السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا۟ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ حَسِيبًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [سورة النساء:86] أي: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة.
وروى الإمام أحمد عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين - ا - أن رجلاً جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: السلام عليكم، فرد عليه، ثم جلس، فقال: عشر ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم، ورحمة الله يا رسول الله، فرد عليه، ثم جلس، فقال: عشرون ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته، فرد عليه، ثم جلس فقال: ثلاثون، وكذا رواه أبو داود، وأخرجه الترمذي، والنسائي، والبزار، ثم قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه[1]."

هذه الآية نص صريح في، وجوب رد السلام، وأما الزيادة فهي مستحبة، وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على هذا.
في قوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ [سورة النساء:86] لفظ "تحية" نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم، فيدخل فيها كل تحية سواء كانت التحية بالسلام، أو غيره، ومع أن المشروع هو البدء بالسلام، إلا أن التحية في الأصل هي ما يقال في أول اللقاء، وقد كان الناس يقولون: أحياك الله، فقيل لها تحية بهذا الاعتبار، أي أنها دعاء له بطول الحياة، فجاء الإسلام بما هو أعظم من هذه التحية فبدلاً من قولهم: أحياك الله، علمهم الإسلام تحية أهل الجنة، وتحية الملائكة، وهي أبلغ في المعنى بلا شك، فقائل السلام عليكم يلقي على من لقي السلام، فيكون ذلك أمنة لهم منه، ودعوة لهم بالسلامة أيضاً؛ وذلك أن معنى السلامة مضمن في هذه التحية، إلى غير ذلك من المعاني التي تدخل في هذه اللفظة، وهي بخلاف قول القائل: أحياك الله، فقد تكون الحياة شراً له، وفي الحديث لما سئل النبي -عليه الصلاة، والسلام - من شر الناس؟ قال: من طال عمره، وساء عمله[2] لذلك لا يدعى للإنسان بطول الحياة إلا مقروناً بحسن العمل، كأن يقال له: أطال الله بقاءك على طاعته، وقد كان الإمام أحمد يكره أن يدعى له بطول العمر، يقول لبيد:
المرء يأمل أن يعيـ ـش، وطول عيشٍ قد يضره
تفني بشاشته ويبقى عد حلو العيش مره
وبعض الناس قد يمل من الحياة، فلا يريد أن يدعى له بها كما قال القائل:
ألا موت يباع فأشتريه فهذا العيش لا خير فيه
 جزى الله المهيمن نفس حرٍّ تصدق بالوفاة على أخيه
إذا أبصرت قبرا قلت شوقاً ألا يا ليتني أمسيت فيه
"وفي الباب عن أبي سعيد، وعلي، وسهل بن حنيف : فإذا بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام رد عليه مثل ما قال، فأما أهل الذمة فلا يُبدءون بالسلام، ولا يزادون بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر - ا - أن رسول الله ﷺ قال: إذا سلم عليكم اليهود، فإنما يقول أحدهم: السام عليك، فقل: وعليك[3].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تبدءوا اليهود، والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه[4].
وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم[5].
  1. أخرجه أبو داود في كتاب الأدب - باب كيف السلام (5197) (ج 4 / ص 516) والترمذي في كتاب الاستئذان – باب ما ذكر في فضل السلام (2689) (ج 5 / ص 52) وأحمد (19962) (ج 4 / ص 439) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2710).
  2. أخرجه الترمذي في كتاب الزهد عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في طول العمر للمؤمن 22 (2330) (ج 4 / ص 566) وأحمد (20431) (ج 5 / ص 40) والدارمي (2742) (ج 2 / ص 398) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3297).
  3. أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان - باب كيف الرد على أهل الذمة بالسلام (5902) (ج 5 / ص 2309) ومسلم في كتاب السلام - باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم (2164) (ج 4 / ص 1706).
  4. أخرجه مسلم في كتاب السلام – باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم (2167) (ج 4 / ص 1707) والترمذي في كتاب السير – باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب (1602) (ج 4 / ص 154) وأحمد (7606) (ج 2 / ص 266).
  5. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وأن محبة المؤمنين من الإيمان وأن إفشاء السلام سبب لحصولها (54) (ج 1 / ص 74).

مرات الإستماع: 0

"قوله - تعالى -: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أوْ رُدُّوهَا [النساء:86] معنى ذلك الأمرُ بردِّ السلام، والتخيير بين أن يرد بمثل ما سُلّم عليه، أو بأحسن منه، والأحسن أفضل، مثل أن يُقال له: سلام عليك، فيردّ السلام، ويزيد الرحمة، أو يزيد الرحمة، والبركة، وردّ السلام واجب ٌ على الكفاية عند مالكٍ، والشافعي[1].

