الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ أي: في شرائعه، وأوامره، ونواهيه، وما يقدره لكم، ولهذا أباح الإماء بشروطه كما قال مجاهد، وغيره.
وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا، فناسبه التخفيف لضعفه في نفسه، وضعف عزمه، وهمته، وروى ابن أبي حاتم عن طاوس: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا أي: في أمر النساء، وقال وكيع: يذهب عقله عندهن."

يعني لغلبة الشهوة فيضيع كثيراً من حقه، وحق من ولاه الله شئونهم، وهذا التخفيف روعي فيه ضعف الإنسان لكونه لا يصبر عادة على النساء، لأجل ذلك أبيح له التزوج بالأمة في حال الاضطرار، فهذا المعنى في غاية المناسبة.
لكن الأحسن أن يقال: إن الآية عامة كما يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله -، وجماعة من المحققين، فإن الإنسان خلق ضعيفاً في أصل،ه فخلقه من ماء مهين، وخلق ضعيفاً في نشأته حيث يبدأ طفلاً صغيراً، ثم يبدأ يكبر، ثم يضعف مرة أخرى، وهو ضعيف في بنائه، وتكوينه، وفي نفسه فرب كلمة أضحكته تارة، وأبكته أخرى، ويعجز عن كثير من الأمور التي يتمنى فعلها، أو القيام بها، ومن ضعفه أنه لا يصبر عن النساء، فرخص له، وروعي حاله، وهذا من رحمة الله ، ولطفه بالمكلفين. 

مرات الإستماع: 0

"يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُم [النساء:28]: يقتضي سياق الكلام التخفيف الذي وقع في إباحة نكاح الإماء، وهو مع ذلك عامٌّ في كل ما خفَّف الله عن عباده، وجعل دينه يسرًا، - وفي نسخة: [وجعل دينهم يسرًا] -."

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ بتوبته - تبارك وتعالى - عليهم؛ ليتجاوز لكم بتوبتكم عن الماضي أو ما سلف منكم من الذنوب والمعاصي قبل التوبة يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ.

الحافظ ابن القيم - رحمه الله -[1] ذكر توجيه يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ بأنه لمّا كان للعبد في هذا الباب ثلاثة أحوال: حالة جهل بما يحل له ويحرم عليه، وحالة تقصير وتفريط، وحالة ضعف وقلة صبر، قابل جهل عبده بالبيان، والهُدى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وقابل تقصيره وتفريطه بالتوبة وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وقابل ضعفه وقلة صبره بالتخفيف يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وهذا التخفيف في شرائعه، وأوامره، ونواهيه، وكذلك ما يُقدّره لهم، ولذلك لما كانوا بحالٍ من الضعف أباح لهم نكاح الإماء بشرطه وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28] كما سبق هذا عام ويدخل فيه أيضًا ما جاء بهذا السياق أنه ضعيف أي: لا يصبر عن النساء، فإذا كان لا يستطيع أن يتزوج الحرة فإنه يُباح له أن يتزوج الأمة، فهذا من التخفيف.

والمعنى أعم من هذا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، هنا قال أن : يقتضي سياق الكلام التخفيف الذي وقع في إباحة نكاح الإماء، وهو مع ذلك عامٌّ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].

"وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا [النساء:28] قيل: معناه: لا يصبر عن النساء - وفي نسخة: [لا يصبر على النساء] -  وذلك مقتضى سياق الكلام، واللفظ أعم من ذلك

لا يصبر عن النساء أحسن من على، لا يصبر وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا على كل حال هو ضعيف في نفسه، وضعيف في بدنه وضعيف في عزمه، وإرادته، وهمّته، وضعيفٌ في صبره، فيُحمل ذلك على العموم، ضعيف في عبادته، ضعيف في مُقاومته لدواعي النفس، وشهواتها إلى غير ذلك، وهذا المعنى اللائق - والله تعالى أعلم - لكن من السلف من حمله على أمر النساء كما أشار المؤلف، وهذا جاء عن طاووس، واختاره كبير المفسرين أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله -[2] باعتبار السياق وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا أي لا يصبر عن النساء، فهذا معنًى صحيح دل عليه السياق لكن المعنى في الآية أعمّ من هذا، وقد قال وكيع بن الجراح - رحمه الله -: بأنه يذهب عقله عند النساء[3]  - والله المستعان -.

 

  1. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:203 - 204).
  2. تفسير الطبري (6/624 - 625).
  3. تفسير ابن كثير (2/267).