"يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُم [النساء:28]: يقتضي سياق الكلام التخفيف الذي وقع في إباحة نكاح الإماء، وهو مع ذلك عامٌّ في كل ما خفَّف الله عن عباده، وجعل دينه يسرًا، - وفي نسخة: [وجعل دينهم يسرًا] -."
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ بتوبته - تبارك وتعالى - عليهم؛ ليتجاوز لكم بتوبتكم عن الماضي أو ما سلف منكم من الذنوب والمعاصي قبل التوبة يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ.
الحافظ ابن القيم - رحمه الله - ذكر توجيه يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ بأنه لمّا كان للعبد في هذا الباب ثلاثة أحوال: حالة جهل بما يحل له ويحرم عليه، وحالة تقصير وتفريط، وحالة ضعف وقلة صبر، قابل جهل عبده بالبيان، والهُدى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وقابل تقصيره وتفريطه بالتوبة وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وقابل ضعفه وقلة صبره بالتخفيف يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وهذا التخفيف في شرائعه، وأوامره، ونواهيه، وكذلك ما يُقدّره لهم، ولذلك لما كانوا بحالٍ من الضعف أباح لهم نكاح الإماء بشرطه وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28] كما سبق هذا عام ويدخل فيه أيضًا ما جاء بهذا السياق أنه ضعيف أي: لا يصبر عن النساء، فإذا كان لا يستطيع أن يتزوج الحرة فإنه يُباح له أن يتزوج الأمة، فهذا من التخفيف.
والمعنى أعم من هذا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، هنا قال أن : يقتضي سياق الكلام التخفيف الذي وقع في إباحة نكاح الإماء، وهو مع ذلك عامٌّ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
"وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا [النساء:28] قيل: معناه: لا يصبر عن النساء - وفي نسخة: [لا يصبر على النساء] - وذلك مقتضى سياق الكلام، واللفظ أعم من ذلك
لا يصبر عن النساء أحسن من على، لا يصبر وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا على كل حال هو ضعيف في نفسه، وضعيف في بدنه وضعيف في عزمه، وإرادته، وهمّته، وضعيفٌ في صبره، فيُحمل ذلك على العموم، ضعيف في عبادته، ضعيف في مُقاومته لدواعي النفس، وشهواتها إلى غير ذلك، وهذا المعنى اللائق - والله تعالى أعلم - لكن من السلف من حمله على أمر النساء كما أشار المؤلف، وهذا جاء عن طاووس، واختاره كبير المفسرين أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله - باعتبار السياق وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا أي لا يصبر عن النساء، فهذا معنًى صحيح دل عليه السياق لكن المعنى في الآية أعمّ من هذا، وقد قال وكيع بن الجراح - رحمه الله -: بأنه يذهب عقله عند النساء - والله المستعان -.