الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَنفَقُوا۟ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

 
"ثم قال تعالى: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ الآية [سورة النساء:39] أي: وأيّ شيء يضرهم لو آمنوا بالله، وسلكوا الطريق الحميدة، وعَدَلُوا عن الرياء إلى الإخلاص، والإيمان بالله ورجاء موعوده في الدار الآخرة لمن أحسن عملاً، وأنفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها؟.
وقوله: وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيمًا [سورة النساء:39] أي: وهو عليم بنياتهم الصالحة، والفاسدة، وعليم بمن يستحق التوفيق منهم، فيوفقه، ويلهمه رشده، ويقيِّضه لعمل صالح يرضى به عنه، وبمن يستحق الخذلان، والطرد عن الجناب الأعظم الإلهي الذي مَنْ طُرِدَ عن بابه؛ فقد خاب وخَسِرَ في الدنيا، والآخرة، - عياذاً بالله من ذلك -.

مرات الإستماع: 0

"وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء:39] الآية، استدعاءٌ لهم كملاطفة، أو توبيخٌ على ترك الإيمان والإنفاق، كأنه يقول: أيّ مضرةٍ عليهم في ذلك."

وهو إلى التوبيخ أقرب - والله أعلم - والمسألة تتعلق بالنية، يعني هذا الإنسان الذي يبذل المال، أو يبذل العلم قد يصل بذلك البذل إلى أعلى المراتب، وقد يكون أول من تُسعّر به النار يوم القيامة، المُنفق الذي كان مقصوده أن يقول الناس: جواد، وكذلك العالم الذي كان مقصوده أن يقول الناس: عالم أول من تُسعّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة[1] أن يكون الإنسان على حالٍ من الإيمان وإرادة ما عند الله تغيير النية فقط، وهذا لا يُكلفه شيئًا، ذلك في طلب العلم مثلًا في مقاعد الدراسة بالجامعات، في المدارس، هؤلاء الذين يذهبون هذه السنين الطويلة كل صباح هو فقط شيء واحد، يُصلحون النية، يغيرون النية، يُريدون ما عند الله بهذا، فيكونون في عبادة عظيمة، ويكون ذلك سببًا لمزيدٍ من الإقبال والانشراح، والاحتساب على ما يلقون من العناء، والتعب، والمكابدة، فتكون أنفاسهم مصروفة في عبادة من أجل العبادات، ويستغفر لهم كل شيء، لكن قد يجلس اثنان متجاوران، وبينهما كما بين السماء والأرض، والفرق النية، فماذا عليه لو أنه غيّر نيته، فقط يُغير نيته، ما تُكلفه شيئًا، يُريد ما عند الله بهذا الطلب والآخر يُريد الدنيا فقط ومُكره، ولذلك هو يتمنى فراق هذه الدراسة، ولا تسأل عن فرحته لو أنه أُجيز في يوم، واليوم أصبحنا في حال يتمنى كثير من الطلاب الكوارث من الأمطار الكثيرة، أو الغُبار، أو غير ذلك الرياح العاتية من أجل أن يحصل على إجازة، فهذه ليست حال من يريد العلم، ويرغب في العلم إطلاقًا، انظر إلى الفرق في المسجد، ونحو ذلك تجد الحرص، والإقبال، والنية، وما إلى ذلك يختلف تمامًا، ولذلك في المدارس يفرح التلاميذ إذا غاب الأستاذ، يطيرون فرحًا، أو قال: بأنه لن يأتيهم الأسبوع القادم، أو نحو هذا فذلك عيد، بينما تجد في المسجد لربما يكون ذلك سببًا لشيءٍ من الحرج في نفوسهم والضيق. 

  1. أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في الرياء والسمعة، برقم (2382)، وقال: "هذا حديث حسن غريب"، والنسائي في الكبرى، برقم (11824)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1713).