"فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ [النساء:55]، الآية قيل: المراد من اليهود من آمن بالنبي ﷺ أو بالقرآن المذكور في قوله تعالى: مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ [النساء:47]، أو بما ذكر من حديث إبراهيم، فهذه ثلاثة أوجه في ضمير به، وقيل: "منهم" أي من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم، ومنهم من كفر: كقوله تعالى: فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ [الحديد:28].
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ يعني بالكتاب فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ يعني هذا الكتاب، هذا يحتمل، وكذلك أيضًا، وكذلك يحتمل أن يرجع إلى إبراهيم فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ لكن هذا قد يكون له وجه باعتبار أن آل إبراهيم المقصود به إبراهيم - عليه الصلاة، والسلام - فإن مثل هذا قد يطلق على الشخص نفسه، وقد يطلق على أتباعه، أو على ذريته، لكن ما ذكره ابن جزي - رحمه الله - في قوله آل إبراهيم أنه ذرية إبراهيم من بني إسرائيل، وقلنا هذا هو اختيار ابن كثير - رحمه الله -.
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ ابن كثير - رحمه الله - يقول: آمن بهذا الإيتاء فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ آمن بهذا الإيتاء، وهذا الإنعام.
وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ يعني كفر به، وأعرض عنه، وسعى في صد الناس عنه، وهو منهم، ومن جنسهم من بني إسرائيل، فقد اختلفوا على أنبيائهم، فكيف بك يا محمد، ولست من بني إسرائيل، كأن الله أعطى ذرية إبراهيم - عليه الصلاة، والسلام - أعطاهم من الملك العظيم والنبوة، ومع ذلك انقسموا بين مؤمن وكافر، فكيف بك يا محمد، ولست منهم، مع ما تنطوي عليه نفوسهم من الحسد لك، ولقومك؟
وقوله هنا: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ قيل المراد من اليهود من آمن بالنبي ﷺ واختار هذا القول ابن جرير - رحمه الله - وقبله قال به مجاهد.
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعني النبي ﷺ وأمته فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [النساء:54] فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ فيكون يرجع إلى النبي ﷺ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ لكن - والله أعلم - أن ما ذكره ابن كثير - رحمه الله - أقرب، أنه من آمن به أي هذا الإيتاء - والله أعلم - لكن كأن القرينة عند ابن جرير أن الإيمان آمَنَ بِهِ يكون الإيمان بالنبي، يكون بالأنبياء، والكتب، بهذا الاعتبار، والضمير يرجع إلى أقرب مذكور.
ومن قال بأنه فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الإيمان بإبراهيم - عليه الصلاة، والسلام - قالوا: آل إبراهيم؛ هو إبراهيم - عليه الصلاة، والسلام - وهكذا من قال بأنه الكتاب فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ ؛ آمن بالكتاب، على قول ابن كثير يشمل ذلك جميعًا، يعني آمن بهذا الإيتاء فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ آمن بهذا الإيتاء، هذا المذكور الذي هو الكتاب، والحكمة وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ - والله أعلم -.