الإثنين 07 / ذو القعدة / 1446 - 05 / مايو 2025
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا۟ ٱلسَّبِيلَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ ۝ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا ۝ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [سورة النساء:44-46].
يخبر تعالى عن اليهود - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة - أنهم يشترون الضلالة بالهدى، ويعرضون عما أنزل الله على رسوله، ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد ﷺ؛ ليشتروا به ثمناً قليلاً من حطام الدنيا.
وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ [سورة النساء:44] أي: يودون لو تكفرون بما أنزل عليكم أيها المؤمنون، وتتركون ما أنتم عليه من الهدى، والعلم النافع.

مرات الإستماع: 0

"الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتابِ [النساء:44]، هم اليهود هنا، وفي الموضع الثاني، قال السهيلي: في الموضع الأول: نزل في رفاعة بن زيد بن التابوت، وفي الثاني: نزل في كعب بن الأشرف[1]."

قوله - تبارك وتعالى -: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ [النساء:44].

قال: "هم اليهود هنا، وفي الموضع الثاني"، هو قوله بعدها أَلَمْ ترَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:51].

 يقول: "قال السهيلي"، السهيلي له كتاب في المبهمات، ومثل هذا يعد من جملة المبهمات، يعني أبهم هؤلاء.

يقول: "نزل في رفاعة بن زيد بن التابوت" الموضع الأول الذي هو هذا، فهذا مخرج عند ابن جرير[2] وابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا -[3] قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظمائهم، إذا كلم رسول الله ﷺ لوى لسانه، وقال: (راعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك) وطعن في الإسلام، وعابه، فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ [النساء:44] هذا لا يصح في سبب النزول، الرواية هذه لا تثبت، لكن ظاهر من السياق أن المقصود بذلك: اليهود، وهكذا الموضع الثاني.

 يقول: "في الثاني نزل في كعب بن الأشرف" وهذا أيضًا جاء عن ابن عباس - ا - عند أحمد، والبزار، وابن جرير[4] وابن أبي حاتم[5] وصحح إسناده الحافظ ابن كثير[6] قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت قريش: ألا ترى هذا الصنبور من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، والسقاية، قال: أنتم خير، قال: فنزل: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3]، ونزل أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ [النساء:44] إلى: نَصِيرًا [النساء:45]. 

"يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ: عبارة عن إيثارهم الكفر على الإيمان، فالشراء مجاز كقوله: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:16]."

في قوله: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:16] كما سبق في سورة البقرة، يعني استعاضوا، وهنا يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ: يعني يؤثرونها على الهدى.

  1.  الروض الأنف (4/248).
  2.  تفسير الطبري (8/427).
  3.  تفسير ابن أبي حاتم (3/963).
  4.  تفسير الطبري (8/467)، رقم: (9788).
  5. تفسير ابن أبي حاتم (3/974)، رقم: (5441).
  6.  تفسير ابن كثير (2/334).