الخميس 10 / ذو القعدة / 1446 - 08 / مايو 2025
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۖ لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [سورة النساء:57] هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها، ومحالها، وأرجائها حيث شاءوا، وأين أرادوا، وهم خالدون فيها أبداً لا يحولون، ولا يزولون، ولا يبغون عنها حولاً.
وقوله: لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ [سورة النساء:57] أي: من الحيض، والنفاس، والأذى، والأخلاق الرذيلة، والصفات الناقصة."

هنا حذف المتعلق فما قال مطهرة من كذا، ولذلك فالأصل أنه يحمل على العموم فيقال: أي مطهرة من كل أذى حسي، ومعنوي، فهي مطهرة من الأخلاق المرذولة التي توجب نفور النفوس، ووقوع المشكلات بين الأزواج، وكذلك مطهرة من كل أذىً حسي مستقذر.
"كما قال ابن عباس - ا -: مطهرة من الأقذار والأذى وكذا قال عطاء، والحسن، والضحاك، والنخعي وأبو صالح، وعطية، والسدي، وقال مجاهد: مطهرة من البول، والحيض، والنخام، والبزاق، والمني، والولد.
وقوله: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً [سورة النساء:57] أي: ظلاً عميقاً، كثيراً، غزيراً، طيباً، أنيقاً."

الظل الظليل يعني الظل الوارف التام، وهذه المعاني لها وقعٌ عند العرب؛ لأنهم في بلاد حارة، ولهذا لما ذكر الله نعيم الجنة قال: وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ  [سورة الواقعة:29] على أحد التفسيرين المشهورين في الآية أن الطلح هو شجر الشوك المعروف في أرض الحجاز من بلاد العرب حيث يستظلون به، وهو من شجر العضاة، ولا تكاد تنتفع به، أو تجلس حتى تتأذى بشوكه الذي يتساقط من تحته، فالله تعالى قال: وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ [سورة الواقعة:29] وهم لا يتصورون أن يوجد هذا الشجر الذي يستظل به من غير شوك لكن يبدو أن شوكه قد أزيل كما قال الزجاج: يجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه[1].
قوله تعالى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً [سورة النساء:57] وصف الله ظل الجنة بأوصاف في آيات أخرى نحو كونه قد مُدَّ كقوله: وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ [سورة الواقعة:30] وكقوله: أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا [سورة الرعد:35] أي ظلها دائم لا ينقطع بخلاف ظل الدنيا الذي ينتقل هنا وهناك، ويضمحل، ويقصر.
ومن الآيات التي تذكر ظل الجنة قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ [سورة المرسلات:41] وقوله تعالى: هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [سورة يــس:56]، وغير ذلك من الآيات.
"روى ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي -ﷺ قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، شجرة الخلد[2]."

في الدنيا ربما تداعى الناس من أجل النظر إلى شجرة يزعمون أنه يجتمع أربعة من الرجال كلٌّ يمسك بيد الآخر حتى يحيطون بأصلها من ضخامتها، وهذه في مائة عام لا يقطعها الراكب، فإذا كانت الأرض كلها لو مشى الإنسان مائة عام على قدمه لقطعها فما هذه الشجرة؟!.
  1. تفسير القرطبي (ج 18 / ص 208).
  2. أخرجه أحمد (9951) (ج 2 / ص 462) وقال الأرنؤوط: صحيح دون قوله "شجرة الخلد" وهذا إسناد ضعيف.

مرات الإستماع: 0

"أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57] ذكر في البقرة". 

الأزواج المطهرة ذكر في البقرة، باعتبار أنها أزواج مطهرة من كل دنس حسي، ومعنوي، يعني مطهرة من الأخلاق الرذيلة، وكذلك أيضًا مطهرة من الأقذار بجميع أنواعها، فلا حيض، ولا نفاس، ولا غير ذلك، فهي طهارة معنوية، وطهارة حسية.

"ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57] صفة من لفظ الظل للتأكيد: أي دائما لا تنسخه الشمس، وقيل: نفى الحر، والبرد، وفي النسخة الخطية: [يقي الحر والبرد]".

يقي الحر والبرد ظِلًّا ظَلِيلًا أي: يقي الحر والبرد، والريح، والسموم، فهذا كما قال ابن كثير - رحمه الله - الظل الظليل؛ يعني العميق، الكثير، الغزير، الطيب، الأينق[1].

كما قال الله : وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:30] أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [الرعد:35] إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات:41] هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [يس:56]، فلا تنسخه الشمس، ظل وارف كثير، وهذه من أنواع النعيم عند العرب، لها وقع كبير في نفوسهم، بلادهم حارة، والظل مما تتطلبه، وتتطلع إليه نفوسهم؛ فخاطبهم بذلك، ولا يوجد في الجنة شمس، وإنما هي ظلال ممتدة. 

  1. تفسير ابن كثير (2/338).