اختلف أهل التأويل في عود الضمير - اسم الإشارة -:
فقالت طائفة: يعود الضمير إلى آخر مذكور، وهو قتل النفس، وبعضهم أعاد الضمير إلى آخر مذكورين: أكل أموالهم بينهم بالباطل، وقتل النفس.
وقالت طائفة: إن ذلك يرجع إلى المذكورات قبله من قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا [سورة النساء:19]، وعللوا ذلك بأن الله من أول السورة لا يذكر نهياً إلا وأعقبه بالوعيد المترتب عليه إلى هذه الآية فما بعدها فلم يذكر، وعيداً حتى بلغ قوله سبحانه: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا، وَظُلْمًا، والمعنى، ومن يفعل من المنهيات، والمحرمات التي ذكرت إلى هذا الموضع فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا، واختار هذا القول كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -.
وتوسعت طائفة أخرى من أهل العلم في المعنى أكثر من غيرهم، فجعلوا الضمير عائداً إلى كل المنهيات السابقة من أول السورة حتى هذا الموضع.
والمتبادر من السياق أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور قبله، وهو قوله سبحانه: لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ، ويلي هذا القول قوة قول ابن جرير - رحمه الله -، ثم من قال: إن الضمير يرجع إلى كل المنهيات، ووجه القولين الآخرين: ما ذكره الله من اسم الإشارة الدال على البعيد ذَلِكَ، ولم يقل: ومن يفعل هذا عدواناً، وظلماً، كما قال الله في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [سورة الفرقان:68] أي: من المذكورات قبله يَلْقَ أَثَامًا... الآيات، - والله أعلم -.