الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍۭ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا [سورة النساء:41] يقول تعالى مخبرًا عن هول يوم القيامة، وشدة أمره، وشأنه: فكيف يكون الأمر، والحال يوم القيامة حين يجيء من كل أمة بشهيد - يعني الأنبياء عليهم السلام - كما قال تعالى: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء الآية [سورة الزمر:69]، وقال تعالى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ الآية [سورة النحل:89].
وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله ﷺ  اقرأ عليَّ قلت: يا رسول الله، أأقرأ عليك، وعليك أُنزلَ؟ قال: نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا [سورة النساء:41] قال: حسبك الآن فإذا عيناه تَذْرِفَان[1]."

الإشارة هنا بقوله: وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا [سورة النساء:41] هل المراد بهم كفار قريش كما قاله بعض أهل العلم، ولهذا قال بعده: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ [سورة النساء:42]، أو أن المراد به الأمة؟
قولان معروفان للسلف ، والثاني هو الأقرب بدلالة قوله - تبارك، وتعالى - قبله: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ [سورة النساء:41] ليكون قوله: وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا أي شهيداً على هذه الأمة، وهي أمة محمد ﷺ، والمقصود بها أمة الدعوة فيدخل فيها كل من بُعث إليهم النبي ﷺ ممن أجابوه، وممن لم يجيبوه. 
  1. أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن - باب قول المقرئ للقارئ حسبك (4763) (ج 4 / ص 1925)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، وقصرها – باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة، والتدبر (800) (ج 1 / ص 551)، واللفظ للبخاري.

مرات الإستماع: 0

"فَكَيْفَ إِذا جِئْنا [النساء:41] تقديره: كيف يكون الحال إذا جئنا بِشَهِيدٍ [النساء:41] هو نبيّهم يشهد عليهم بأعمالهم."

كيف تكون الحال فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ والشهادة أصلها يدل على معنى الحضور، والعلم، والإعلام، الشهيد يكون قوله صادرًا عن علمٍ بمشاهدة، بصيرة، أو بصر، ففيها معنى الشهود، وقال: هو نبيّهم يشهد عليهم بأعمالهم، كما قال الله : وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ [الزمر:69]، وكل نبيٍ يشهد على أمته، وهذا التفسير يؤيده القرينة في الآية وهي قوله: وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا فدل على أن الشهداء الذين يشهدون عليهم في هذه الآية على الأمم هم أنبياؤهم - عليهم الصلاة والسلام - .

"قوله تعالى: وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، أي: تشهد على قومك، ولما قرأ ابن مسعود هذه الآية على رسول الله ﷺ ذرفت عيناه[1]."

وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدًا يعني تشهد على قومك، بعضهم قيّده قال كفار قريشوَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدًا يعني على كفار قريش، ولكن كأن المعنى أوسع من هذا - والله أعلم - ولهذا حمله ابن جرير على معنى تشهد على أمّتك؛ لأن الله قال: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ فكل أمة يشهد عليها نبيهاوَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ يعني على هذه الأمة، وهذا أقرب والله تعالى أعلم، ولاسيما أن السورة أيضًا مدنيّة فكيف يُخص بكفار قريش.

وقراءة ابن مسعود على النبي ﷺ هذه السورة معروفة ومشهورة، الحديث: النبي ﷺ قال له: اقرأ فقال: يا رسول الله كيف أقرأ عليك وعليك أُنزل، قال: أنا أُحب أن أسمعه من غيري وافتتح سورة النساء وقرأ حتى بلغ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ذرفت عيناه وقال: حسبك وهو مخرج في الصحيحين.

والعلماء تكلموا في تعليل ذلك، يعني لماذا ذرفت عيناه، والذي يظهر أنه استشعار لهذا الموقف، وقيل غير ذلك؛ لكن ليس هذا بمقصود هنا في مثل هذا المجلس أن تُذكر مثل هذه التعليلات فيما يُذكر من الأحاديث ما لم تكن الحاجة داعية إلى ذلك.

  1. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا [النساء:41]، برقم (4583)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع والبكاء عند القراءة والتدبر، برقم (800).