الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا۟ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوٓا۟ إِلَى ٱلْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا۟ فِيهَا ۚ فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوٓا۟ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓا۟ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَٰنًا مُّبِينًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ الآية [سورة النساء:91] هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك، فإن هؤلاء قوم منافقون يظهرون للنبي ﷺ، ولأصحابه الإسلام ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم، وأموالهم، وذراريهم، ويصانعون الكفار في الباطن فيعبدون معهم ما يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم، وهم في الباطن مع أولئك كما قال تعالى: وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ الآية [سورة البقرة:14]، وقال هاهنا: كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا [سورة النساء:91]."

الفرق بين الطائفتين أن الطائفة الأولى تضيق صدورهم بقتالكم، ولا يريدون قتال قومهم، فهؤلاء شرط الله فيهم شرطاً فقال: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً [سورة النساء:90] أي  يكفون عنكم، أما الطائفة الثانية فهم يريدون أن يأمنوكم، ويأمنوا قومهم، فإن جاءوكم جاءوا بوجه، وأسمعوكم ما تحبون، وإن ذهبوا إلى قومهم فهم معهم، وعلى دينهم، واعتقادهم الفاسد، فهؤلاء ذكر الله صفتهم، وبين أنهم ما كفوا أيديهم، ولا ألقوا إليكم السلم، وإنما حالهم أنهم كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا [سورة النساء:91] فهؤلاء ليسوا كأولئك الذين يكفون، ويلقون السلم، بل هؤلاء في كل مرة يقعون في سوء عملهم.
"وقوله هاهنا: كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا [سورة النساء:91] أي انهمكوا فيها، وقال السدي: الفتنة هاهنا الشرك.
 وحكى ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي ﷺ فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا، وهاهنا، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا، ويصلحوا، ولهذا قال تعالى: فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ المهادنة، والصلح وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ أي: عن القتال، فَخُذُوهُمْ أُسَراء وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ أي أين لقيتموهم وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا [سورة النساء:91] أي بيِّناً، واضحاً."

خلاصة الأمر أن الطائفة الأولى هم من ألقوا إليكم السلم، وحالهم أنهم تضيق صدورهم بقتالكم، ولا يريدون ذلك، ولا يريدون أيضاً قتال قومهم، وإنما يعتزلون فهؤلاء دعوهم، والطائفة الثانية هي أسوأ من الطائفة الأولى فهم يريدون أن يأمنوكم، ويريدون أن يأمنوا قومهم فيلقوكم بوجه، ويلقوهم بوجه، وحينما يحتدم الموقف يقعون في سوء عملهم، فيشاركون قومهم، ويعينونهم عليكم، ويظهر كفرهم، ونفاقهم، فليسوا كالطائفة الأولى، ومثل هؤلاء الذين لم يكفوا أيديهم يقاتَلون، وإن أظهروا الإسلام، وأسمعوكم ما تحبون فهم مع قومهم عليكم كما قال سبحانه: كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا [سورة النساء:91] - والله أعلم -.

مرات الإستماع: 0

"إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:90] الآية استثناءٌ من قوله: فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ [النساء:89] ومعناها أن من وصل من الكفار غير المُعاهدين إلى الكفار المُعاهدين، وهم الذين بينهم، وبين المسلمين عهدٌ، ومهادنة.

هؤلاء الكفار فَخُذُوهُمْ [النساء:89] هؤلاء أهل النفاق، هؤلاء الذين خُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ [النساء:89] إلى آخره هؤلاء الذين لم يهاجروا، أما الذين كانوا في المدينة مع النبي ﷺ فما كان يقتلهم، ولا يأسرهم، وإنما يُجاهدون بالقرآن، وبالحجة، ويُغلظ عليهم، لكن لم يكن هديه ﷺ أن يعاملهم معاملة الكفار من القتل، والأسر، ونحو ذلك.

"فحكمه كحكمهم في المسالمةِ، وترك قتاله، وكان ذلك في أول الإسلامِ، ثم نُسخ بالقتال في أول سورة براءة، قال السُهيلي، وغيره: الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:90] هم."

في قوله –تبارك، وتعالى -: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:90] فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ [النساء:89] إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:90] يعني هذا أن من كان من الكفار من غير عهد - ليس له عهد - فصار إلى قومٍ من الكفار لهم عهد، فله حكمهم، إذا جاء إليهم، ونزل بينهم فله حكمهم إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90] فيُترك قتالهم، وهذا الذي اختاره ابن جرير[1] وقال به من السلف السُدي، وابن زيد[2].

