الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُوا۟ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ ۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ ۚ وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا۟ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [سورة النساء:34].
يقول تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء أي: الرجل قَيّم على المرأة، وهو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجَّت.
بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلْك الأعظم؛ لقوله ﷺ: لن يُفلِح قومٌ، وَلَّوا أمْرَهُم امرأة رواه البخاري[1]، وكذا منصب القضاء، وغير ذلك.
وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [سورة النساء:34] أي: من المهور، والنفقات، والكلف التي أوجبها الله عليهم لهنَّ في كتابه، وسنة نبيه ﷺ،  فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها، والإفضال، فناسب أن يكون قَيّماً عليها كما قال تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ الآية [سورة البقرة:228].

فقوله - تبارك، وتعالى -: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء [سورة النساء:34] بمعنى أنهم القائمون على تدبير شئونهن، ورعايتهن، وحفظهن، وما أشبه ذلك من المعاني، فهي قِوامة تدبير، وحفظ، ورعاية، أي أنه يقوم على شئونها، تقول: فلان قائم على كذا، أو قيّم لكذا، كما تقول: الرجل قيِّم، بمعنى أنه قائم على شئون المرأة، فجعل الله له الولاية على هذه المرأة يتصرف بحسب المصلحة لا بحسب هواه، ومزاجه.
وليس المقصود من القوامة الظلم، والعسف، والتحكم في المرأة بأهواء الرجل، وإنما المقصود القيام على مصالحها؛ لأن الله قد استرعاه إياها، وفي الحديث: كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته[2]، فالمرأة لا تستقل بالتصرف المطلق من دون الولي، فالولي هو الذي يزوجها، والولي هو الذي يقوم على شئونها من نفقة إلى غير ذلك.
وفي قول الله : بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [سورة النساء:34] قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أي لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة" إلى آخره، فهذا التفضيل ينتظم أمرين: الأول: التفضيل الوهبي بما حبا الله به الرجل من الخصائص، والملكات، والإمكانات، والقدر، من وفور العقل، وقوة الشكيمة، والقدرة على ضبط النفس، والتصرف في المواقف الصعبة، وما أشبه ذلك، فالقوامة له بهذا الاعتبار.
الثاني: التفضيل الكسبي، فالحاصل أن ذلك كله يدخل في التفضيل الذي في قوله تعالى: بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [سورة النساء:34] كما قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى [سورة آل عمران:36] فهذا حق لا مرية فيه، كما أن علم التشريح، والطب يثبت أن خصائص الرجل العقلية، ودماغه، وخصائصه الجسدية تختلف عن خصائص المرأة، فدماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة، وأنسجة الرجل، وخلايا جسمه، وتكوينه، وخصائصه، وما أشبه ذلك أقوى من المرأة بلا شك، ولذلك تجد قوة الرجل، وبنيته، وهيكله يختلف تماماً عن المرأة، وكذلك في عظامه فقد ركب الله كل واحد بما يناسبه، وكذلك حوض الرجل يختلف عن حوض المرأة من أجل الحمل، وضعف عظام المرأة، وقوة عظام الرجل، وعضلات الرجل، وعضلات المرأة، وغير ذلك كله فرَّق الله فيه بين الرجل، وبين المرأة.
حتى إن الذين درسوا أيضاً خصائص المرأة النفسية، وما يعتورها من حيض، وحمل، ونفاس، وما أشبه ذلك ذكروا أشياء، وكثير من هؤلاء هم من غير المسلمين أصلاً، ذكروا حالات المرأة في حال الحيض، وما يعتريها من توتر، وكذلك في حال الحمل، وما يحصل فيه من ضمور للمخ، وما يحصل فيه أيضاً من شرود في التفكير، وقلة في التركيز إلى الضعف الطبيعي الذي يحصل لها في بدنها، وميلها إلى الاسترخاء، والراحة، ولذلك ذكروا أن كثيراً من الحوادث التي تقع للنساء تكون في الأوقات التي تكون فيها المرأة في حال الحيض، أو في حال الحمل؛ لأنها لا تستطيع التركيز، وإذا كان ذلك في أوقات يشتد فيها الحر، أو الزحام، أو نحو ذلك فقدرة المرأة على التركيز، والتصرف، واتخاذ القرار في الوقت المناسب أضعف بكثير، وإذا جاءت اللحظات الحرجة ارتبكت، وإذا وقع لها مكروه فإنه يقع لها من الضعف، والهلع ما لا يقادر قدره مهما تصورنا أن هذه المرأة قوية في كلامها، أو نحو ذلك لأول، وهلة، لكن إذا جاء الجد لم تر شيئاً، فالمرأة ضعيفة، ولذلك ليس لها محل إلا في أظلم شيء في بيتها، كما جاء عن النبي ﷺ بأنها لا تكون أقرب إلى ربها إلا في أظلم مكان في بيتها، وأبعده في داخل البيت، والأحاديث الواردة في صلاتها في حجرتها، وفي بيتها، وفي دارها، وفي مسجد حيها أفضل من صلاتها مع رسول الله ﷺ أحاديث معروفة معلومة، فإذا كان هذا في الصلاة، فكيف إذا كان خروجها للأسواق، أو للعمل، أو نحو ذلك.
هذه هي طبيعة المرأة، ولذلك المجتمعات التي جربت خروج النساء لاقت ما لاقت من الويلات، أضف إلى ذلك أنه إرهاق للاقتصاد، فالإحصاءات التي ظهرت من الأمم المتحدة تقول: إن البلاد التي تعمل فيها المرأة تكون عبئاً على الاقتصاد، وعلى الدخل القومي بنسبة أربعين بالمائة؛ لأنهم يحتاجون إلى مربية، وإلى خادمة، ونحو ذلك.
في قوله تعالى: وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [سورة النساء:34] جمع المعاني فقال: "أي من المهور، والنفقات، والكلف التي أوجبها الله عليهم لهنَّ في كتابه، وسنة نبيه"، ولهذا كان للمرأة نصف الميراث؛ لأن الرجل هو الذي ينفق أما المرأة فليست مطالبة بالإنفاق إطلاقاً إلا إذا كان عندها مال يبلغ النصاب فإنها تخرج الزكاة فحسب، وليست مطالبة بنفقة، فهي تنتظر الزيادة دائماً، والرجل ينتظر النقص دائماً، فلم يسوِّ الله  بينهما، وإنما عدل في الحكم، فالنفقة تكون على الرجل، وهي الأصل الثاني الذي تقوم عليه القوامة؛ لأنها تقوم على أصلين هما: التفضيل بنوعيه، والإنفاق، فإذا صارت المرأة هي التي تنفق، وصار الرجل يتأنق، ويتأنث - كما يقال: استنوق الجمل - فما بقي له من القوامة شيء، وحينها تصير القوامة للنساء.
يقول ابن كثير: "فناسب أن يكون قَيّماً عليها كما قال تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ الآية [سورة البقرة:228]"، ودرجة التفضيل من أهل العلم كابن عباس من قال بأن هذا التفضيل هو بالإغضاء، والعفو، والتجاوز، والمسامحة، ولذلك قال: ما أحب أن أستوفي حقي منها، وكما قيل: ما استوفى كريم قط، بمعنى أنه يفوِّت فيغفر لها التقصير، والخطأ، والنسيان، والذهول، وما يحصل من العجز فلا يقف عند كل خطأ، وعند كل تقصير، وينقر، ويدقق، ويحاسب فهو يرى أن هذه هي الدرجة، وأكثر أهل العلم يقولون غير ذلك.
"وقوله تعالى: فَالصَّالِحَاتُ [سورة النساء:34] أي: من النساء قَانِتَاتٌ قال ابن عباس - ا -، وغير واحد: يعني مطيعات لأزواجهن."

