الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم لما بيّن تعالى حكم القتل الخطأ شرع في بيان حكم القتل العمد، فقال: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا الآية [سورة النساء:93]، وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله، حيث يقول سبحانه في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ الآية [سورة الفرقان:68]، وقال تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا الآية [سورة الأنعام:151].
والآيات، والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً، فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء[1].
وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو داود عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ: لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً َبلّح[2]."

قوله - عليه الصلاة، والسلام -: معنقاً صالحاً يعني أنه ما لم يصب دماً حراماً فهو مبادر، ومسرع في طاعة الله ، ومنبسط في عمله، ويحتمل أن يكون المراد أنه يسير سيراً صحيحاً في الآخرة في الحساب، وعلى الصراط فهو في عافية الله ، وفي حالة مرْضيَّة ما لم يصب دماً حراماً.
ومعنى بلَّح في قوله - عليه الصلاة، والسلام -: فإذا أصاب دماً حراماً بلّح يقال: بلّح الرجل يعني انقطع سيره من التعب، والإعياء من كثرة المشي، فالبعير مثلاً تجده ينطلق في قطع المسافات، فإذا أصابه الإعياء الشديد انقطع، وهكذا المؤمن لا يزال يسير سيراً في عافية الله فهو يسدد، ويقارب حتى يصل إلى مطلوبه، والنجاة فإذا أصاب دماً حراماً بلّح أي: أقعده هذا الذنب، وقطعه كما قطع التعبُ البعيرَ من السير - نسأل الله العافية -.
"وفي حديث آخر: لَزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم[3]، وقد كان ابن عباس - ا - يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمداً."

قوله: "كان ابن عباس يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمداً" هذا منقول عن جماعة من الصحابة، ومن بعدهم، من الصحابة أبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومن التابعين أبو سلمة بن عبد الرحمن، والحسن البصري، وقتادة، والضحاك، وعبيد بن عمير كلهم كانوا يرون أنه لا توبة للقاتل عمداً.
"وروى البخاري عن ابن جبير قال: اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ [سورة النساء:93] هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء[4]."

