وقوله: لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ [سورة النساء:57] أي: من الحيض، والنفاس، والأذى، والأخلاق الرذيلة، والصفات الناقصة."
هنا حذف المتعلق فما قال مطهرة من كذا، ولذلك فالأصل أنه يحمل على العموم فيقال: أي مطهرة من كل أذى حسي، ومعنوي، فهي مطهرة من الأخلاق المرذولة التي توجب نفور النفوس، ووقوع المشكلات بين الأزواج، وكذلك مطهرة من كل أذىً حسي مستقذر.
وقوله: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً [سورة النساء:57] أي: ظلاً عميقاً، كثيراً، غزيراً، طيباً، أنيقاً."
الظل الظليل يعني الظل الوارف التام، وهذه المعاني لها وقعٌ عند العرب؛ لأنهم في بلاد حارة، ولهذا لما ذكر الله نعيم الجنة قال: وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ [سورة الواقعة:29] على أحد التفسيرين المشهورين في الآية أن الطلح هو شجر الشوك المعروف في أرض الحجاز من بلاد العرب حيث يستظلون به، وهو من شجر العضاة، ولا تكاد تنتفع به، أو تجلس حتى تتأذى بشوكه الذي يتساقط من تحته، فالله تعالى قال: وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ [سورة الواقعة:29] وهم لا يتصورون أن يوجد هذا الشجر الذي يستظل به من غير شوك لكن يبدو أن شوكه قد أزيل كما قال الزجاج: يجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه[1].
قوله تعالى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً [سورة النساء:57] وصف الله ظل الجنة بأوصاف في آيات أخرى نحو كونه قد مُدَّ كقوله: وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ [سورة الواقعة:30] وكقوله: أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا [سورة الرعد:35] أي ظلها دائم لا ينقطع بخلاف ظل الدنيا الذي ينتقل هنا وهناك، ويضمحل، ويقصر.
ومن الآيات التي تذكر ظل الجنة قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ [سورة المرسلات:41] وقوله تعالى: هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [سورة يــس:56]، وغير ذلك من الآيات.
في الدنيا ربما تداعى الناس من أجل النظر إلى شجرة يزعمون أنه يجتمع أربعة من الرجال كلٌّ يمسك بيد الآخر حتى يحيطون بأصلها من ضخامتها، وهذه في مائة عام لا يقطعها الراكب، فإذا كانت الأرض كلها لو مشى الإنسان مائة عام على قدمه لقطعها فما هذه الشجرة؟!.
- تفسير القرطبي (ج 18 / ص 208).
- أخرجه أحمد (9951) (ج 2 / ص 462) وقال الأرنؤوط: صحيح دون قوله "شجرة الخلد" وهذا إسناد ضعيف.