الجمعة 25 / ذو القعدة / 1446 - 23 / مايو 2025
لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ۝ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ۝ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا ۝ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [سورة النساء:7-10].
قال سعيد بن جبير، وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار، ولا يورثون النساء، ولا الأطفال شيئاً فأنزل الله: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ... الآية، أي: الجميع سواء في حكم الله - تعالى - يستوون في أصل الوراثة."

لما ذكر ما للرجال من نصيب في تركة الآباء، والأقربين بقوله: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ أعاد ذلك جميعاً في حق النساء، فقال سبحانه: وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ، ولعل من حكمة تكرار الصيغة نفسها هو تأكيد حق النساء في الميراث، وأنهن أصلٌ في ذلك، ولسنَ تبعاً للرجال فيه.
وما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية بقوله: "أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى يستوون في أصل الوراثة"، قصد أنهم سواء من حيث الأحقية، لا من حيث المقدار، والنصيب، ومقتضى العدل أن يعطى كل ذي حق حقه، وأما المساواة المطلقة فهي ليست من العدل في شيء، فالمرأة بما يفرض لها من الميراث تعتبر مساوية للرجل في أصل القضية، وهو أحقيتها في الميراث، أما في المقدار فلا، وذلك أن الرجل ينتظر النقص دائماً، بخلاف المرأة فهي ترتقب الزيادة دائماً، ومن مقتضى العدل أن لا يسوى بين مترقب النقص، ومترقب الزيادة.
ولهذا لما قسّم الله المواريث وُجد ما عرف بحجب النقصان، فمثلاً الأم ترث من ولدها الثلث، لكن إن كان لهذا الولد إخوة فترث السدس كما قال سبحانه: فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [سورة النساء:11] فأنقص الأخوة من ميراثها مع أنهم لا يرثون، والعلة أن كثرة الإخوة تتطلب نفقات زائدة؛ لأجل ذلك قل نصيب الأم، وصار في حظ الأب الذي عادة ما تلزمه مؤنة النفقة، والكلفة على الأولاد.
@
"وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة، أو زوجية، أو ولاء، فإنه لحمة كلحمة النسب.
وقد روى ابن مردويه عن جابر قال: جاءت أم كُجَّةَ إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، إن لي ابنتين، وقد مات أبوهما، وليس لهما شيء، فأنزل الله تعالى: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ... الآية."

هذا الحديث فيه ضعف، وممن ضعفه الحافظ ابن حجر - رحمه الله -.
"وسيأتي هذا الحديث عند آيتي الميراث بسياق آخر، - والله أعلم -."

من حديث جابر بن عبد الله في ابنتي سعد بن الربيع، والحديث يصل إلى درجة القبول.
وأما قوله سبحانه: نَصِيبًا مَّفْرُوضًا فالنصب فيه يمكن أن يكون على الحال، ويمكن أن يكون على الاختصاص، أو المصدر، - والله أعلم -.

مرات الإستماع: 0

"لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ [النساء:7] الآية: سببها أن بعض العرب كانوا لا يورثون النساء، فنزلت الآية ليرث الرجال، والنساء".

هذا لا يصح من جهة الإسناد؛ لأنه مرسل عن سعيد بن جبير  - رحمه الله -[1] وليس بسبب النزول، لكن يمكن أن يقال: هذه الآية نزلت إبطالًا لما كان عليه بعض العرب من عدم توريث النساء، وأيضًا كان بعضهم لا يورثون الصبيان، كانوا يرون أن الميراث لمن يحمل السلاح، ويدفع عن البلاد، ونحو هذا، فهذا الذي يورث عندهم لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ [النساء:7]، والنصيب يعني: الحصة الواجبة، المعينة في قدرها، ومقدارها، كما فرض الله - تبارك، وتعالى -: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ [النساء:7] فرضٌ مقدر، كما قال: نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] يعني: حصةً واجبةً، وقدرًا مفروضًا، فرضه الله -تبارك، وتعالى - وعيَّن مقداره.

"نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] منصوبًا انتصابًا المصدر المؤكد؛ لقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11] [وفي النسخة الخطية: كقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11].

وقال الزمخشري: منصوبٌ على التخصيص[2] أعني: بمعنى نصيبًا".

"نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] منصوبًا انتصابًا المصدر المؤكد، كقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11]" هذا كأنه هو الملائم في هذا الموضع - والله أعلم - لأنه ليس بمؤكد لقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11] وذلك جاء في سياقٍ آخر تمامًا، كقوله: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيما [النساء:11].

قال: "نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] منصوبًا انتصابًا المصدر المؤكد" يعني أنه يؤكد ما ذُكر من قوله: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:7] فهذا يكون قدرًا، واجبًا معينًا مفروضًا من الله - تبارك، وتعالى - ومحدد مقدار.

"قال الزمخشري: منصوبٌ على التخصيص، أعني: بمعنى نصيبًا" وعبارة الزمخشري نقلها في الحاشية، قال: نصبٌ على الاختصاص، بمعنى: أعني نصيبًا مفروضًا مقطوعًا واجبًا، لا بد لهم من أن يحوزه، ولا يستأثر به، ويجوز أن ينتصب انتصاب المصدر المؤكد، قسمةً مفروضة، أو أعني نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7]، ويحتمل أنه منصوب على الحال، حال كونه كذلك، يعني نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] - والله أعلم -. 

  1. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (3/872-4843).
  2. تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/476).