السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
فَقَٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ۝ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا ۝ وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ۝ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا [سورة النساء:84 - 87]
يأمر تعالى عبده، ورسوله محمداً ﷺ أن يباشر القتال بنفسه، ومن نكل عنه فلا عليه منه؛ ولهذا قال: لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ [سورة النساء:84].
روى ابن أبي حاتم عن أبي إسحاق قال: سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى مائة من العدو، فيقاتل أيكون ممن يقول الله: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ [سورة البقرة:195] قال: قد قال الله تعالى لنبيه ﷺ: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة النساء:84].
ورواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا؛ لأن الله بعث رسوله ﷺ، وقال: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ [سورة النساء:84] إنما ذلك في النفقة."

فقوله - تبارك، وتعالى -: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ [سورة النساء:84] يحتمل أن تكون الفاء في هذه الآية عائدة إلى الآية الرابعة، والسبعين من السورة هكذا: وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [سورة النساء:74] فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ [سورة النساء:84].
ويحتمل أن يكون الكلام متعلقاً بمحذوف هو "إذا كان الأمر كذلك من عدم طاعة المنافقين، وما ذكر الله عنهم قبلها فقاتل في سبيل الله"، حيث ذكر الله عن المنافقين أنهم يقولون: طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ [سورة النساء:81] إلى آخره، فإذا كان الأمر على ما ذكر فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ [سورة النساء:84] لأن الله قال: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً [سورة النساء:81] ثم قال: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة النساء:84]، ويحتمل أن يكون الكلام متعلقاً بقوله قبلُ في الآية الخامسة، والسبعين هكذا: وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا [سورة النساء:75] إلى آخره فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ [سورة النساء:84]، - والله تعالى أعلم -.
وقوله تعالى: لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ [سورة النساء:84] يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : "أمره أن يباشر القتال بنفسه، ومن نكل عنه فلا عليه منه" يعني أنت مأمور بالقيام بما تعبدك الله به في هذا الباب، ولست مسئولاً، ولا حفيظاً، ولا وكيلاً على الناس حيث نكَل كثير منهم عنه، كما، وصف الله حال المنافقين، وهذا قد يشبه من بعض الوجوه قوله - تبارك، وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [سورة المائدة:105] أي: أن المؤمن إذا كان على طاعة الله  فإنه لا يضره نكول الناكلين، ولو كانوا من أقرب الأقربين فما عليك إلا أن تقوم بحق الله ، وهذا هو القدر الذي تعلق بك، وأما كفر من كفر، وإعراض من أعرض فذلك إنما يضر صاحبه، ولا يضرك شيئاً.
يقول تعالى: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة النساء:84] أي الذين هم أهل للاستجابة لله - تبارك، وتعالى -، والقبول عنه.
ثم ذكر رواية ابن أبي حاتم عن أبي إسحاق قال: "سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى مائة من العدو فيقاتل أيكون ممن يقول الله: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ [سورة البقرة:195] فذكر له هذه الآية: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة النساء:84]، ويقصد بذكر الآية جواباً لسؤاله أنه لو لم يخرج معه أحد فقاتلهم وحده فإنه يكون قد قام بحق الله عليه، وأن النبي ﷺ سينصره الله - تبارك، وتعالى -، وقد جاء في قصة الحديبية أن النبي ﷺ في كتاب حاطب الذي كتبه للمشركين أنه كان مما قال لهم حاطب: وأنه قد أقسم أنه لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم.
فالمقصود من ذكر قوله: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ [سورة النساء:84] في هذا الأثر عن البراء أن ذلك لا يكون من الإلقاء باليد إلى التهلكة.
ثم ذكر رواية الإمام أحمد عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ فكان مما قال في جوابه: "إنما ذلك في النفقة"؛ لأن الله قال في تلك الآية: وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [سورة البقرة:195]، وقد مضى قول أبي أيوب الأنصاري لما خرج رجل إلى المشركين حاسراً، وليس عليه درع، فقالوا: يلقي بيده إلى التهلكة، فبيّن لهم أن المراد بذلك الأنصار ، وذلك أنهم بعد أن أعز الله دينه، وأظهره، وكثر الداخلون في الإسلام قالوا فيما بينهم: لو رجعنا إلى أموالنا، فأصلحناها حيث كانوا أهل زرع، وقد أهملوا زروعهم، فأنزل الله : وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [سورة البقرة:195].
وقال ابن عباس في تفسيرها: إنكم إن منعتم النفقة عن المجاهدين في سبيل الله أوشك العدو أن يظفر بكم، ويقوى عليكم فيأخذ ما في أيديكم، وتغلبوا، بمعنى أنكم إن منعتم النفقة عن الجهاد في سبيل الله ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة لما يحصل من قوة العدو، وظفره فيأخذ ما في أيديكم، ويقتلكم.
فالمقصود أن هذا هو وجه إيراد هذه الآية هنا أي أن ذلك في النفقة، وهذه الآثار التي وردت إنما هي في الإقدام في قتال العدو على وجه فيه مخاطرة، وقد تكون هذه المخاطرة كبيرة جداً لكن لا إشكال في ذلك؛ لأن القتل في تلك الحال إنما يكون بيد عدوه، والقاعدة أنه يسع الإنسان في نفسه ما لا يسعه في غيره، بمعنى أنه لو كان قائداً معه مجموعة من الجيش ككتيبة، أو نحو ذلك فلا يجوز أن يغرر بهم، وأن يركب بهم الأهوال، والمخاطر فهذا لا يسعه، لكن الإنسان بنفسه له أن يغير لوحده على العدو، ويدخل في الصف، ولو كانت نسبة، وقوعه في القتل بيد عدوه تصل إلى مائة بالمائة، وفرق بين هذا، وبين من يكون قتله بيد نفسه، فهذا غير هذا، ولذلك فكل الأدلة التي يستدل بها المجيز على أن يقدم الإنسان على قتل نفسه نكاية بالعدو إنما يراد بها أن يكون قتله بيد عدوه لا بيد نفسه؛ إذ لا يوجد دليل واحد على جواز أن يكون القتل بيد نفسه إطلاقاً، ولذلك يمكن أن يقال: لا يجوز للإنسان أن يقدم على عمل يكون فيه قاتلاً لنفسه بيده، ولو كان في ذلك نكاية بالعدو؛ لأن الإنسان لا يملك نفسه أصلاً، ولعموم قول الله : وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [سورة النساء:29]، ولأن القاعدة تقول: إن الغاية لا تبرر الوسيلة، فالإنسان لا يقدم على شيء لا يكون مرضياً لله - تبارك، وتعالى -، وإنما هي نفس واحدة إذا ذهبت فلا يمكن للإنسان أن يستدرك، - والله أعلم -.
"وقوله: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة النساء:84] أي: على القتال، ورغبهم فيه، وشجعهم عنده، كما قال لهم ﷺ يوم بدر، وهو يسوي الصفوف: قوموا إلى جنة عرضها السماوات، والأرض[1].
وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك، فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من آمن بالله، ورسوله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها قالوا: يا رسول الله، أفلا نبشر الناس بذلك؟ فقال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله بين كل درجتين كما بين السماء، والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة[2]، وروي من حديث عبادة، ومعاذ، وأبي الدرداء نحو ذلك.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: يا أبا سعيد، من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد ﷺ رسولاً، ونبياً وجبت له الجنة قال: فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها عليَّ يا رسول الله، ففعل، ثم قال رسول الله ﷺ: وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء، والأرض قال: وما هي يا رسول الله، قال: الجهاد في سبيل الله رواه مسلم[3].
وقوله: عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ [سورة النساء:84] أي: بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء، ومدافعتهم عن حوزة الإسلام، وأهله، ومقاومتهم، ومصابرتهم."