لم يقل الله تعالى: الرجال قوامون على النساء، والمرأة صنو الرجل تذهب، وتعمل كما يعمل الرجل، وإنما قال: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ [سورة النساء:34]، والقنوت هو دوام الطاعة، يعني مديمات للطاعة، ولم يقل: قانتات لله، وإنما حذف المتعلَّق فيدخل فيه دوام الطاعة لله ، ومديمات الطاعة أيضاً لمن أُمرت بطاعته، وهو الزوج.
"حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ، وقال السدي، وغيره: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها، وماله."

قوله تعالى: حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ [سورة النساء:34] يعني أنها كما قال الله : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [سورة البقرة:3] - على أحد المعنيين، وليس هو المعنى المشهور - فالذين يؤمنون بالغيب يعني في حال غيبتهم، وتواريهم عن الأنظار فلا يكون له حال إذا غاب عن الناس، وإذا ظهر في الشهادة، وفي العلانية كانت له حال أخرى، هذا أحد المعاني في آية البقرة لكن ليس هو المعنى المشهور فيها، بل المعنى المشهور: أي يؤمنون بما غاب عن الحس فيؤمنون بالله، وملائكته، وما أشبه هذا.
وأما قوله تعالى: حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ [سورة النساء:34] أي في حال غيبة الأزواج، أو في حال غيبتهن عن نظر الأزواج - والمعنى واحد - فتكون هذه المرأة على حال مرضية من العفاف، والصيانة، وعدم التعدي على مال زوجها، وإفساده، وتضييعه، والقيام على شئونه، ورعاية، ولده، وما أشبه ذلك على أحسن، وجه، ولو كان الزوج غائباً، فليست مضيعة.
"وقوله: بِمَا حَفِظَ اللّهُ [سورة النساء:34] أي: المحفوظ من حفظه."

قوله: "أي: المحفوظ من حفظه" كأنه يفسرها بأن ذلك بحفظ الله لهن، يعني أنهن قانتات حافظات للغيب بمعني لا تخون زوجها لا في ماله، ولا في عرضه بما حفظ الله، أي بحفظ الله لها، فابن كثير يقول: المحفوظ من حفظه الله، كما نقول: الموفق من، وفقه الله، فهنا بِمَا حَفِظَ اللّهُ أي بحفظ الله لهن لا يقع منها شيء من الخيانة، والانحراف في حال غياب هذا الزوج.
ويمكن أن يقال: يعني إنهن حافظات لغيب أزواجهن بحفظ الله لهن، ومعونته، وتسديده، وتوفيقه فإن الله إذا تخلى عن العبد خُذِل، فهذا إنما يحصل بإعانة الله لهذه المرأة، وتوفيقه.
وقوله: بِمَا حَفِظَ اللّهُ تحتمل معنىً آخر، أي بما استحفظهن الله من أداء حقوق الزوج، وأن تكون أمينة معه فلا يحصل منها غش، ولا غدر، ولا خيانة، وإنما تكون حافظة له كما أمرها الله - تبارك، وتعالى -، وبما يرضى به عنها.
وتحتمل معنىً ثالثاً: يعني أنها حافظة للغيب بما حفظها الله به من أمر زوجها بالقيام عليها، والإحسان إليها، وحسن معاشرتها، أي أن قوله: بِمَا حَفِظَ اللّهُ يعني بما شرع من التشريعات التي تكفل لها حقها، وتحفظ لها مكانتها فلا تُظلم، وما أشبه ذلك، وهذا أبعد المعاني، والذي مشى عليه ابن كثير - رحمه الله - معنىً قريب، أي بما يوفقهن إليه، ويحصل لهن من الله من المدد، والعون، والتسديد فيتحقق ذلك على يدها، وذلك أن تكون أمينة مع زوجها محافظةً على عرضه  صائنة لماله، وما أشبه ذلك.
وعلى قراءة أبي جعفر: (حافظات للغيب بما حفظ اللهَ) - بالنصب في لفظ الجلالة - يكون المعنى بما حفظن أمره - تبارك، وتعالى - بمراعاتهن لشرعه، وحفظهن لأمره، والتزامهن بحكمه.
"روى ابن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: خيرُ النساءِ امرأةٌ إذا نَظَرْتَ إليها سَرَّتْكَ، وإذا أمَرْتَها أطاعتكَ، وإذا غِبْتَ عنها حَفِظتْكَ في نَفْسِها، ومالِكَ قال: ثم قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء [سورة النساء:34] إلى آخرها[3].
وروى الإمام أحمد أن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله ﷺ: إذا صَلَّت المرأة خَمسها، وصامت شهرها، وحفظت فَرْجَها، وأطاعت زوجها قِيلَ لها: ادخُلِي الجنة من أيِّ أبواب الجنة شِئْتِ[4]."

