قال سعيد بن جبير، وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار، ولا يورثون النساء، ولا الأطفال شيئاً فأنزل الله: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ... الآية، أي: الجميع سواء في حكم الله - تعالى - يستوون في أصل الوراثة."
لما ذكر ما للرجال من نصيب في تركة الآباء، والأقربين بقوله: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ أعاد ذلك جميعاً في حق النساء، فقال سبحانه: وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ، ولعل من حكمة تكرار الصيغة نفسها هو تأكيد حق النساء في الميراث، وأنهن أصلٌ في ذلك، ولسنَ تبعاً للرجال فيه.
وما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية بقوله: "أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى يستوون في أصل الوراثة"، قصد أنهم سواء من حيث الأحقية، لا من حيث المقدار، والنصيب، ومقتضى العدل أن يعطى كل ذي حق حقه، وأما المساواة المطلقة فهي ليست من العدل في شيء، فالمرأة بما يفرض لها من الميراث تعتبر مساوية للرجل في أصل القضية، وهو أحقيتها في الميراث، أما في المقدار فلا، وذلك أن الرجل ينتظر النقص دائماً، بخلاف المرأة فهي ترتقب الزيادة دائماً، ومن مقتضى العدل أن لا يسوى بين مترقب النقص، ومترقب الزيادة.
ولهذا لما قسّم الله المواريث وُجد ما عرف بحجب النقصان، فمثلاً الأم ترث من ولدها الثلث، لكن إن كان لهذا الولد إخوة فترث السدس كما قال سبحانه: فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [سورة النساء:11] فأنقص الأخوة من ميراثها مع أنهم لا يرثون، والعلة أن كثرة الإخوة تتطلب نفقات زائدة؛ لأجل ذلك قل نصيب الأم، وصار في حظ الأب الذي عادة ما تلزمه مؤنة النفقة، والكلفة على الأولاد.
@
وقد روى ابن مردويه عن جابر قال: جاءت أم كُجَّةَ إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، إن لي ابنتين، وقد مات أبوهما، وليس لهما شيء، فأنزل الله تعالى: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ... الآية."
هذا الحديث فيه ضعف، وممن ضعفه الحافظ ابن حجر - رحمه الله -.
من حديث جابر بن عبد الله في ابنتي سعد بن الربيع، والحديث يصل إلى درجة القبول.
وأما قوله سبحانه: نَصِيبًا مَّفْرُوضًا فالنصب فيه يمكن أن يكون على الحال، ويمكن أن يكون على الاختصاص، أو المصدر، - والله أعلم -.