قد يبدأ الإنسان بالإقبال على الله ، وصلاح الحال، والاستقامة، وما إلى ذلك، ثم بعد ذلك - نسأل الله العافية - قد يجره الشيطان إلى أشياء لا تأويل فيها إطلاقاً مع أن مقصوده يكون  ما عند الله لكن ما عرف الطريق، لذلك كان الواجب على الإنسان أنه إذا اشتبه عليه أمر تركه، واشتغل بما يعلم، ويتوثق منه، وهذه الشريعة واسعة فهناك عبادات كثيرة جداً يمكن للمرء أن يشتغل بها ليصل بها إلى الجنة إن قام بها لوجه الله ، فينبغي للمسلم أن يعمل الواجبات، ويترك المحرمات، ولو أنه اشتغل بالأيتام بالمسح على آلامهم، ودموعهم، وإطعامهم، وكفالتهم، وكذا الاعتناء بالأرامل، والفقراء عموماً فهذا باب واسع لو استغرق كل جهده فيه لوصل بذلك إلى الجنة فالنبي ﷺ يقول: أنا، وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة، والوسطى، وفرج بينهما شيئاً[5].
ومن الطرق السهلة الموصلة إلى الجنة الدعوة إلى الله، فلو أن المرء اشتغل بدعوة الجاليات من غير المسلمين أو بدعوة المسلمين فهذا باب واسع، وهم بحاجة إلى أقل الجهود، ويصل بإذن الله إلى الجنة.
وهكذا توجد أعمال كثيرة جداً لا شبهة فيها مجمع على أنها من العمل الطيب، والصالح الذي يوصل إلى الله   - تبارك، وتعالى -، ويصل به الإنسان إلى أعظم المنازل، فالحاجة، واسعة، وقائمة، ويستطيع الإنسان أن يعمل بما يصل به إلى الجنة، أما أن يدخل في أمور يقول عنها أهل العلم: إنها ضلال، وانحراف لا تجوز بحال من الأحوال فهذا طريق للضياع، والهلاك - نسأل الله العافية -.
فعلى الإنسان أن يفكر، ويُعمل عقله، وينظر فإذا اشتبه عليه شيء تركه، ولا يدخل في شيء إلا وهو، واثق من أنه ينفعه في دنياه، وآخرته، ولا يقول شيئاً إلا وهو قادر على إثباته، وما عدا ذلك فيتركه، وليعلم أن الله - تبارك، وتعالى - قد أسقط عليه الأمور التي يعجز عنها فلا يحاسبه عليها لكن للأسف أن الإنسان هو الذي يضيق على نفسه، وهو الذي يدخل نفسه في أمور لا دخل له فيها، أو يفتي، ويتكلم في أمور ما امتدت الأعناق إليه، وما انتظر الناس كلامه، وما طلبوا فتواه، ولا يعدونه من أهل العلم أصلاً ثم ما تدري بعد مدة إلا وقد انحرف تماماً، وانتكس، وانتقد الدين، ووقع في الدعاة إلى الله، وفي أهل الخير، وجعلهم مادة للسخرية، وهو من قبل كان يحرم كل شيء حتى الملعقة، والشوكة - نسأل الله العافية -، وكم من أناس نعرفهم، ورأيناهم كانوا بهذه الطريقة ثم انحرفوا، فالمقصود أن الإنسان يبقى في ما وسع الله عليه، ويلزم ما يعلم، ويترك ما يلتبس عليه، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
فعليك أخي المسلم أن لا تتدخل في دقائق المسائل، ولا تشتغل بها، بل انشغل بما تعرف فتعلم التجويد، والطهارة، والصلاة، وما أشبه ذلك من القضايا التي تحسنها، ومما هي من أساسيات الدين التي تخصك، والزم الجادة، وكن مع أهل العلم الذين تثق بهم، وبدينهم، وبخوفهم من الله - تبارك، وتعالى -، وبعلمهم. 
"وقد كان ابن عباس - ا - يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمداً.
وروى البخاري عن ابن جبير قال: اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ [سورة النساء:93] هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء، وكذا رواه أيضاً مسلم، والنسائي[6].
والذي عليه الجمهور من سلف الأمة، وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه، وبين ربه فإن تاب، وأناب، وخشع، وخضع، وعمل عملاً صالحاً بدَّل الله سيئاته حسنات، وعوض المقتول من ظلامته، وأرضاه عن طلابته.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [سورة الفرقان:68] إلى قوله: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا الآية [سورة الفرقان:70]، وهذا خبر لا يجوز نسخه، وحمله على المشركين، وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر، ويحتاج حمله إلى دليل - والله أعلم -."