في قوله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [سورة النساء:34] ذكر في هذه الآية كيفية التصرف مع المرأة التي خاف الزوج نشوزها ففال: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [سورة النساء:34] لكن فيما سبق يقول تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ [سورة النساء:34]، وليس المراد هنا مجرد ذكر أوصاف الصالحات - والله أعلم - بل هناك مقدر محذوف دل عليه السياق فيكون الكلام هكذا: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ [سورة النساء:34] فأحسنوا إليهن، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجروهن، واضربوهن، أي أن الكلام يكون بهذا التقابل حيث إنه لما ذكر الوعظ، والهجر، والضرب إزاء المرأة الناشز دلَّ السياق كيف يكون التصرف إزاء المرأة المطيعة الحافظة لزوجها في غيبته، وحضرته بأن يؤمر الزوج بالإحسان إليها، ولا يبغِ عليها سبيلاً، والمرأة الأخرى التي تترفع عن طاعته فإنها تؤدب بهذا التأديب المذكور، وهذا، وجه في الآية مشى عليه كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -، وقال: الكلام فيه مقدر محذوف علم من السياق.
ويمكن أن يكون المقصود مجرد ذكر أوصاف النساء الصالحات، ثم ذكر حكم المرأة إذا خرجت عن طاعة الزوج،- فالله أعلم -.
"وقوله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [سورة النساء:34] أي: والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن، والنشوز: هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه المُبْغِضَة له، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظْها، وليخوّفها عقابَ الله في عصيانه."

طبعاً البغض وحده ليس نشوزاً، فالمرأة قد تبغض الزوج، ولا يد لها في ذلك، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وليست مكلفة بمحبته فهي تنظر في محاسنه، وما يستجلب المحبة، ولكنها قد تُغلب فلا تحاسب على هذا، لكنها مأمورة بطاعة هذا الزوج فلا تترفع عن ذلك.
فالنشوز هو الارتفاع يقال: مكان ناشز يعني مرتفع، فالمرأة الناشز هي التي ارتفعت عن طاعة الزوج سواء ذهبت إلى أهلها، وتركته، أو بقيت عنده فإذا أمرها ما أطاعته، وإذا قال لها: لا تخرجي من البيت إلا بإذني ما أطاعته، وإذا قال لها: افعلي كذا، وكذا - مما ليس بمحرم، وما لا يُلحق بها ضرراً، ولا نحو ذلك - لا تطيعه فمثل هذه تعتبر ناشزاً.
قوله: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [سورة النساء:34] الخوف هنا يمكن أن يراد به العلم كما قال الله : الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ [سورة البقرة:46] حيث عبر بالظن عن العلم فكذلك الخوف كما قال القائل:
فإذا مت فادفني تحت كرمة تروي عظامي في الممات عروقها
ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
فهو يعلم يقيناً أنه إذا مات لن يذوق الخمر في قبره، فيقول: أخاف إذا ما مت ألا أذوقها، فعبر بالخوف عن العلم، فيمكن أن يكون قوله: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [سورة النساء:34] أي تعلمون نشوزهن، كما أنه لا مانع أن يكون الخوف هنا بما دون العلم، وإنما يراد به ظاهره، بمعنى أنه لِما يرى من الأمارات الظاهرة يخاف أنها تترفع عن طاعته ففي هذه الحال أيضاً يعظها، ويذكرها بالله ، وينصحها فإن قبلت، وإلا هجرها، لكن الذين قالوا: إن الخوف هنا معناه العلم قالوا: أصلاً لا يحق له أن يضربها، وهي ما نشزت بعد، لكن إذا تحقق ذلك، وعلمتموه فعندئذ توعظ ثم تهجر ثم تضرب.
"فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها، وطاعته، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل، والإفضال، وقد قال رسول الله ﷺ: لو كُنْتُ آمرًا أحدًا أن يَسْجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تَسْجُدَ لزوجها؛ من عِظَم حَقِّه عليها[5].
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دَعَا الرَّجُلُ امرَأتَهُ إلى فِرَاشِه فأبَتْ عليه لَعَنَتْهَا الملائكة حتى تُصْبِح[6]، ورواه مسلم، ولفظه: إذا باتت المرأة هَاجرة فِراش زَوْجِها لعنتها الملائكة حتى تُصبِح[7]، ولهذا قال تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ [سورة النساء:34]."

طبعاً الوعظ معروف، وهو الأمر، والنهي المقرون بالترغيب، والترهيب فغالباً يستعمل الوعظ بهذا، وعلى كل حال فإن كل ما يحصل به تخويف هذا الإنسان، أو ترغيبه، وتذكيره بالله يدخل في الوعظ، فالمرأة توعظ، وتذكر بحق الزوج، وتذكر بما لها عند الله إن كانت مطيعة، وما قد يلحقها من الإثم إذا عصت.
"وقوله: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [سورة النساء:34] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: الهجر أن لا يجامعها. ويضاجعها على فراشها."

يقول: "الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها" إلا إذا أريد بالمضاجعة الجماع فتقول: ولا يضاجعها، فالرجل يبيت معها في فراشه، ولكنه لا يجامعها بل يدير ظهره إليها، فهذا تأديب، ولكنه ليس لكل النساء، فقد تكون المرأة تريد هذا أصلاً؛ لأنها لا تريد الزوج، حيث كثير من النساء قد تقول: أنا لا أرغب فيه، وأكرهه، فمثل هذه قد لا تتأدب من هذا بل تفرح. 
فالحاصل أن الهجر هنا قُيد بقيد قال تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [سورة النساء:34] فما أطلق، وقال: واهجروهن، وبناءً عليه لا يقال: إن الهجر بالكلام، فالحديث واضح في حظ النفس أن الهجر لا يحل أكثر من ثلاثة أيام إلا إذا كان لحق الله ، أما في حق النفس، وحظها فثلاثة أيام فقط، ثم بعد ذلك ينتهي الهجر؛ لأن النفس تحتدم، فقد يُغلب الإنسان؛ لذلك رخص له الشارع ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام تهدأ النفس، ولذلك أخذ بعض الفقهاء أن العزاء ثلاثة أيام، وهو المنتشر عند العامة - مع أن هذا فيما أعلم ليس له أصل شرعاً - لكن استنبطوه من مثل هذا، وهو أن النفس عادة تبدأ تهدأ بعد ثلاثة أيام، ويسلو الإنسان عن المصيبة بعد ثلاثة أيام، وإلا فالإنسان يعزَّى مادامت المصيبة حية فإذا نسيها لا يذكَّر بها، ولا يقيد هذا بثلاثة أيام، فعلى كل حال الهجر في المضجع بأن يدير ظهره، أو أنه لا يجامعها، وانتهى الأمر، وبعضهم يقول: لا يدخلها معه في اللحاف، وبعضهم يقول: إذا لم يجامعها صار هو المتضرر فكأنه عاقب نفسه، إذن ما العمل؟ قالوا: يجامعها، ولكن لا يكلمها لئلا يضيع حقها، قيل: ثم ماذا؟ قالوا: أصلاً نصف اللذة بالكلام، وذلك أن الكلام الذي فيه غنج المرأة، وكلام الرجل معها فيما يحرك الغريزة، وما أشبه ذلك هذا نصف اللذة، فالحاصل أنهم قالوا: لا يتكلم معها، لكن هذا بعيد جداً، فالمقصود - والله تعالى أعلم - أنه يهجرها في المضجع بأن لا يجامعها، وليس معنى ذلك أنه يهجرها في الكلام لا في المضجع، ولا في غيره.
"عن ابن عباس - ا -: الهجر أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره، وكذا قال غير واحد."

