الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُوا۟ مَيْلًا عَظِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا أي: يريد أتباع الشياطين من اليهود، والنصارى، والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلاً عظيماً."

وبعض أهل العلم اقتصر في حمل الآية على الزناة، والمراد أن الله إنما رخص لكم في التزوج بالأمة؛ تخفيفاً عنكم في حال الضرورة، ومندوحة لكم كي لا تقعوا في هذه الفاحشة - الزنا -، ولكي تسلكوا مسالك النزاهة، والطهر، والنظافة، وفي المقابل يريد عبيد الشهوات الزناة أصحاب الفواحش - ويدخل في الآية اليهود، والنصارى، ومن تابعهم في ذلك ممن يريدون إفساد المرأة، وإخراجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، وما إلى ذلك من معاني العري، والتهتك، والتفسخ - أن تميلوا ميلاً عظيماً.

مرات الإستماع: 0

"وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27]: كرر؛ توطئةً لفساد إرادة الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ: وهم هنا الزُنَّاة عند مجاهد، وقيل: المجوس؛ لنكاحهم ذوات المحارم، وقيل: عامٌّ في كل متبعٍ شهوةً، وهو أرجح."

قوله هنا: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يقول: كرر يعني ذكر الإرادة، إرادة الرب - تبارك وتعالى - كما قال قبله: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فما قال: ويتوب عليكم، وإنما كرر فعل الإرادة وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ.

 يقول: كرر؛ توطئةً لفساد إرادة الذين يتبعون الشهوات وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا فقابله بإرادته، وبعضهم يقول لما كانت الشهوة في هذا الباب غالبة فلابد أن تُوجب ما يوجب التوبة وهو الذنب، فكرّر هنا وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وبعضهم يقول: إنها مسُوقة هنا لبيان كمال منفعة إرادة الله، وكمال مضرَّة ما يُريد الفجرة، لا لبيان إرادته لتوبته عليهم حتى يكون من باب التكرير.

المقصود: أن هذا ليس بتكرار محض ولا يوجد في القرآن - كما ذكرنا في بعض المناسبات - لا يوجد تكرار محض، وإنما يكون لمعنى، وذكرنا لهذا أمثلة كما في سورة الرحمن فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وأن كل موضع يتعلق بالذي قبله، وهكذا فيما يُظن أنه من قبيل التكرار.

وقوله هنا: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ: فظاهره - والله تعالى أعلم - أن المُراد هنا - والله أعلم -: المقابلة بين إرادته، وإرادة الذين يتّبعون الشهوات وبضدّها تتبين الأشياء، فهذه إرادته الكاملة، وتلك إرادة أولئك المُنسفِلة، والذين يتبعون الشهوات هنا ذكر الأقوال فيهم، لكن المقصود قبل هذا بقوله: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ  يعني أن يُوفقكم للتوبة ويقبلها منكم فيرجع بكم إلى طاعته مما كُنتم عليه من معصيته، يعني يُجمع في المعنى هنا بتوبة الله - تبارك وتعالى - على العبد، فهي تأتي بمعنى التوفيق للتوبة وتأتي بمعنى قبول توبة العبد، الرجوع عليه بالتوبة، فكل ذلك حاصل، -والله - تعالى أعلم -.

والَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ قال: هنا الزُنَّاة عند مجاهد، وقيل: المجوس لنكاحهم ذوات المحارم، وهذا كأنه من قبيل التفسير بالمثال الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أوسع من هذا كما يدل عليه ظاهر اللفظ، ولهذا قال: عامٌّ في كل متبعٍ شهوةً، فهم كما يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أتباع الشياطين من اليهود، والنصارى، والزُناة"[1] وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يعني عن الجادّة، عن الصراط المستقيم، عن الحق، ومعلومٌ أن الانحراف يقوم على أصلين:

الأول وهو اتّباع الشهوات: باب الشهوة.

والثاني: وهو باب الشُبهة.

  1. تفسير ابن كثير (2/267).