وقال بعض الناس: هو فرض عينٍ، واختُلف في الردّ على الكفار، فقيل: يُردّ عليهم لعموم الآية، وقيل: لا يُردّ عليهم، وقيل: يُقال لهم: عليكم، حسبما جاء في الحديث، وهو مذهب مالكٍ، ولا يُبتدؤون بالسلام."

قوله: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86] قال: معنى ذلك الأمرُ بردِّ السلام، وغير السلام أيضًا، يعني وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86] لو قال له مثلًا: صبحك الله بالرضا، والعافية، والخير، ونحو ذلك، فيرد عليه هذه التحية، هذه تحية، فالتحية أصلها من قولهم: حياك الله، هذا أصلها، قولهم: حياك الله، ثم صارت تُقال لما يُقال في أول اللقاء، وأبلغُ ذلك، وأفضله، وأكمله السلام، السلام الذي هو أبلغ من قولهم: حياك الله؛ لأن الإنسان قد تكون حياته لا خير فيها، وبائسة شركم من طال عمره، وساء عمله[2] وقد يسأم من طول الحياة، ويُرد إلى أرذل العمر 

ومن يعش ثمانين حولًا لا أبا لك يسأمُ  

والآخر الذي يقول:[3]

ألا موتٌ يُباع فأشتريه فهذا العيش مما لا خير فيه
ألا رحم المهيمن رأس حرٍ تصدق بالوفاة على أخيه.

فهذا يتمنى الموت

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكنَّ أمانيا[4]

فهذا الذي يتمنى الموت ماذا بقي له؟!.

وهنا يقول: والتخيير بين أن يرد بمثل ما سُلِّم عليه، أو بأحسن منه، والأحسن أفضل، وهذا لا شك فيه، ففي حديث أبي هريرة في الصحيح في خلق آدم: اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة - وفيه فقال: السلام عليكم، فقالوا: عليك السلام، ورحمة الله[5] فزادوا، ورحمة الله.

وفي حديث عمران بن حصين جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: السلام عليكم، فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي ﷺ: عشر ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم، ورحمة الله، فرد عليه، ثم جلس، فقال: عشرون ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته، فقال النبي ﷺ: ثلاثون[6] هذا في كون التحية بالسلام لا شك أنها أفضل، وإذا كان ذلك بصيغةٍ أكمل، فهو أفضل.

فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أوْ رُدُّوهَا [النساء:86] فقدَّم الأحسن فهو الأكمل فهو مأمورٌ به، يزيد الرحمة إلى آخره.

يقول: ورد السلام واجب ٌ على الكفاية عند مالكٍ، والشافعي، وقال بعض الناس: هو فرض عين، والأقرب أنه فرض كفاية، يعني إذا سلَّم على جماعة من الناس فرد أحدهم، أو بعضهم كفى عن الباقين، والذين قالوا: فرض عين نظروا إلى ظاهر الخطاب أنه عام فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86] قالوا: هذا يتوجه إلى كل فردٍ منهم، والأقرب هو قول الجمهور بأن ذلك فرض كفاية، لكن الزيادة مستحبة، مندوبة، كما قال الحافظ ابن كثير: "فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة"[7] ونقل عليه القرطبي: الإجماع[8] سلم عليهم يجب عليهم الرد، إن كانوا جماعة فيرد واحد يكفي، أو بعض هؤلاء فيكفي عن الآخرين، ما الذي يجب من الرد؟ أن يرد بالمثل، فإن زاد فهو أفضل.

واختُلف في الرد على الكفار، فقيل: يرد عليهم لعموم الآية: وَإِذَا حُيِّيتُمْ [النساء:86] فبناه للمجهول، فهذا المُحيي قد يكون مسلمًا، وقد يكون كافرًا، وقيل: لا يرد عليهم، بأي اعتبار؟ باعتبار أن التحية للكافر الرد عليه فيه إكرام، وتتضمن دعاءً له، وهو لا يستحق ذلك، هذا بهذا الاعتبار الذين قالوا: لا يُرد عليه.

وقيل: يُقال لهم: عليكم، حسبما جاء في الحديث، جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر - ا -: إذا سلَّم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السامُ عليكم - السام يعني الموت - فقل: وعليكَ[9].