وبعضهم يقول: يهجرها بأن لا يبيت معها في نفس الغرفة التي تبيت فيها، وعلى كل حال المقصود أنه لا يجامعها.
وزاد آخرون منهم: السدي، والضحاك، وعكرمة، وابن عباس - ا - في رواية: ولا يكلمها مع ذلك، ولا يحدثها.
"وفي السنن، والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأة أحدنا؟ قال: أن تُطعمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكْتَسَيْتَ، ولا تَضْرِب الوَجْهَ، ولا تُقَبِّح، ولا تَهْجُر إلا في البَيْتِ[8].
وقوله: وَاضْرِبُوهُنَّ [سورة النساء:34] أي: إذا لم يَرْتَدِعْن بالموعظة، ولا بالهجران فلكم أن تضربوهن ضرباً غير مبرح، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال في حجة الوداع: واتَّقُوا اللهَ في النِّساءِ، فإنهن عندكم عَوَانٌ، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشكم أحداً تكرهونه."

قوله: فإنهن عندكم عَوَانٌ العاني هو الأسير، فالمعنى أن المرأة عند زوجها أسيرة، فهي ضعيفة، وذلك أنها قبل العقد قد تشترط شروطاً فإذا عقد عليها، وتزوجها ابتليت به إن كان سيئاً، أو سيئ الخلق، وإن جاء منه، ولد فالأمر أعظم حيث تؤثر أن تطرح نفسها في النار على حساب هذا الولد فتلقى منه العسف، والذل، والإهانة، وألوان الأذى، وكل ذلك من أجل هذا الولد، فيذهب كثير من تمنعها، ومن تماسكها، ومن إرادتها، وما إلى ذلك إذا تمكن هذا الزوج، وعقد عليها، ويذهب الباقي إذا جاء الولد إلا ما شاء الله ، فالمرأة ضعيفة يجب الإحسان إليها، وتقوى الله فيها، وحسن تربيتها.
"ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشكم أحداً تكرهونه فإن فَعَلْن ذلك فاضربوهن ضَرْبا غير مُبَرِّح، ولهن رزْقُهنَّ، وكِسْوتهن بالمعروف[9]، وكذا قال ابن عباس - ا -، وغير واحد: ضرباً غير مبرح، قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر.
وقوله: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [سورة النساء:34] أي: إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريد منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها، ولا هجرانها."

أي لا طريق لك عليها بمعاقبة، وإساءة، ومؤاخذة، وما أشبه ذلك، وهي امرأة مطيعة، وبعضهم يقول: بالحب، بمعنى أنها مأمورة بطاعتك فإن حصل منها هذا فلا تبغِ عليها سبيلاً أن تطالبها، وتتعنت معها فتقول: أنت لا تحبينني، ونحو ذلك، بل عليك أن تدعها، ولا تستخرج مكنونات نفسها، فأنت لست مطالباً بهذا، وهي ليست مطالبة أن تخرج لك هذا فقد لا تحبك لكنها تخاف الله فيك، فيكفي هذا القدر، فلا تتعنت بعد ذلك، وتطلب ما وراءه من أمر لا تملكه هي، فالمقصود أن هذا يدخل في قوله: فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [سورة النساء:34] يعني بعد هذه الطاعة سواء كان بالتعنت في أمور ليست مطالبة بها، أو معاقبتها، أو أذيتها، والتضييق عليها بدون سبب .
"وقوله: إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [سورة النساء:34] تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليُّهن، وهو ينتقم ممن ظلمهن، وبغى عليهن."

من أسوأ الناس ظلماً من يظلم الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يقتصوا منه، ومنهم المرأة، حتى إن الشارع لما شكا الرجالُ ترفُّع النساء في زمن النبي ﷺ فأذن لهم بضربهن اجتمع نساء عند بيوت رسول الله ﷺ يشكون أزواجهن، فقام - عليه الصلاة، والسلام -، وقال للناس: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم[10] أي أنه نهى أن يضرب الرجل امرأته ضرب العبد ثم يجامعها في آخر النهار، فمثل هذا لا يليق من الإنسان أن يظلم من لا يستطيع أن يقتص منه، فإن كان لا بد أن يظلم فليظلم الأقوياء، فالظلم حرام لا يجوز مطلقاً لكنه في الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يقتصوا منه أشد، فهذا من أسوأ الظلم، ويدل على دناءة النفس، وانحطاطها، والكريم لا يصدر منه مثل هذا إطلاقاً، فعلى الإنسان أن يتقي الله في الضعفاء الذين لا يستطيعون أن ينتصروا منه.
واعلموا أن الزوج الفاشل هو الذي يهدد زوجته بالطلاق دائماً، والمعلم الفاشل هو الذي يهدد طلابه بالاختبار دائماً، حيث تجد المعلم يدرِّس أربعين سنة، ولا يأتي هذا على لسانه، وآخر كلما دخل، وخرج هدد بالاختبار، ووضع له موعداً، وتجد الزوج الفاشل مع زوجته كلما دخل عليها هددها بالطلاق، ولو لم يكن إلا فاشلاً لطلقها، وأراحها بدلاً من أن يعذبها بوضع السكين في رقبتها كلما دخل، أو خرج، - والله المستعان -. 
  1. أخرجه البخاري في كتاب المغازي– باب كتاب النبي ﷺ إلى كسرى، وقيصر (4163) (ج 4 / ص 1610).
  2. أخرجه البخاري في كتاب النكاح - باب قُوا أَنفُسَكُمْ، وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [ سورة التحريم:6] (4892) (ج 5 / ص 1988)، ومسلم في كتاب الإمارة - باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم (1829) (ج 3 / ص 1459).
  3. أخرجه الطيالسي في مسنده (2325) (ص 306)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1838).
  4. أخرجه أحمد (1661) (ج 1 / ص 1661)، والطبراني في الأوسط (4598) (ج 5 / ص 34)، وصححه الألباني في المشكاة برقم (3254).
  5. أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع - باب ما جاء في حق الزوج على المرأة (1159) (ج 3 / ص 465)، وابن ماجه في كتاب النكاح - باب حق الزوج على المرأة (1852) (ج 1 / ص 595) وأحمد (12635) (ج 3 / ص 158)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7725).
  6. أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق - باب إذا قال أحدكم آمين، والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (3065) (ج 3 / ص 1182)، ومسلم في كتاب النكاح - باب تحريم امتناعها من فراش زوجها (1436) (ج 2 / ص 1059).
  7. أخرجه مسلم في كتاب النكاح - باب تحريم امتناعها من فراش زوجها (1436) (ج 2 / ص 1059).
  8. أخرجه أبو داود في كتاب النكاح - باب في حق المرأة على زوجها (2144) (ج 2 / ص 210)، وأحمد (20025) (ج 4 / ص 446)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، والترهيب برقم (1929).
  9. أخرجه مسلم في كتاب الحج - باب حجة النبي ﷺ (1218) (ج 2 / ص 886).
  10. أخرجه أبو داود في كتاب النكاح - باب في ضرب النساء (2148) (ج 2 / ص 211)، والدارمي (2219) (ج 2 / ص 198)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2146).

