وروى الإمام أحمد عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين - ا - أن رجلاً جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: السلام عليكم، فرد عليه، ثم جلس، فقال: عشر ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم، ورحمة الله يا رسول الله، فرد عليه، ثم جلس، فقال: عشرون ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته، فرد عليه، ثم جلس فقال: ثلاثون، وكذا رواه أبو داود، وأخرجه الترمذي، والنسائي، والبزار، ثم قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه[1]
هذه الآية نص صريح في، وجوب رد السلام، وأما الزيادة فهي مستحبة، وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على هذا.
في قوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ [سورة النساء:86] لفظ "تحية" نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم، فيدخل فيها كل تحية سواء كانت التحية بالسلام، أو غيره، ومع أن المشروع هو البدء بالسلام، إلا أن التحية في الأصل هي ما يقال في أول اللقاء، وقد كان الناس يقولون: أحياك الله، فقيل لها تحية بهذا الاعتبار، أي أنها دعاء له بطول الحياة، فجاء الإسلام بما هو أعظم من هذه التحية فبدلاً من قولهم: أحياك الله، علمهم الإسلام تحية أهل الجنة، وتحية الملائكة، وهي أبلغ في المعنى بلا شك، فقائل السلام عليكم يلقي على من لقي السلام، فيكون ذلك أمنة لهم منه، ودعوة لهم بالسلامة أيضاً؛ وذلك أن معنى السلامة مضمن في هذه التحية، إلى غير ذلك من المعاني التي تدخل في هذه اللفظة، وهي بخلاف قول القائل: أحياك الله، فقد تكون الحياة شراً له، وفي الحديث لما سئل النبي -عليه الصلاة، والسلام - من شر الناس؟ قال: من طال عمره، وساء عمله[2] لذلك لا يدعى للإنسان بطول الحياة إلا مقروناً بحسن العمل، كأن يقال له: أطال الله بقاءك على طاعته، وقد كان الإمام أحمد يكره أن يدعى له بطول العمر، يقول لبيد:
المرء يأمل أن يعيـ | ـش، وطول عيشٍ قد يضره |
تفني بشاشته ويبقى | عد حلو العيش مره |
ألا موت يباع فأشتريه | فهذا العيش لا خير فيه |
جزى الله المهيمن نفس حرٍّ | تصدق بالوفاة على أخيه |
إذا أبصرت قبرا قلت شوقاً | ألا يا ليتني أمسيت فيه |
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تبدءوا اليهود، والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه[4].
وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم[5].
- أخرجه أبو داود في كتاب الأدب - باب كيف السلام (5197) (ج 4 / ص 516) والترمذي في كتاب الاستئذان – باب ما ذكر في فضل السلام (2689) (ج 5 / ص 52) وأحمد (19962) (ج 4 / ص 439) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2710).
- أخرجه الترمذي في كتاب الزهد عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في طول العمر للمؤمن 22 (2330) (ج 4 / ص 566) وأحمد (20431) (ج 5 / ص 40) والدارمي (2742) (ج 2 / ص 398) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3297).
- أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان - باب كيف الرد على أهل الذمة بالسلام (5902) (ج 5 / ص 2309) ومسلم في كتاب السلام - باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم (2164) (ج 4 / ص 1706).
- أخرجه مسلم في كتاب السلام – باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم (2167) (ج 4 / ص 1707) والترمذي في كتاب السير – باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب (1602) (ج 4 / ص 154) وأحمد (7606) (ج 2 / ص 266).
- أخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وأن محبة المؤمنين من الإيمان وأن إفشاء السلام سبب لحصولها (54) (ج 1 / ص 74).