وجاء في الصحيح في قصة الحديبية: "فكان من أحب أن يدخل في صلح قريشٍ، وعهدهم، ومن أحب أن يدخل في صلح محمدٍ، وأصحابه، وعهدهم"[3] فمن انضم إلى هؤلاء، ودخل في عهدهم فله حكمهم، ومن صار إليهم، وحلَّ بدارهم فله حكمهم.

يقول: وكان ذلك في أول الإسلام، ثم نُسخ بالقتال في أول سورة براءة، يبقى الحكم الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90] فالمواثيق تُوجد بعد نزول آية براءة، لكن الكلام في حد هذه المواثيق، والعهود بترك القتال، المصالحة مع الكفار إلى أي حد، يعني بعضهم قال: إلى عشر سنين لا يزيد، بصرف النظر لو وُجد عهد مع جماعةٍ من الكفار، مع طائفةٍ منهم مع قوم، فجاء إليهم من غيرهم، وصار بينهم فله حكمهم، ولا يُقال: إن هذا منسوخ - والله أعلم -.

"قال السُهيلي، وغيره: الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:90]."

السُهيلي له كتاب كما ذكرت في بعض المناسبات في المبهمات في القرآن إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ [النساء:90] فهنا هذا مُبهم، قال: هم بنو مُدلج بن كنانة.

"قال السُهيلي، وغيره: الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:90] هم بنو مُدلج بن كنانة إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90] بنو خُزاعة، فدخل بنو مُدلجٍ في صلح خُزاعةَ مع رسول الله ﷺ"

خُزاعة كانوا دخلوا مع النبي ﷺ فهذا - كما سبق - من أحب أن يدخل في صلح محمدٍ، وأصحابه، وعهدهم، فدخل معه خُزاعة، ودخل بنو مُدلج مع خُزاعة.

وقوله: إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90] الميثاق هو العقد، والعهد المؤكد، أو العهد المُحكم.

"فمعنى الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:90]: ينتهون إليهم، ويدخلون فيما دخلوا فيه من المهادنة."

يَصِلُونَ [النساء:90] من الوصول، يصلون إليهم: يصيرون إليهم.

"وقيل معنى يَصِلُونَ [النساء:90] أي ينتسبون."

هذا معنى آخر ينتسبون، لكن مجرد الانتساب وحده لا يكفي.

"وهذا ضعيفٌ جدا بدليل قتال رسول الله ﷺ لقريشٍ، وهم أقاربه، وأقاربُ المؤمنين، فكيف لا يُقاتلُ أقارب الكفار المعاهدين؟!"

يعني لو كانوا غير داخلين في عهدهم لكنّهم يرتبطون بهم في النسب، فهل هؤلاء يُقال أنهم لا يُقاتلون؛ لأن أولئك بينهم، وبين النبي ﷺ عهد؟ ليس بينهم، لكن المقصود يصلون إليهم بمعنى أنهم يصيرون إليهم، وينزلون في دارهم، ونحو ذلك، فهذا هو المراد من الوصول، وليس الانتساب.

"قوله - تعالى -: أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90] عطفٌ على يَصِلُونَ [النساء:90]، أو على صفة قَوْمٍ [النساء:90] وهي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90] والمعنى يختلف على ذلك، والأول أظهر."

يقول ابن كثير - رحمه الله - في قوله: أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90]: "هؤلاء قومٌ آخرون، يعني غير الأولين غير الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:90] وهم الذين يجيئون إلى المصاف - مصاف القتال - وهم حاصرةً صدورهم، يعني ضيقة صدورهم، مبغضين أن يقاتلوكم، ولا يهون عليهم أيضًا أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم، ولا عليكم"[4] وهؤلاء يقول: كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين، فحضروا القتال، وهم كارهون كالعباس، ونحوه.

وقوله: أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90] عطفٌ على يَصِلُونَ [النساء:90] إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90] أو على صفة قَوْمٍ أو إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90] والمعنى يختلف على ذلك، والأول أظهر، يعني كيف يكون المعنى إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أو جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90]؟ إذا قلنا: بأنه يعود إلى يَصِلُونَ عطف على يَصِلُونَ يعني يكون هكذا وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ۝ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:89 - 90] فهذه طائفة الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90] أو الذين إذا جاءوا حصرت صدورهم، فهم طائفتان، أو يكون يعود إلى صفة قَوْمٍ [النساء:90] وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ۝ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:89 - 90] حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90] لكن هذا فيه بُعد إِلَى قَوْمٍ [النساء:90] حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ، أو يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ [النساء:90] فالأول أظهر أنه يعود إلى يَصِلُونَ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ [النساء:90] حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90] فكونه يعود إلى الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء:90] أقرب - والله تعالى أعلم - فهم فئتان، طائفتان:

الفئة الأولى: يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90].