وجاء عند مسلم من حديث أبي هريرة: لا تبدأوا اليهود، والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه[10] هم لا يُبتدئون بالسلام؛ لأنه إكرام، وهذا ليس محل اتفاق، يعني بعضهم قال: لا بأس إن كانت له حاجة، ولقيه فيذكر له تحيةً، أو نحو ذلك، لكن الحديث هنا: لا تبدأوا اليهود، والنصارى بالسلام فقول هؤلاء الفقهاء الذين قالوا: يمكن أن يُبتدئوا قالوا: بغير السلام، وأجاز الحنفية، والمالكية رد السلام على الذمي، ولا يجب إلا إذا تحقق المسلم من لفظ السلام من الذمي، يعني أنه لا يلوي لسانه، ويقول: السام، فإذا عرف أنه يقول: السلام عليكم، فيقول: وعليكم السلام، هذا أجازه الحنفية، والمالكية[11].

وهو واجب ٌ عند الشافعية، والحنابلة[12] ويقتصر على قوله: وعليكم، هذا أمر قولوا: وعليكم، عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة إن الرد واجب، لكن ماذا يقول؟ عند هؤلاء الحنفية، والشافعية، والحنابلة يقول: وعليكم، وعند المالكية يقول: عليكم، وإذا كان واحد يقول: عليك بدون، واو، لماذا؟ قالوا: لأنه جاء في حديث ابن عمر فقل: عليك وفي رواية: عليكم والواو هنا نظروا إليها باعتبار، وعليكم كأنها تفيد العطف على ما سبق، والجمع، معنى الجمع، فإذا لوى لسانه قال: السام عليكم، قلت له: وعليكم، يعني كأنه يُفهم، وعلينا، وعليكم، لكن إذا قلت: عليك، أو عليكم، فأنت تُفردهم بذلك.

والفقهاء مختلفون في الاقتصار على قوله: وعليكم، أو عليكم، أو عليك، إذا كان لا يلوي لسانه بذلك، لكن الحديث عام في أهل الكتاب، ولم يقيد ذلك إذا عرف ذلك منهم - والله أعلم -.

يقول: وهو مذهب مالك، ولا يُبتدئون بالسلام، هذا مكروه عند الحنفية، والمالكية، ويحرم عند عامة الشافعية، والحنابلة، الابتداء، والحديث واضح نهي عن الابتداء - ابتداءهم بالسلام - لكن عند الحنابلة لا يُبتدئون لا بالسلام، ولا بأي تحية، وبعض الفقهاء قال: إن كانت له حاجة، ونحو ذلك فبغير السلام، فيقول له مثلًا: كيف أصبحت؟ ونحو هذا، كيف حالك؟ - والله أعلم -.

  1.  انظر: البيان والتحصيل (2/156)، وحاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/472)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (2/599)، وكفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص:147).
  2.  أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في طول العمر للمؤمن، برقم (2330)، وأحمد في المسند، برقم (20415)، وقال: "حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف، لضعف علي بن زيد- وهو ابن جدعان- وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم" وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3297).
  3.  التذكرة الحمدونية (5/71).
  4. الوساطة بين المتنبي وخصومه ونقد شعره (ص:157)، والعمدة في محاسن الشعر وآدابه (1/222).
  5.  أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم - صلوات الله عليه - وذريته، برقم (3326)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، برقم (2841).
  6.  أخرجه أبو داود، أبواب النوم، باب كيف السلام؟ برقم (5195)، والترمذي، أبواب الاستئذان والآداب عن رسول الله ﷺ باب ما ذكر في فضل السلام، برقم (2689) وأحمد في المسند، برقم (19948)، وقال محققوه: "إسناده قوي على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير جعفر بن سليمان- وهو الضبعي- فمن رجال مسلم، وهو صدوق حسن الحديث" وحسنه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (4644).
  7.  تفسير ابن كثير (2/368).
  8. تفسير القرطبي (5/298).
  9.  أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب كيف يرد على أهل الذمة السلام، برقم (6257)، ومسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، برقم (2164).
  10.  أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، برقم (2167).
  11.  انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/113)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/327)، والبيان والتحصيل (18/198)، والذخيرة للقرافي (13/291).
  12.  انظر: المجموع شرح المهذب (19/415)، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب (4/185)، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/15)، وشرح منتهى الإرادات (دقائق أولي النهى لشرح المنتهى) (1/664)، والإرشاد إلى سبيل الرشاد (ص:540).