فقوله - تبارك، وتعالى -: فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [سورة النساء:93] فهم منه بعض أهل العلم أن هذا الخلود هو البقاء الأبدي السرمدي، ومثل هذه النصوص لا شك أنها من نصوص الوعيد، ومن أهل العلم من يعرض عن تأويلها؛ ليحصل المقصود من الزجر؛ لئلا يخف أثر ذلك في النفوس، ولكن حينما يشتبه الأمر لاسيما في مقام التعليم، فإنه قد يحتاج إلى بيان ذلك، لمعرفة أصل، وهو أنه ليس شيء من الذنوب خلا الشرك بالله - تبارك، وتعالى - يوجب الخلود في النار، وهذه عقيدة أهل السنة، والجماعة، وبناء عليه قال بعض أهل العلم: إن الخلود في مثل هذه النصوص مقصود به المدد الطويلة، فإن العرب تسمي ذلك خلوداً.
ومن أهل العلم من يقول: هذا جزاؤه إن جازاه الله أي أن هذا ما يستحقه، وإلا فإن الإنسان إذا تاب تاب الله عليه، والشرك أعظم من القتل كما قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [سورة النساء:48]، والقتل داخل تحت عموم قوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [سورة النساء:48] أي ما دون الإشراك، فقد يغفر الله للعبد ابتداء، وقد يكون ذلك بشفاعة، وقد يكون بحسنات عظيمة، ماحية، وقد يكون بمصائب مكفرة، أو بغير ذلك مما يحصل للإنسان من أسباب تكفير الذنوب، وإن عظُمت، وإن عذب هذا الإنسان فإنه يعذب بقدر جنايته، ثم يخرج من النار كما دلت على ذلك النصوص الأخرى التي تدل على خروج الموحدين من النار - والله تعالى أعلم -.
وقول ابن كثير: "وهذا خبر لا يجوز نسخه" يعني أن النسخ إنما يكون في الإنشاء، أي في الأمر، والنهي فقط، وأما نسخ الأخبار فإن نسخها يعني تكذيبها، فإذا قلت: جاء زيد، ثم قلت: لم يأتِ زيد، فهذا تكذيب للخبر السابق، وهذا بخلاف ما إذا قلت: افعل، ثم قلت: لا تفعل، فهذا ليس تكذيباً، وإنما هو نسخ للأمر، وأما الأخبار التي هي بمعنى الطلب فهي داخلة في الإنشاء، ونسخها لا يعد تكذيباً لها، ومن أمثلة الأخبار التي بمعنى الإنشاء - الأمر أو النهي - قوله تعالى: فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [سورة البقرة:197] فمعناه لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ولا تجادلوا، ومثال ذلك أيضاً قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [سورة البقرة:233] أي: ليرضعن أولادهن، وهذا أسلوب معروف.
"قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ الآية [سورة الزمر:53]، وهذا عام في جميع الذنوب، مِن كفرٍ، وشرك، وشك، ونفاق، وقتل، وفسق، وغير ذلك، كل من تاب أي: من أيِّ ذلك تاب الله عليه.
قال الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [سورة النساء:48] فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك، وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية، وقبلها لتقوية الرجاء  - والله أعلم -.
وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس، ثم سأل عالماً هل لي من توبة؟ فقال:، ومن يحول بينك، وبين التوبة، ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه، فهاجر إليه، فمات في الطريق، فقبضته ملائكة الرحمة[7] كما ذكرناه غير مرة، وإن كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمة التوبة مقبولة بطريق الأولى، والأحرى؛ لأن الله وضع عنا الآصار، والأغلال التي كانت عليهم، وبعث نبينا ﷺ بالحنيفية السمحة، فأما الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا الآية [سورة النساء:93] فقد قال أبو هريرة ، وجماعة من السلف: "هذا جزاؤه إن جازاه"، ومعنى هذه الصيغة: أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه، وكذا كل وعيد على ذنب لكن قد يكون لذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه على قول أصحاب الموازنة، والإحباط، وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد - والله أعلم بالصواب -.
وبتقدير دخول القاتل إلى النار، إما على قول ابن عباس - ، وأرضاه -ومن وافقه: أنه لا توبة له، أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالح ينجو به، فليس بمخلد فيها أبداً، بل الخلود هو المكث الطويل، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ: أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى ذرة من إيمان."
  1. أخرجه البخاري في كتاب الديات (6471) (ج 6 / ص 2517)، ومسلم في كتاب القسامة، والمحاربين، والقصاص، والديات - باب المجازاة بالدماء في الآخرة، وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة (1678) (ج 3 / ص 1304).
  2. أخرجه أبو داود في كتاب الفتن - باب في تعظيم قتل المؤمن (4272) (ج 4 / ص 167)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7693). 
  3. أخرجه الترمذي في كتاب الديات - باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن (1395) (ج 4 / ص 16)، والنسائي في كتاب تحريم الدم - باب تعظيم الدم (3987) (ج 7 / ص 82)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5077).
  4. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة الفرقان (4485) (ج 4 / ص 1784)، ومسلم في كتاب التفسير (3023) (ج 4 / ص 2317). 
  5. أخرجه البخاري في كتاب الطلاق - باب اللعان (4998) (ج 5 / ص 2032).
  6. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة النساء (4314) (ج 4 / ص 1676)، ومسلم في كتاب التفسير (3023) (ج 4 / ص 2317).
  7. أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء - باب أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ، وَالرَّقِيمِ [(9) سورة الكهف] (3283) (ج 3 / ص 1280)، ومسلم في كتاب التوبة - باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله (2766) (ج 4 / ص 2118).