قوله تعالى: عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ [سورة النساء:84] هذه نتيجة، وأثر من آثار هذه الفريضة التي فرضها الله على عباده، و"عسى" من الله واجبة، كما جاء عن ابن عباس، وغيره ، وهذه قاعدة، وإلا فالأصل في كلام العرب في معنى "عسى" أنها للترجي، وإنما يقع الترجي ممن لا يعلم العواقب، فهو يترجى حصول الشيء، ولا يدري هل يقع أو لا يقع، ولكنه يؤمِّل وقوعه، فيقول: عسى أن ينزل المطر، عسى أن يقدم زيد، ونحو ذلك، أما إذا قال الله : (عسى) في كلامه فالله يعلم العواقب، ويعلم ما كان، وما يكون؛ ولذلك يكون ما بعد عسى متحققاً كما قال الله : عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً [سورة الممتحنة:7]، وهذا قد تحقق حيث أسلموا، وصارت بينهم مودة، فأبو سفيان كان أول من قاتل أهل الردة لما لقي ذا الخمار، وهو عائد من اليمن بعد وفاة النبي ﷺ، فالحاصل أن "عسى" من الله واجبة؛ ولذلك فقوله: عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ [سورة النساء:84] أي: إنكم إن جاهدتم أعداء الله نتج عن ذلك أن يُكفَّ بأسهم، ويُدفعون عنكم، ولا يحصل مقصودهم، وهذا أمر يدركه كل أحد.
وقوله تعالى: عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ [سورة النساء:84] له نظائر من حيث المعنى من جهة ما ذكرت من أن "عسى" من الله واجبة، وإن كان أصل معناها الترجي، ومن ذلك قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ [سورة الأحزاب:18] فـ"قد" في الأصل إذا دخلت على المضارع فإنها للتقليل لكنها إذا جاءت في كلام الله فهي للتحقيق، فقوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ [سورة الأحزاب:18]، وقوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ [سورة النــور:64] يعني أن ذلك متحقق، وليس للتقليل، وبعض أهل العلم يقول: إن هذا جرى على طريقة العرب في الكلام، وذلك أن من عادة العظماء أنهم قد يخرجون الأمر الذي هو محقق عندهم بمثل هذه الصيغة، فيقولون مثلاً: قد ننجز لك ما أردت، ويقولون: عسى أن نأمر لك بكذا، وكذا، مع أنه يقصد الجزم، والتحقيق لا الترجي لكنه يخرجه هذا المخرج؛ ولذلك يفهم السامع أن ذلك من قبيل الوعد المحقق، - والله أعلم -.
وقوله تعالى: وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً [سورة النساء:84] أي: هو قادر عليهم في الدنيا، وفي الآخرة كما قال تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ الآية [سورة محمد:4].
  1. أخرجه مسلم في كتاب الإمارة - باب ثبوت الجنة للشهيد (1901) (ج 3 / ص 1509).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير - باب درجات المجاهدين في سبيل الله يقال هذه سبيلي وهذا سبيلي (2637) (ج 3 / ص 1028).
  3. أخرجه مسلم في كتاب الإمارة - باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات (1884) (ج 3 / ص 1501).