الفئة الثانية: هؤلاء الذين لا يرغبون بقتالكم، ولا يرغبون بقتال قومهم وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ [النساء:90] هذا هو القيد، والشرط في متاركتهم وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90].

حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90] في موضع الحال بدليل قراءة يعقوب: (حَصِرَةً)، ومعناه ضاقت عن القتال، وكرهته، ونزلت الآية في قوم جاءوا إلى المسلمين، وكرهوا أن يقاتلوا المسلمين، وكرهوا أيضًا أن يقاتلوا قومهم، وهم أقاربهم الكفار، فأمر الله بالكف عنهم، ثم نُسخ أيضًا ذلك بالقتال."

هنا قوله: أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90] الحصر هو التضييق، يعني تضييق صدورهم بقتالكم حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90] في موضع الحال، يعني حال كون صدورهم حصرة، ضيقة، بدليل قراءة يعقوب (حَصِرَةً) (أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَةً صُدُورُهُمْ) يقول: نزلت في قومٍ جاءوا إلى المسلمين، وكرهوا أن يقاتلوا المسلمين، وكرهوا أيضًا أن يقاتلوا قومهم، وهم أقاربهم الكفار، لكن هذه الرواية أنها نزلت في هؤلاء جاءوا إلى المسلمين، وكرهوا أن يقاتلوا المسلمين هذا لا يصح من جهة الإسناد - والله أعلم -.

يقول: فأمر الله بالكف عنهم، ثم نُسخ ذلك بالقتال، نُسخ ذلك أيضًا، كما قلت: إنه لا نسخ بالاحتمال، وأنه لا يُقال: أن آية السيف نسخت ذلك جميعًا، أو صدر سورة براءة فإن العهود تبقى، لكن صدر سورة براءة إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۝ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة:1 - 2] أربعة أشهر، فهناك أناس لهم عهود مؤقتة فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ [التوبة:4] ويُتم لهم العهد، هناك عهود مطلقة، فهؤلاء أصحاب العهود المطلقة يُحد لهم أربعة أشهر، وكذلك من لا عهد له فيدخلون في قوله - والله أعلم -: فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة:2] فجعل لهم هذا الإمهال بأربعة أشهر، فصارت العهود: إما محددة فيُوفى إليهم، يُتم إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ [التوبة:4] ومن لا عهد له فيُمهل أربعة أشهر، ومن له عهد مطلق مفتوح فإنه يُحد.

"قوله - تعالى -: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ [النساء:90] أي: إن سالموكم فلا تقاتلوهم، والسلم هنا الانقياد."
"سَتَجِدُونَ آخَرِينَ [النساء:91] الآية نزلت في قومٍ مخادعين، وهم من أسدٍ، وغطفان، كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا، وعاهدوا ليأمنوا من المسلمين، فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا، ونكثوا ليأمنوا قومهم، والْفِتْنَةِ [النساء:91] هنا الكفر على الأظهر، وقيل: الاختبار."

هنا قوله: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ [النساء:91] نزلت في قومٍ مخادعين من أسد، وغطفان، هذا جاء في روايةٍ مرسلة عند ابن جرير، وابن أبي حاتم[5] فلا يصح أن ذلك هو سبب النزول سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ [النساء:91] فالمقصود أن هؤلاء الذين يتبدلون، ويتحولون ليسوا كالطائفة قبلهم، فهؤلاء يؤخذون، ويُقتلون إن لم يكفوا عن المسلمين.

يقول: والْفِتْنَةِ [النساء:91] هنا الكفرُ على الأظهر، وقيل: الاختبار، يقول ابن كثير: "هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم"[6] يعني أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء:90] لكنّ نية هؤلاء غير نية أولئك، فإن هؤلاء قومٌ منافقون يُظهرون للنبي ﷺ ولأصحابه الإسلام ليأمنوا بذلك عندهم، ويصانعون الكفار في الباطن، فيعبدون معهم ما يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم، وهم في الباطن مع أولئك، يعني هم في الباطن كفار، فحالهم غير حال أولئك الذين وصف الله أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ [النساء:90].

 
  1.  انظر: تفسير ابن كثير (2/372).
  2.  تفسير ابن كثير (2/372).
  3.  أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، برقم (2731).
  4.  تفسير ابن كثير (2/372).
  5. انظر: تفسير الطبري (7/302), وتفسير ابن أبي حاتم (3/1029)، برقم (5768). 
  6. تفسير ابن كثير (2/373).