مرات الإستماع: 0

"الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء:34]، قوّام بناء مبالغةٍ من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه."

يعني مراعاة الشيء وحفظه بالاجتهاد، بالقيام بمصالحه، ورعايته، ونحو ذلك، يعني يقوم عليها بما يجمُل ويحسُن من صيانةٍ وحفظٍ ورعايةٍ وتعاهد، وما إلى ذلك، فالقوامة هي من كمال هذه الشريعة برعاية النساء وحفظهن من أن يجور عليهن أحد، أو يُظلمن، أو يُعتدى عليهن، أو على أعراضهن، أو تطمح إليهن نفوس الضعفاء، وما أشبه ذلك، فهذا معنى القوامة قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ وليست نقيصة كما يُصور أعداء المرأة، وهؤلاء الذين يُعارضون نص القرآن بالمطالبة بإسقاط الولاية، هذه الآية صريحة، ولا يحل لأحدٍ كائنًا من كان أن يتفوّه بهذا، أو أن يعتقده بقلبه، ولو لم يتكلم به؛ لأن ذلك مخالفة لصريح القرآن، يعني هذا تكذيبٌ للقرآن، واعتراضٌ على حكم الله الصريح، ليس ذلك من قبيل الاجتهاد، أو التأويل، أو ما يحتمل، أو نحو ذلك.

فهذه القوامة لو كان هؤلاء يعقلون لعرفوا أنها من محاسن هذه الشريعة وذلك برعاية المرأة وحفظ حقوقها، وما أشبه ذلك يقوم عليها الرجال الأقوياء، فبذلك تكون صيانة المرأة والاحتياط لها، فلا تكون سلعةً رخيصة تُباع، وتُشترى فتذهب كرامتها، وعفافها وطهارتها، وتكون ألعوبة بأيدي الذئاب البشرية، هذا هو المقصود، ولا يصح بحالٍ من الأحوال التفوّه بغير هذا - والله المستعان -.

فالرجال قوامون على النساء، وهم أيضًا حاكمون عليهنّ بإلزامهن بحقوق الله تعالى، وأداء فرائضه، وتأديبهن، وكفهن عن الشرور والمفاسد كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته[1] فهي من جملة رعيّته، فهو قيّمها، والقائم على شئونها، ولابد للناس من هذا في كل مكان، المؤسسات، والشركات، والأعمال، والإدارات، ونحو ذلك لابد لها من قائمٍ بأمورها، يعني من يُدير شئون هذه الإدارة أو المؤسسة، أو الشركة، أو نحو ذلك، ولا يصح أن يُقال: إن الجميع سواء كلهم مُدراء في هذه الجهة، فبذلك يحصل خراب هذه المؤسسة، وهكذا حينما يقود هذه المركبة، أو السفينة، أو نحو ذلك أكثر من واحد فهذا يعني العطب، والغرق كما لا يخفى، فكذلك أيضًا في شئون الأسرة تدبير هذه الأمور إنما يكون لقائدٍ واحد ويكون ذلك للأقوى، والأقوى في الأصل هو الرجل فهو الأقدر سواء كان ذلك كما سيأتي بما أعطاه الله من القوة البدنية، فهو أقوى بدنًا من المرأة وهذا شيءٌ مُشاهد في الإنسان وفي غير الإنسان حتى في الحيوانات وحتى في النباتات وحتى في الطيور تُميّز بين الذكر والأنثى، أو كان ذلك في المواهب العقلية، والقُدر، والإمكانات، وكما يقول الأطباء بأن تلافيف عقل الرجل أكثر من تلافيف عقل المرأة، وهذا يستدعي القوة في اتخاذ القرار، ورباطة الجأش، والثبات، وبُعد النظر، والتفكير، وما أشبه ذلك، هذه خِلقة خلقها الله - تبارك وتعالى - في الرجل، فهذا هو الأصل في الرجل، وإن وُجد بعض النساء قد تكون أحسن تدبيرًا من بعض الرجال، لكن العبرة بالغالب، وليس بالاستثناءات.

"الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء:34]، قوّام بناء مبالغةٍ من القيام على الشيء، والاستبداد بالنظر فيه، قال ابن عباس - ا -: الرجال أمراء على النساء

بِما فَضَّلَ اللَّهُ [النساء:34] الباء للتعليل، وما مصدرية، وهو التفضيل بالإمامة والجهاد، وملك الطلاق، وكمال العقل، وغير ذلك

على كل حال التفضيل - كما ذكرت - يكون بأعمّ من هذا، بما فضل الله بما أعطاهم من القُدر البدنية والإمكانات العقلية، وهكذا ما فضّلهم به من الأحكام ونحو ذلك، هذا الجانب الأول من التفضيل الذي يُقال له: التفضيل الوهبي، يعني الذي وهبه الله للرجال، جعل بدنه أقوى من المرأة، وجعل عقله أيضًا أكبر من عقل المرأة.