مرات الإستماع: 0

"وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] الآية نزلت بسبب مقيس بن صبابة كان قد أخذ دية أخيه هشام المقتول خطأً، ثم قتل رجلًا من القوم الذين قتلوا أخاه، وارتد مشركا، فأمر رسول الله ﷺ بقتله[1]."

هذا السبب الذي أشار إليه سبب مقيس بن صبابة لا يصح، هذا مرسل عن عكرمة، وسعيد بن جُبير، فلا يثبت أن ذلك هو سبب النزول، والحكم في هذا واضح، ولا يُحتاج معه إلى معرفة سبب النزول، كما هو معلوم أحيانًا ينحل به الإشكال، وأحيانًا يتضح المعنى، وأحيانًا يكون فيه منقبة، وما إلى ذلك، لكن في مثل هذا لا يترتب عليه شيءٌ من ذلك - والله أعلم -.

"قال: والمتعمد عند الجمهور هو الذي يقصد القتل بحديدةٍ، أو حجرٍ، أو عصا، أو غير ذلك، وهذه الآية مُعطلة على مذهب الأشعرية، وغيرهم.

في جميع النسخ: وهذه الآية مُعضلةٌ على مذهب الأشعرية."

نعم، أحسن هذا، معضلة على مذهب الأشعرية.

"قال: وهذه الآيةُ معضلةٌ على مذهب الأشعرية، وغيرهم ممن يقول: لا يخلد عصاة المؤمنين في النار، واحتج بها المعتزلة، وغيرهم ممن يقول: بتخليد العصاة في النار لقوله: خَالِدًا فِيهَا [النساء:93]."

معضلة بمعنى أنها صرَّح فيها بالخلود وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93] وهم لا يقولون بخلود أصحاب الكبائر بما في ذلك القتل، وعلى هذه النسخة التي بين أيدينا مُعطَّلة على مذهب الأشعرية بمعنى أنه غير معمول بظاهرها، لكن مثل هذا التعبير لا يليق، أن يُعبر عن آية بمثل هذا، فلا يوجد شيء في كلام الله مُعطَّل، فمعضلة هي العبارة التي لعلها هي كما في النسخ، أو في بعض النسخ، ووجه ذلك ظاهر إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [النساء:116] وهنا صرح بالخلود، تأولها الأشعرية بأربعة أوجه، لا حاجة لقول الأشعرية، لكن هنا يقابل قول المعتزلة بقول الأشاعرة، وهذا كأنه - والله تعالى أعلم - مُشعر بأن مذهب هؤلاء من المتكلمين من الأشاعرة هو المذهب الذي كان منتشرًا في عصره، وكأن المؤلف يرى أن هؤلاء أهل السنة، هو لا يضطرد على مذهبهم، ولكنّه يختاره في بعض المواضع، وهنا قابله بمذهب المعتزلة الذين يقولون: بأن الفاسق الملي بمنزلةٍ بين المنزلتين، وأنه مُخلد في النار، فاتفقوا في الحكم مع الخوارج، واختلفوا في التسمية، أولئك يقولون: يكون كافرًا - أعني الخوارج - والمعتزلة يقولون: هو فاسق، وفي منزلةٍ بين المنزلتين بين المؤمن، والكافر، وهذا غير صحيح، وكان اللائق أن يُقال: وأهل السنة يقولون، أو يُقال: وجمهور أهل السنة يقولون: بأنه لا يخلد فيها خلودًا مؤبدًا؛ لأنه يوجد من أهل السنة من استثنى القتل، وأجرى الآية على ظاهرها، فاللائق أن يُذكر مذهب أهل السنة، ولا يُذكر مذاهب أهل الكلام سواءً كانوا من الأشعرية، أو من غيرهم، ولكن عمت هذه المذاهب الكلامية حتى ظن من نشأ في تلك الأزمان، أو النواحي أن هذا هو مذهب أهل السنة.

