الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۗ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَٰنُ لَهُۥ قَرِينًا فَسَآءَ قَرِينًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وكذلك الآية التي بعدها، وهي قوله: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ [سورة النساء:38] فإنه ذكر الممسكين المذمومين، وهم البخلاء، ثم ذكر الباذلين المرائين الذين يقصدون بإعطائهم السمعة، وأن يُمدحوا بالكرم، ولا يريدون بذلك وجه الله، وفي الحديث الذي فيه الثلاثة الذين هم أول من تسجَّر بهم النار، وهم: العالم، والغازي، والمنفق المراءون بأعمالهم يقول صاحب المال: ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك، فيقول الله: كذبت؛ إنما أردت أن يقال: جواد فقد قيل، أي: فقد أخذت جزاءك في الدنيا، وهو الذي أردت بفعلك[1]، ولهذا قال تعالى: وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ [سورة النساء:38] الآية،  أي: إنما حملهم على صنيعهم هذا القبيح، وعدولهم عن فعل الطاعة على وجهها الشيطانُ فإنه سوَّل لهم، وأملى لهم، وقارنهم، فحسن لهم القبائح وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا [سورة النساء:38]."
  1. أخرجه مسلم في كتاب الإمارة - باب من قاتل للرياء، والسمعة استحق النار (1905) (ج 3 / ص 1513).

مرات الإستماع: 0

"وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ [النساء:38] عطفٌ على الذين يبخلون، وقيل: على الكافرين، والآية في المنافقين الذين كانوا ينفقون في الزكاة، والجهاد رياءً، ومصانعة، وقيل: في اليهود، وقيل: في مشركي مكة، الذين أنفقوا أموالهم في حرب المسلمين."

هنا وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ لاحظ أنه دخل حرف العطف، فيحتمل أن يكون ذلك في طائفةٍ أخرى غير الأولى، غير الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ فطائفة أخرى مذمومة هم من يُنفق ولكنه يفعل ذلك رياءً وسُمعة، فالأصل أن العطف يقتضي المُغايرة، يقول: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ [النساء:38] عطفٌ على الذين يبخلون، وقيل: على الكافرين وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ والآية في المنافقين الذين كانوا ينفقون في الزكاة والجهاد رياءً ومصانعة، وقيل: في اليهود، وقيل: في مشركي مكة الذين أنفقوا أموالهم في حرب المسلمين يعني خرجوا بطرًا ورئاء الناس، لكن الآية عامة وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ لكن هنا لاحظ قال: وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ فحينما ذكر هذه الصفة حملها بعضهم على اليهود، وحملها آخرون على المشركين، وحملها طائفة ثالثة على المنافقين؛ لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، لكن الآية عامة، فتشمل من تحققت فيه هذه الأوصاف، فيدخل فيها من كان كذلك سواء كان من اليهود، أو كان من الكُفار، أو كان من المنافقين، فهؤلاء يُنفقون، ولا يرجون ما عند الله بهذه النفقات إنما يفعلون ذلك رياءً وسُمعة، فهذا يُمكن أن يُحمل على هذه المعاني، - والله أعلم -.

يعني في الآية الأولى التي حملها ابن جرير على اليهود وكتمان العلم الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وهنا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ فالذي يُرائي هو المنافق، ومن هنا حملها بعضهم على المنافقين، إن الأولى في اليهود، والثانية في المنافقين، لكن المعنى أعم من هذا - والله تعالى أعلم - فهنا داخلون فيه، ولكن من وُجد فيه مثل هذا الوصف فهو أيضًا منهم - والله أعلم -.

"قوله: قَرِينًا [النساء:38] أي: ملازما له يغويه."

وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا، يعني أن الشيطان هو الذي يُوجهه، ويأمره، وهو مُنقاد له وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ۝ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:36-37] وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [فصلت:25] فهذه من عقوبة الله لهؤلاء المُعرضين أن يُقيض لهم قُرناء من الشياطين يُزينون لهم الباطل ويصدونهم عن الحق والجزاء من جنس العمل.