الجانب الثاني الذي هو التفضيل الكسبي وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:43]، وهو الصداق والنفقة المستمرة على الزوجات، وهذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - النفقة[2] وبهذا تكون القِوامة قائمة على أصلين:

الأصل الأول: وهو التفضيل الوهبي.

الأصل الثاني: الإنفاق، فإذا صارت المرأة هي التي تُنفق فيكون الرجل قد ضيّع نصف القِوامة، فتستطيل المرأة عليه، ومعلومٌ أن الذي يُنفق - حتى في أوساط الرجال - يكون هو صاحب الكلمة، وهو المُقدَّم، وهو المُطاع وهو الذي يُصرِّف الشئون، الذي يُنفق صاحب النفقة، فمتى ما استغنت المرأة عن إنفاق الرجل، أو تراجع الرجل عن هذه المرتبة فذلك يعني تراجعه عن القِوامة، أو عن شق القوامة، فتكون المرأة ندًا له، وتستطيل عليه، ومن هنا إذا ترفّعت المرأة حصلت المشكلات، ولم يحصل الوفاق بين الزوجين، ولذلك كثُر الطلاق في هذه الأوقات وهذا من أعظم أسبابه، النفقات، المرأة صار عندها مال، وضعفت نفوس كثير من الرجال فصار يُطالبها بأن تقوم بالنفقة في شئون بيتها، ونحو ذلك، فكان ذلك سببًا لاستطالتها، وأنها مُستغنية عنه، وأنها هي التي تُنفق، ولذلك تقول: بملء فيها إذا قيل لها هذا الرجل تعيشين في كنفه وكذا، قالت: البيت بيتي، وأنا التي تُنفق، وإن شئت -وهذا الكلام أسمعه بأذني- وإن شئت طردته، وبقيت مع أولادي في البيت، طردته هذه كلمة صعبة جدًا الإنسان يسمعها من امرأة تقولها في حق زوجها كأنه حشرة، أو حيوان، صعبة تُقال في حق آدمي، طردته، إن شئت طردته وبقيت في البيت مع أولادي، بيتكِ هذا تصرفي فيه وأجريه، افعلي به ما شئتِ، لكن أنا عندي بيت ولو أستأجره بالدين، ولا تمنّين عليّ بمثل هذه المنة، إذا غضبت ظهرت منها مثل هذه الكلمات القاسية، فهي تشعر أنها مُستغنية عنه. 

وكثير ما تُردد بعض النساء مثل هذا إذا وقعت المشكلات، وكذا تقول: أنا لست بحاجة إليه أنا التي أُنفق أصلًا، أنا مستغنية عنه، ماذا لقيت من هذا الرجل؟ تحاول تقنعها جاهدًا ولكن للأسف هي مستعلية، مستغنية، والسبب هو الرجل نفسه إذا نزل ارتفعت المرأة.

"وَبِما أَنْفَقُوا [النساء:34]، هو الصداق والنفقة المستمرة على الزوجات فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ [النساء:34] أي: النساء الصالحات في دينهن مطيعات لأزواجهن."

وهذا الذي قاله ابن عباس - ا -[3] قانِتاتٌ، والقنوت عرفنا أنه دوام الطاعة، يعني أنها تُديم طاعة الزوج لا تعصيه إلا فيما كان معصيةً لله - تبارك وتعالى - وهذا يدل على أن التي لا تُطيع زوجها، والناشذ ليست بصالحة فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ فمن لم تكن على هذه الحال فليست بصالحة، ولو كانت لا تفتر من التسبيح، والذكر، وصلاة الليل، وصيام النهار كما يحصل بعض النساء بهذه المثابة، ولكنها في حق الزوج مستطيلة، مُتسلطة، مُضيعة لحقوقه، غير مبالية بها، وهي في الجانب الآخر متمسكة صاحبة عبادة، وذكر، وهذا لا يجتمع، وهذه لا تكون صالحةً بهذا الاعتبار لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها[4] ولاحظ هذا التشديد في النصوص من أجل أن تستقيم أحوال الناس، وتستقر الأسرة؛ لأنه إذا حصل هذا الترفّع من النساء حصل خراب البيوت.

 

"فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ [النساء:34] أي: النساء الصالحات في دينهن مطيعاتٌ لأزواجهن، أو مطيعةٌ لله في حق أزواجهن."

بين القولين هما يرجعان إلى شيءٍ واحد، يعني مطيعة لله في حق الزوج، أو مطيعة للزوج، فذلك يرجع إلى معنى الطاعة.

"حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34]، أي: تحفظ كل ما غاب عن علم زوجها، فيدخل في ذلك صيانة نفسها، وحفظ ماله، وبيته، وحفظ أسراره."

أصل الحفظ هو مراعاة الشيء، فيدخل في هذه المعاني التي ذكرها المؤلف حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ فهي لا تتكلم بشئونه، وشئونها الخاصة عند النساء، وتذكر أسرار بيتها، وكذلك أيضًا إذا غاب زوجها لربما قرفت بعض ما لا يليق، وهكذا ما يتعلق بحفظ بيته، وماله، ونحو ذلك، فهي امرأةٌ مأمونة من كل وجه.

حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ فهو إذا غاب عنها يطمئن إليها أنه لا يبدر منها شيءٌ يكرهه لا في المال ولا في تصريف شئون البيت ولا في لسانها والكلام الذي قد تتحدث مع بعض صواحباتها حينما تذكر كل التفاصيل التي تجري بينها وبين زوجها، وما قال لها، وتذكر عيوبه وتتنقصه عند صواحباتها، ونحو ذلك، هذه امرأة ليست بصالحة، وإذا كانت الغيبة من الكبائر وحرام فلا شك أن غيبة الوالدين، أو غيبة الزوج تكون أشد حُرمةً؛ لحرمة شدة حرمة المُتعلّق وهو الزوج، أو الوالد، وكذلك غيبة المُعلم، ونحو هذا، يعني التلاميذ يغتابون المعلمين، وأيضًا بعض الأولاد يغتاب الأب، البنت تغتاب الأم، ونحو هذا، هذا لا يجوز، يعني يقول مثلًا: أبي بخيل، أبي شديد، أبي قاسي، أبي كذا، هذه غيبة، وللوالد وفي أمورٍ هو يُفسرها هكذا وإذا تقدمت به الأيام، والعُمر عرف أن هذه التصرفات كانت في مصلحته، والبنت كذلك تتحدث عن أمها بأنها كثيرة الطلبات، أو أنها ترفع صوتها، أو نحو ذلك، أو أنها تشغلها أو أنها عصبية كما تقول أو نحو ذلك، فهذا لا يجوز، هذا أشد في الغيبة، والطلاب ما يفتأ الواحد منهم إلا من رحم الله، غيبةً في هؤلاء المعلمين الذين لهم حق عليهم، وهكذا في صور فاشية.