والعبرة بعموم اللفظ، والمعنى، لا بخصوص السبب، فالآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93] فـ مَنْ [النساء: 93] هذه تفيد العموم، ولم يقيد ذلك، وسبب النزول لا يقيده، العبرة بعموم اللفظ، والمعنى.

"قال: وتأولها الأشعرية بأربعة أوجه: أحدها: أن قالوا: إنها في الكافر إذا قتل مؤمنا."

هذا لا دليل عليه أنها في الكافر إذا قتل مؤمنًا، هذا لا دليل عليه، قال الله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا [النساء:93] فهذا عام سواء صدر ذلك من كافر، أو من مؤمن في ظاهر اللفظ.

"والثاني: قالوا معنى المتعمد هنا المستحل للقتل، وذلك يؤول إلى الكفر."

المستحل، لا شك أن من استحل القتل فإنه يكون - يعني يستحل قتل أهل الإيمان - فيكون بذلك كافرًا؛ لأن النصوص صريحة في تحريم ذلك فهو مُكذبٌ بها، لكن أيضًا ليس في الآية ما يدل على ذلك أنه المستحل، ولكن هذا تأويل من أجل الخروج من هذا الإشكال.

"والثالث: قالوا: الخلود فيها ليس بمعنى الدوام الأبدي، وإنما هو عبارةٌ عن طول المدة."

وهذا أقرب هذه الأجوبة: أن الخلود في كلام العرب يأتي بمعنيين: 

الأول: هو البقاء الأبدي السرمدي، وهذا هو الغالب في القرآن، وذلك في وعيد الكفار.

الثاني: هو البقاء لمدة طويلة، فالعرب تسميه خلودًا، ومثل هذا لا يكون من قبيل التأويل، فهذا معنًى صحيح معروف في كلام العرب، هذا بالإضافة إلى أمرٍ آخر، وهو أن من أهل العلم من يجري مثل هذه النصوص - نصوص الوعيد - من غير تعرضٍ لها كالإمام أحمد - رحمه الله - من أجل أن يبقى الزجر الذي سيقت من أجله، فلا يحصل استخفاف، واستهانة من قِبل الناس بمثل هذا، يعني هذه النصوص سيقت للزجر، فلا يتحقق هذا الزجر إذا حُملت على محامل، وتأويلات، فكأنه يُقال لهذا الإنسان: لا بأس عليك، ليس كما فهمت من ظاهر الآية، الأمر دون ذلك، فينتفي المقصود، لذلك كان بعض أهل العلم من أهل السنة يرون ترك التعرض لهذا، لكنه يُحتاج إليه في مجلس العلم من أجل أن يُفهم على وجهه، فلا يُحكم بالخلود، والبقاء الأبدي، والسرمدي على أحد من أهل الإيمان إذا قارف ذنبًا دون الإشراك، ويكون ذلك أيضًا جمعًا بين النصوص لئلا يُفهم أنها متناقضة، فيُحتاج إلى هذا في مثل هذا الموضع، وإلا فالأصل أن تبقى دون تعرضٍ لها من أجل أن يحصل مقصود الشارع بزجر الناس - والله أعلم -.

"والرابع: أنها منسوخة بقوله - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [النساء:116]."

لكن هذا فيه نظر من جهتين:

الأولى: أن النسخ لا يثبت بالاحتمال، فالأصل خلاف النسخ.

الثاني: هو أن هذه الآية من قبيل الخبر إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116] والأخبار لا يتطرقُ إليها النسخ إلا إذا كانت تتضمن معنى الإنشاء الأمر، أو النهي، أما هذا فلا يتضمن معنى الإنشاء فهو خبرٌ محض، والأخبار لا يتطرق إليها النسخ؛ لأن نسخ الأخبار تكذيبٌ لها، الخبر لا يُنسخ.

من الأجوبة القريبة أيضًا ما جاء عن أبي هريرة : هذا جزاؤه إن جازاه[2].

فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] هذا جزاؤه إن جازاه، لكنّ الله أخبر أنه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116] فهذا جزاؤه إن جازاه، وهو يغفر ما دون الشرك لمن يشاء.

وذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: أنه سواء على قول ابن عباس: بأنه لا توبة له، أو على قول الجمهور: بأن له توبة، كما ذكرت لكم أن أهل السنة عامتهم يقولون: بأن ذلك يدخل تحت المشيئة، وأن القاتل له توبة، ابن عباس - ا - كان يرى أنه لا توبة له، يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: سواء على قول ابن عباس - ا - أو على قول الجمهور فإنه لا يخلدُ في النار، وأن المراد المُكث الطويل - والله أعلم -[3].

"وأما المعتزلة فحملوها على ظاهرها، ورأوا أنها ناسخةٌ لقوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116] واحتجوا على ذلك بقول زيد بن ثابتٍ : "نزلت الشديدة بعد الهينة"[4]."

هذا ثابت عن زيد : نزلت الشديدة بعد الهينة، لكن ليس معنى ذلك النسخ، وكما سبق أن النسخ لا يتطرق الأخبار.

"وبقول ابن عباسٍ - ا -: الشرك، والقتل من مات عليهما خُلِّد[5]."

على كل حال ليس بهذا اللفظ، المروي عن ابن عباس - ا - عند ابن جرير، وغيره، وهو ثابت عنه معروف في الصحيحين، وغيرهما، لكن ليس بهذا اللفظ الذي ذكره المؤلف، فقد جاء في الصحيح عن سعيد بن جُبير - رحمه الله - قال: اختلف فيها أهل الكوفة - هذه الآية - فرحلتُ إلى ابن عباس فسألته عنها، فقال: نزلت هذه الآية وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93] هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء[6] وهذا صحيح أنه ما نسخها شيء.

وقوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116] ليس بناسخٍ لها، والسلف قد يطلقون النسخ، ويريدون به ما يعرض للنص من تخصيصٍ للعموم، وتقييد للإطلاق، وبيان للمجمل، هذه ثلاثة، هذا بالإضافة إلى المعنى المشهور عند المتأخرين للنسخ، وهو أحد معانيه، وهو الرفع، فهذه ما نسخها شيء، بمعنى أنها لم تُرفع، ولكن يُجمع بين النصوص فهذه مع قوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116] تدل على أنه تحت المشيئة، وأنه لا يخلد في النار أحدٌ من أهل الإيمان كما دلت عليه النصوص المعروفة - نصوص الشفاعة - وغير ذلك.

وبقول رسول الله ﷺ: كل ذنبٍ عسى الله أن يغفره، إلّا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل المؤمن متعمدا[7].

هذا الحديث أخرجه بعض أصحاب السنن، وهو ثابت كل ذنبٍ عسى الله أن يغفره، إلّا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل المؤمن متعمدا وعسى هذه هنا تفيد الترجي، ليست هذه التي جاء عن ابن عباس - ا - وغيره: عسى من الله واجبة[8] فهذه من النبي ﷺ كل ذنبٍ عسى الله أن يغفره، إلّا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل المؤمن متعمدا فهذا كله على كل حال يدل على الزجر، والتخويف من الإقدام على مثل هذا.

"وتقتضي الآية، وهذه الآثار أن للقتل حكمًا يخصه من بين سائر المعاصي."

المؤلف الآن يختار أن القتل مستثنى؛ لأنه لا توبة لصاحبه، وأن صاحبه يخلد في النار، وهذا خلاف قول عامة أهل السنة، والجماعة، بل القتلُ، وغيره داخلٌ تحت المشيئة، لكن ورد فيه التشديد، والتغليظ، فإما أن يُقال: بأن ذلك جاء على سبيل التغليظ فلا يُتعرض لمثل هذه النصوص من أجل الزجر كما سبق، أو يُقال: بأن هذا يُقصد به البقاء لمدة طويلة، أو يُقال: هذا جزاؤه إن جازاه.

"واختلف الناس في القاتل عمدًا إذا تاب، هل تقبل توبته أم لا؟"

توبة القاتل - كما سبق - قد جاء عن ابن عباس - ا - ووافقه على هذا جماعة من الصحابة فمن بعدهم: كأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعُبيد بن عُمير، والحسن، وقتادة، والضَّحاك: إلى أنه لا توبة له[9].