مرات الإستماع: 0

"لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84] لمّا تثاقل بعض الناس عن القتال قيل هذا للنبي ﷺ أي: إن أفردوك فقاتل وحدك فإنما عليك ذلك."

إنما عليك ذلك، وقيلت بأن الفاء متعلقة بقوله: وَمَنْ يُقَاتِلْ [النساء:74] أي من أجل ذلك فقاتل فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84] وقيل: المتعلق بقوله، يعني الفاء تتعلق بقوله: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] فَقَاتِلْ [النساء:84].

وبعضهم يقول: جواب شرط محذوف فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84] هذا جواب شرط محذوف دلَّ عليه السياق، أي إذا كان الأمر ما ذُكر من عدمِ طاعة المنافقين فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84] وهذا بمعنى ما ذكره ابن جزي، قال: أي إن أفردوك - لاحظ هذا الشرط المحذوف - إن أفردوك فقاتل وحدك فإنما عليك ذلك فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84] لكن على القولين الأولين لا يحتاج إلى تقدير، لا يُقال فيه محذوف، والأصل عدم التقدير، وإذا دار الكلام بين الاستقلال، والتقدير فالأصل في الكلام الاستقلال، يعني أنه لا أحتاج إلى مُقدر محذوف، فهذا إذا قيل بأنه متعلق بقوله: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] فهنا يقول: فَقَاتِلْ [النساء:84] من أجل ذلك فَقَاتِلْ [النساء:84] أو وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84] - والله أعلم -.

"قوله - تعالى -: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84] أي ليس عليك في شأن المؤمنين إلّا التحريض."

كما قال النبي ﷺ في بدر: قوموا إلى جنةٍ عرضها السماوات، والأرض[1].

"قوله - تعالى -: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] قيل: عسى من الله واجبة."

وهذا جاء عن ابن عباس - ا - وغيره: عسى من الله واجبة [2] يعني بمعنى أن عسى تفيد الترجي، تقول: عسى المطر أن ينزل، والترجي إنما يقع ممن لا يعلم العواقب، ولكن الترجي يكون في الشيء قريب المنال، والتمني للشيء بعيد المنال، أو المحال، فهنا إذا قال الله في كلامه: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [الممتحنة:7] فهل الترجي يقع من الله؟ الترجي لا يقع من الله؛ لأنه يعلم العواقب، يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، إنما يقع الترجي ممن لا يعلم؛ بشر، فهذا يكون محمله على أحد وجهين:

الوجه الأول: هذا، بناءً على هذه القاعدة، هذه قاعدة من قواعد التفسير أن: عسى من الله واجبة، بمعنى متحققة الوقوع، قالوا: والقرآن جاء على طريقة العرب في المخاطبة، وبلغتهم، والعظيم من الناس الكبير منهم، جرت عادة هؤلاء من ملوكهم أن الواحد منهم يُخرج العِدة بمثل هذه الصيغة، فيقول: عسى أن يحصُل لك ما أردت، عسى أن نحقق لك ما طلبت، عسى أن يحصل لك ذلك العطاء، ونحو هذا، فالسامع يفهم أن هذا من قبيل الوعد المتحقق، لكنّهم يخرجونه بهذه الصيغة، فإذا خرج من هؤلاء من عظمائهم، وكبرائهم فيفهمون منه الوعد المحقق، هذا معنى عسى من الله واجبة، أي متحققة الوقوع.

