في قوله تعالى: وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا [سورة النساء:85] فرَّق - جل، وعلا - بين الشفاعة الحسنة، والشفاعة السيئة، فجعل النصيب في جانب الشفاعة الحسنة، والكفل في جانب الشفاعة السيئة، مع أن النصيب، والكفل متقاربان في المعنى فقد يستعمل الكفل أيضاً في جانب الحُسن كما قال الله : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ [سورة الحديد:28] فالكفل لا يختص بالسوء، أو المعصية، أو الذنب، أو الإثم، وإنما يكون في هذا، وهذا، لكن لما ذكر الله الأمرين - الحسنة، والسيئة - ثم عقب هذا بالنصيب، وهذا بالكفل أشعر ذلك أن الكفل يستعمل في جانب الحمل، والكلفة كما يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله -، وأن النصيب هو ما يعمل له الإنسان، وينصب له، ويطلبه ليحصله، ويظفر به، فيكون الكفل أقرب إلى الحمل الثقيل، والنصيب مما يطلبه الإنسان، ويعمل له، ويكدح حتى يحصله، وعلى هذا يمكن التفريق بين الكفل، والنصيب بهذه الطريقة.
يقول تعالى: مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا [سورة النساء:85] الشفاعة من الشفع، والشفع عكس الوتر فالواحد يكون وتراً منفرداً، ثم يأتي آخر فيكون شفعاً، ويكون مقوياً للمنفرد في تحصيل مطلوبه، وحاجته، وذلك ببذل جاهه، ونحوه ليتوصل به إلى المطلوب، فالإنسان المنفرد بحاجته يتقوى بغيره ليشفع له.
والشفاعة الحسنة هي التي لا ظلم فيها، ولا عدوان، ولا توصل إلى محرم بحال من الأحوال، بمعنى أن الشافع لا يظلم بشفاعته أحداً، ولا يستحوذ على حق أحد، ولا يتقدم على أحد، ولا يحصل ما لا يستحق، ولا يتوصل إلى المطلوب بطريق المعصية، وأما الشفاعة السيئة فهي ما كان فيها شيء مما ذكر.
وقوله: وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا [سورة النساء:85] قال ابن عباس - ا -، وعطاء، وعطية، وقتادة، ومطر الوراق: مقيتاً أي: حفيظاً، وقال مجاهد: شهيداً، وفي رواية عنه: حسيباً."
هذه المعاني متقاربة، وكل، واحد منها قال به طائفة من السلف ، وقال بعضهم: وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا [سورة النساء:85] أي: مقتدراً، وهذا رجحه كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -، وبعضهم يقول: المُقيت هو الذي يعطي كل إنسان قوته، وعلى كل حال تفسير ذلك بأن الله على كل شيء حفيظ، أو مقتدر، أو حسيب، كل ذلك متقارب، والله هو القائم على كل نفس بما كسبت، وهو القائم على خلقه بآجالهم، وأرزاقهم، وأعمالهم، وهو المقيم لغيره - سبحانه، وتعالى -، ولذلك كان معنى الحفيظ، والحسيب مما يدخل في قوله سبحانه: وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا [سورة النساء:85].
- أخرجه البخاري في كتاب الزكاة - باب التحريض على الصدقة، والشفاعة فيها (1365) (ج 2 / ص 520).