ذلك لمن خشي العنت وهو الفجور، يقال: عنت إذا وقع في أمرٍ يخاف منه التلف، ويطلق أيضًا العنت على الضرر والفساد، وأصله يدل على المشقة، ويقال: للإثم، وأصله في اللغة يقال: لانكسار العظم بعد الجبر، ويقال: لكل مشقة، وكل هذا متحقق في الزنا فهو إثم، ومشقة أيضًا.

ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ يعني: الزنا، خشي الوقع في الإثم، أن يلحقه مشقة بسبب ذلك.

وقوله: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ "الإشارة إلى تزوّج الأَمَة" ابن جرير - رحمه الله - يقول: عمم الله بقوله: لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ جميع أنواع العنت، يعني لم يحمله على خصوص معنى مما ذُكِر، فالزنا لأنه يوجب العقوبة على صاحبه في الدنيا، بما يعنت بدنه ويكتسب به إثمًا، ومضرةً في دينه، ودنياه، إن جمع بين هذه المعاني، وهذا لا شك أنه أكمل - والله أعلم -.

"وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ المراد الصبر عن نكاح الإماء، وهذا ندبٌ إلى تركه، وعلته ما يؤدي إليه من استرقاق الولد."

يعني: هذه الحكمة في تحريم تزوج الأمة، باعتبار أنه يحرم إلا هذا بالشرط، وزاد بعضهم كابن عاشور أيضًا، لماذا لا يتزوج الأمة؟ لئلا يوقع نفسه في مذلة تصرف الناس في زوجته[25]؛ لأنَّ المالك أحق بها، يعني إذا أمرها السيد بشيءٍ، وأمرها الزوج بشيء فما المقدم؟ أمر السيد، لو أمرها زوجها أن تأتي إليه، أن تبيت عنده، والسيد منعها، فالقول قول السيد، فجعل نفسه في هذه الحال، والمذلة، والمهانة يتصرف بامرأته غيره.

وذكر صاحب التفسير الكبير خمسة أوجه، فذكر ما سبق وزاد أيضًا، أنها ربما يعني تكون لخفة شرفها، قلته معتادة على الخروج، ويهون عليها الفجور، فالفجور في الإماء والمماليك أكثر[26]؛ ولهذا قال الله في سورة النور: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32] ولم يقيد، لكن لما ذكر المماليك قال: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32].

 فقال بعض أهل العلم: قيد الصلاح في المماليك ولم يقيده في الأحرار، باعتبار أن الغالب في المماليك الفساد والشر والسوء؛ لأنَّ شرفهم أقل فلا يتنزهون من مواقعة ما لا يليق مما يكون به ذهاب المروءات، والشرف، ونحو ذلك، يقول: ليس عنده شرف يخاف عليه، ليس هناك ما يخسر إذا واقع مثل هذه القبائح؛ ولهذا قالت هند زوج أبي سفيان: أوتزني الحرة؟ يعني هل هذا يتصور؟ أوتزني الحرة؟ لكن الأمة لقلة شرفها قد لا تبالي.

فكذلك أن حق المولى عليها أعظم من حق الزوج، إضافة إلى أنه قد يبيعها، السيد قد يبيع هذه الأمة التي هي زوجة لرجلٍ حر، تباع - والله أعلم - من تصير إليه، وبعضهم يعتبر أن هذه البيع هو فسخ للنكاح، أو طلاق عند  بعض الفقهاء، وعلى فرض عدم ذلك فإنه قد يسافر بها وبولده منها.

يعني: الأولاد قلنا: بأنهم يكونون مماليك، المشهور أنه مُنِع من تزوج الإماء؛ لأنَّ ذلك يؤول إلى رق الولد؛ لأنَّ الولد يتبع الأم فيما يتصل بالحرية، وضدها، الحرية والرق يتبع الأم، فأولاده يكونون أرقاء، يكونون ملكًا للسيد، فقد يسافر بها ويترك هذا الزوج، ويسافر بالأولاد وهو أحق بهم، وبهذه المرأة؛ لأنها مملوكة له، هذا بالإضافة إلى أن مهرها هو مِلك لمولاها لسيدها، فلا تستطيع أن تسقط شيئًا من المهر، أو تتصرف في شيء من ذلك - والله أعلم -.

"وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ المراد الصبر عن نكاح الإماء، وهذا ندبٌ إلى تركه، وعلته ما يؤدي إليه من استرقاق الولد."

نعم هذا مضى. 

  1.  بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/66).
  2.  تفسير القرطبي (5/136).
  3.  الحاوي الكبير (9/234).
  4.  المغني لابن قدامة (7/136).
  5.  بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/267)
  6.  الأم للشافعي (5/9).
  7.  البيان والتحصيل (4/460).
  8.  شرح الزركشي على مختصر الخرقي (5/190).
  9.  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (3/135).
  10.  أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/235).
  11.  تفسير ابن عطية (2/38).
  12.  المصدر السابق (2/38).
  13. تفسير الطبري (8/191).
  14. تفسير ابن كثير (2/260).
  15.  أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب في نكاح العبد بغير إذن سيده، رقم: (2078).
  16.  تفسير الطبري (8/193).
  17.  تفسير ابن كثير (2/261).
  18.  المصدر السابق (2/261).
  19.  أخرجه مسلم، كتاب الحدود، باب تأخير الحد عن النفساء، رقم: (1705).
  20.  أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع المدبر، رقم: (2234)، ومسلم، كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، رقم: (1703).
  21.  تفسير ابن كثير (2/262).
  22.  التحرير والتنوير (5/16).
  23. تفسير الطبري (8/199).
  24.  تفسير السعدي (ص:174).
  25.  التحرير والتنوير (5/15).
  26.  تفسير الرازي (10/38).