"بِما حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] أي: بحفظ الله ورعايته."

بحفظ الله ورعايته يعني بِما حَفِظَ اللَّهُ بحفظ الله ورعايته إياهن يعني بتوفيقه لهن بِما حَفِظَ اللَّهُ لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، فالمحفوظ من حفظه الله - تبارك وتعالى -  يعني يكون المعنى فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ يعني بحفظ الله إياهُن، بتوفيقه لهن صرن بهذه المثابة.

"بِما حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] أي بحفظ الله ورعايته أو بأمره للنساء أن يطعن الزوج ويحفظنه."

يحفظنه يعني بما أمر أو بأمره - تبارك وتعالى - يعني حافظات له بما استحفظهن من أداء الأمانة إلى أزواجهن الذي أمر الله به، بِما حَفِظَ اللَّهُ أو حافظات للزوج، حافظاتٌ له بحفظ الله لهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حرصٍ للعشرة، هذا معنى آخر، حافظات له بحفظ الله بهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حسن العشرة، وقرأ أبو جعفر بالنصب في اسم الجلالة بما حفظَ اللهَ والمعنى بما حفظن الله، يعني حفظن أمره، أو دينه، يعني بحفظهن الله، بما حفظَ اللهَ. 

أبو جعفر ابن جرير ذهب إلى أن في الكلام مُقدّر، يعني فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ: "فأحسنوا إليهن، وأصلحوا"[5].

"أو بأمره للنساء أن يطعن الزوج، ويحفظنه، فما مصدرية أو بمعنى الذي."

فما مصدرية يعني بِما حَفِظَ اللَّهُ يعني بحفظ الله، أو بمعنى الذي بِما حَفِظَ اللَّهُ بالذي حفظ الله، والعائد محذوف يعني بالذي حفظه الله لهن من مهور أزواجهن، والنفقة عليهن، ويحتمل أن تكون ما هذه نكرة موصوفة، والعائد محذوف كما في الموصولة، يعني أي بشيءٍ حفظه الله لهن، كل هذا على قراءة الرفع، وقراءة النصب لها توجيهات. 

"وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، قيل: الخوف هنا اليقين - وفي نسخة: [قيل: الخوف هنا بمعنى اليقين] -."

تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ نشوز يعني المعصية، والتعالي عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج، بُغض المرأة لزوجها، أصل النشوز الارتفاع، الأرض الناشزة، أو نحو ذلك هذا نشاز من الأرض يعني المكان المرتفع، فمعنى ذلك أن المرأة تترفع على طاعة الزوج، فلا تُطيع زوجها، وتكون مُترفعةً عليه وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، قيل: الخوف هنا اليقين يعني بمعنى أنه إذا علم منها النشوز تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ تيقّن نشوزها، صارت المرأة لا تُطيعه، لا تستجيب له سواء كان في أمر الفراش، أو كان ذلك في سائر شئونها، إذا أمرها لم تستجب، ولم تمتثل لأمره، ينهاها عن الخروج وتخرج، ينهاها عن استضافة من لا يرتضيه في بيته، فتستضيف، يدعوها إلى فراشه، فلا تستجيب، ينهاها عن أمور ليست مما يتعلق بطاعة الله ﷺ ينهاها عن أشياء يرى أنها المصلحة فلا تستجيب، يأمرها بأشياء ليست من معصية الله فلا تستجيب، فهذه المرأة الناشز، وأكمل هذه الصور فيما لو ذهبت المرأة، أو خرجت إلى بيتٍ آخر، أو إلى بيت أهلها، أو نحو ذلك تاركةً لزوجها، ففي هذه الحالة لا شك أنها ناشز، وتسقط عنها النفقة.

"وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34] قيل: الخوف هنا اليقين - وفي نسخة: [قيل: الخوف هنا بمعنى اليقين] - وفي نسخة: [قيل: هو على أصله]."

قيل: هو على أصله هذه زيادة تُضاف، قيل: هو على أصله بمعنى أنه على ظاهره أنه إذا غلب على ظنه أن هذه المرأة غير مُستجيبه فإنه يُعالج هذه المشكلة، القول بأنه اليقين باعتبار أنه لا يجوز له أن يتخذ عقوبةً تجاه هذه المرأة، ولم يصدر منها شيء، وإنما هو مجرد التوقّع، فهي لا تستحق بذلك أن تُعاقب بالهجر، أو الضرب، وهي لم يصدر عنها شيء.

"فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، هذه أنواع من تأديب المرأة إذا نشزت على زوجها، وهي على مراتب: بالوعظ في النشوز الخفيف."

يعني تُذكّر بالله وتُخوّف من عقابه على معصية الزوج، تُذكر لها النصوص في هذا الباب، الترغيب في طاعته، ما لهن من الثواب إذا أطعنه، تُذكّر بالعواقب، وبما يؤول إليه مثل هذه التصرفات، وما تكون المصلحة فيه من بقاء هذه الوشيجة، وقيام الأسرة، وما يحصل بسبب ذلك من استقامة الأمور والحياة المطمئنة ونحو ذلك، فالوعظ يدخل في الحث على الشيء بما يحمل على فعله من الترغيب، والترهيب، وذكر المحاسن، ونحو هذا، فهذا كله داخلٌ فيه فَعِظُوهُنَّ وهذا يعني التدرج بالأسهل لا يُبدأ بالأصعب حتى في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُسلك الطريق الأسهل الأقرب الأيسر، والنبي ﷺ ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما[6] فإذا كان الشيء يتأتّى بطريقٍ سهل فهو المُقدم.

"بالوعظ في النشوز الخفيف، والهجران فيما هو أشد منه."