الوجه الثاني: أن يكون هذا على قاعدة أخرى، وهي خروج الخطاب مراعًى به نظر المخاطب، وهذا أنواع في عسى مثلًا: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] يعني فيما يكون من رجاءٍ في نفوس المخاطبين إذا حصل القتال، والجهاد، وكما في قوله في لعل أيضًا في خطاب موسى، وهارون - عليهما الصلاة، والسلام - في الذهاب إلى فرعون: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أو يَخْشَى [طه:44] لَعَلَّهُ [طه:44] يعني على رجائكما، وإلا فقد علم الله أنه لا يتذكر، ولا يخشى، على رجائكما، وهكذا فيما جاء في التردد بما يشبه الشك، في قوله - تبارك، وتعالى - مثلًا: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أو يَزِيدُونَ [الصافات:147] هل أَوْ [الصافات:147] هذه بمعنى بل، بل يزيدون، أو أنها للشك؟ فأحد المعاني الذي يتخرَّج على هذا الأصل أنها للشك، يعني بمعنى أن ذلك رُوعي فيه حال المُخاطب، الناظر منكم إليهم يقول: بأنهم مائة ألف، أو يزيدون.

وهكذا في قوله عن الساعة: كَلَمْحِ الْبَصَرِ أوَ هُوَ أَقْرَبُ [النحل:77] أَوْ [النحل:77] هذه للشك، أو بمعنى بل مثلًا، لكن على الأصل الذي ذكرته هو بالنسبة لنظركم، بالنسبة للمخاطبين.

"قيل: عسى من الله واجب، والذين كفروا هنا قريش، وقد كفهم الله بهزيمتهم في بدر، وغيرها، وبفتح مكة."

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] ويمكن أن يُقال: بأن ذلك يعني عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ [النساء:84] لا تفيد التعليل من أجل أن يكف، لكن القول هنا: بأن عسى من الله واجبة، هذا معروف، وجاء عن بعض الصحابة والسلف.

"قوله - تعالى -: وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84] أي: عقابًا، وعذابا."

أَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84] عقابًا، وعذابًا، ونكاية في العدو، والتنكيل مصدر، يُقال: نكَّل بفلان إذا أوجعه عقوبةً، وفعل به ما يمنعه من المعاودة، ويمنع غيره أيضًا من أن يعمل عمله، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84] بأنه قادرٌ عليهم في الدنيا، والآخرة، كما قال الله : ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4] وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84].

"قوله: شَفَاعَةً حَسَنَةً [النساء:85] هي الشفاعة في مسلم لتُفرج عنه كربة، أو تُدفع مظلمة، أو يُجلب إليه خيرا."

النقطة هذه تُوقع في إشكال، وإلا لا محل لها، أو يُجلب إليه خيرا.

وش عندكم في النسخ الأخرى؟ يجلب إليه خيرا؟ يجلب إليه يقول: هي الشفاعة في مسلم لتُفرج عنه كربة،، أو تُدفع مظلمة، أو تجلب إليه خيرا، النسخة ها؟ تُدفع، وتُرفع مظلمة، لا بأس، تُرفع مظلمة، نعم كل هذا صحيح، وتُرفع أوضح، هي الشفاعة في مسلم لتُفرج عنه كربة،، أو تُدفع، أو ترفع مظلمة، أو تجلب إليه خيرا.

"هي الشفاعة في مسلم لتُفرِّج عنه كربة، أو تدفع مظلمة، أو تجلب إليه خيرا، والشفاعة السيئة بخلاف ذلك، وقيل: الشفاعة الحسنة هي الطاعة، والشفاعة السيئة هي المعصية، والأول أظهر، والكفل هو النصيب."

صحيح، الأول أظهر، فالشفاعة هي معروف أنها الانضمام إلى آخر نُصرةً له، وتقويةً لجانبه، يُقال: شفع لفلان إذا جاء ملتمسًا مطلبه، ومعينًا له، فأصل الشفع ضم الشيء إلى مثله، يعني بعد ما كان منفردًا في حاجته، جاء من شفعه فقوى جانبه، جاء في الصحيح عن أبي موسى أن النبي ﷺ كان إذا جاءه السائل، أو طُلبت إليه الحاجة قال: اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ﷺ ما شاء[3].

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، برقم (1901).
  2. انظر: تفسير الطبري (7/267)، و(15/42).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، برقم (1432).