الهجران يعني يهجر وَاهْجُرُوهُنَّ هنا قيّده بالمضاجع، الهجر في المضاجع ويأتي الكلام عليه باعتبار أن هذا أشد من الوعظ، وهذا قد يؤثر في بعض النساء، فيكون شديد الوطأة عليها إذا هجرها، إما لحاجتها للمعاشرة، وإما لأن هذا التصرف يُنبئ عن سخطه عليها فيشتد، ومنهن من لا تُبالي بذلك أصلًا وتُصرح بأنها لا تُريد هذا الزوج، وتكرهه، وهي التي تمتنع منه، فإذا هجرها حصل لها مطلوبها، وسُرّت بذلك، فهذا لا يؤثر معها.

"والضرب فيما هو أشد، ومتى انتهت عن النشوز بوجه من التأديب لم يتعد إلى ما بعده، والهجران هنا هو ترك مضاجعتها، وقيل: ترك الجماع إذا ضاجعها، والضرب غير مبرّح."

الهجران يعني هل يترك الكلام معها أصلًا، أو يترك المبيت معها في غرفة واحدة، أو يكون الهجران في نفس المضجع بمعنى أنه يُدير ظهره. 

فهنا يقول: هو ترك مضاجعتها، بعضهم يقول: ألا يُدخلها معه فيما يجعله عليه من لحاف، ونحوه حال الاضطجاع.

وبعضهم يقول: لا يبيت معها في الموضع الذي تبيت فيه، أو تضطجع فيه، يعني يبيت في غرفة أخرى، وتقييده هنا وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ يدل على أنه يكون معها في مضجع واحد - والله أعلم - لكن يهجرها فيه، ولهذا قال بعضهم: ترك الجماع يعني بمعنى أنه يضطجع معها في فراشٍ واحد لكنه يُدير ظهره إليها، وليس المقصود أن يهجر هجرًا كاملًا، ولا يكلم هذه المرأة، ونحو ذلك، ويخرج من البيت، فقد جاء عن ابن عباس -ا- هذا المعنى، بمعنى أنه يُوليها ظهره[7] وفي رواية: "ولا يُكلمها"[8] هذا جاءت في رواية عن ابن عباس وهو مروي عن السُدّي، والضحّاك، وعِكرمة[9].

فيما يتعلق بالضرب هنا الضرب غير المُبرّح، وللأسف الجرأة على القرآن أحدهم أصدر مقطعًا يتحدث عن الضرب، وهنا ليس المقصود به الضرب المعروف، وإنما وَاضْرِبُوهُنَّ الضرب بمعنى الانتقال، ونحو ذلك والمباعدة، وليس الضرب، وأن الشارع لا يأمر بضرب المرأة، وأن هذا خلاف الأدب، وخلاف الأصول، وخلاف الرفق، وخلاف الرعاية، وكلام من هذا القبيل، ويُفسر الضرب بهذا التفسير البعيد الذي ينادي به على جهله، أو هواه للأسف، إذا كان بلغ بالجهل هذه الحال رُبما - وهذا بعيد - أن يصل بالإنسان الجهل إلى هذا الحد، وللأسف أصبح يتكلف من يتكلف، ويتكلم من شاء، وأشياء يسأل الناس عنها لا تستحق الرد، مثل هذا الذي يفسر الحروف المقطعة بلغةٍ أخرى بالسريانية، ونحو ذلك، وينتشر في الناس، ويذكر تفاصيل، وأشياء لا تستحق الوقوف معها، ولا الاستماع لها، الله يقول عن القرآن: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195]، وهذا يقول باللغة السريانية.

وهذا الضرب القواعد والأصول المعروفة القرآن يُحمل على معهود الأميين والمعنى المُتبادر أيضًا، ما هو المعنى المتبادر، المعنى المتبادر مثلًا في موضوع الضرب هو الضرب المعروف، وكذلك جاء في صحيح مسلم عن النبي ﷺ: ولكم عليهن ألا يوطئن فُرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبرّح[10] ما معنى الضرب غير المبرّح هذا الذي يتكلم عن الضرب بمعنى السير في الأرض، ونحو ذلك والمباعدة، الضرب غير المبرّح يعني تمشي مشيًا غير مُبرّح؟!

هذه جهالات ولعب بالنصوص، وجُرأة، ومن شاء تكلم بما شاء، والجدار القصير أصبح هو الكلام في نصوص الكتاب، والسُنة من غير رادع يردع مثل هؤلاء السفهاء، والعجيب أنك تجد من يقبل مثل هذا الكلام، ويقول اكتشاف، ومعنًى أخطأ الكثيرون في فهمه، وإذا رأيت هذه العبارات الكثيرة قبل الكلام، فلا تقرأه، اعلم أن الذي تحته ليس بشيء، غاية التهويل الكثير قبل الكلام هذا يدل على أن الذي تحته لا شيء، والحق لا يحتاج إلى هذا التأويل.

"فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34]، أي إذا أطاعت المرأة زوجها فليس له أن يؤذيها بهجران، ولا ضرب."

فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، بعضهم يقول لا تطلبوا منهن الحب، لكن على كل حال إذا أطعن، وهذا هو القدر الواجب فعند ذلك ليس له أن يؤذيها بالقول، ولا الفعل، يعني لا تطلبوا طريقًا إلى أذاهن.

والبغي هنا فَلا تَبْغُوا يُطلق على طلب الشيء، الظلم، الترفع والعلو، مجاوزة المقدار فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا لا تطلبوا سبيلًا إلى الإيذاء لا بالقول، ولا بالفعل. 

  1.  أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، برقم (893)، وبرقم (5200)، في كتاب النكاح، باب المرأة راعية في بيت زوجها، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم (1829).
  2.  انظر: تفسير الطبري (6/687)، و(6/690).
  3.  تفسير ابن كثير (2/293).
  4.  أخرجه الترمذي، أبواب الرضاع عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في حق الزوج على المرأة، برقم (1159)، وابن ماجه، أبواب النكاح، باب حق الزوج على المرأة، برقم (1852)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5294).
  5.  تفسير الطبري (6/695).
  6.  أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، برقم (6786)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته ﷺ للآثام واختياره من المباح، أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، برقم (2327).
  7.  تفسير الطبري (6/701)، وتفسير ابن كثير (2/294).
  8.  تفسير ابن كثير (2/294).
  9.  المصدر السابق.
  10.  أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ برقم (1218).