لكن هناك فرق بين القول بأنه لا توبة له، والقول بخلوده في النار، هناك فرق، لا ملازمة بين الأمرين، تحدثت عن هذا الجانب بحديثٍ مفصل في الكلام على الأعمال القلبية في الكلام على التوبة، يعني الحق الذي يكون للمقتول الذي أُزهقت نفسه ظلمًا، وعدوانًا، هذا حينما يُقتص من القاتل، أو يُقبل بالدية المقتول لم يستوفِ حقه، ولم ينتفع بهذه الدية، ولم ينتفع بقتل هذا القاتل، فيبقى حقه، ولهذا قال بعض أهل العلم: بأن الله - تبارك، وتعالى - يرضيه يوم القيامة، إذا تاب توبةً نصوحة - أعني القاتل - فيرضي المقتول بالعطاء، والثواب، ورفع الدرجات؛ لأن هذا الجاني قد تاب، فيرون أن توبته تصح فيما بينه، وبين الله، لكن يُخشى عليه، ولهذا قال شيخ الإسلام - رحمه الله - فيمن ابتُلي بمثل هذا، يعني قتل إنسانًا عمدًا، ثم عفا أولياء المقتول، أو قبلوا بالدية، حتى لو اقتص منه، شيخ الإسلام يرى أنه لا بد من أن يكثر من الحسنات، ويجتهد فيها؛ لأن هذا المقتول قد يقتصُ منه بالأخذ من حسناته، فيقال له: خذ من حسنات هذا الذي قتلك، فيحتاج إلى إكثار كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - .

فهؤلاء من السلف كما سمعتم يقولون: لا توبة له، بمعنى أن المقتول لم يستوف حقه فبقي حق المقتول، فالتوبة لا تنفعه في هذا الشأن، فالحقوق: هناك حق لله وحق للمخلوق، فهذا المخلوق لم يستوف حقه، والنصوص عامة في التوبة، وأن الله يقبل التوبة عن عباده، وأعظم الجنايات الشرك، والله يقبل التوبة منه، فالقتل لا شك أنه دون الشرك، وعليه فالتوبة تصح من القاتل، ومن غيره، تصح التوبة من الجميع بلا استثناء، ولكن - كما سبق - يُشكل على مسألة القاتل هو حق المخلوق، حق المقتول أين يذهب؟ بعض أهل العلم يرون أن القصاص يكون سببًا لتطهير القاتل، أخذًا مما جاء عن النبي ﷺ بأن من أصاب من هذه القاذورات فأُقيم عليه الحد فذلك كفارة له، يكون تطهيرًا له[10].

لكن هذا في سائر الذنوب من الكبائر التي تُوجب الحد بلا إشكال كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ولكن في مسألة القتل الذي يُشكل على هذا هو حق المخلوق، وحق المخلوق الأصل فيه المشاحة، فهناك حقٌ للخالق التوبة تجبه، ويبقى حق المخلوق، ولهذا قال من قال من أهل العلم كشيخ الإسلام: بأن الله قد يرضيه، إذا صحت توبة القاتل فيُعطيه من الحسنات، يعطيه من الدرجات حتى يرضى، لكن على القاتل أن يحتاط فيُكثر من الحسنات؛ لأن هذا قد يمتثل هذه الحسنات، والله المستعان.

"قال: وكذلك حكى ابن رشدٍ الخلاف في القاتل إذا اقتُص منه هل يسقط عنه العقاب في الآخرة، أم لا؟ والصحيح: أنه يسقط عنه، لقول رسول الله ﷺ: من أصاب ذنبًا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة[11] وبذلك قال جمهور العلماء.

والحديث مُخرَّج في الصحيحين، لكنّ لفظه: من أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو كفارةٌ له من أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا ففهم منها طوائف من أهل العلم أن ذلك يشمل القتل فذلك كفارةٌ له والذين يقولون: يُشكل على هذا حق المخلوق يقولون: ذلك كفارةٌ له في حق الله وهذا بلا شك، حق الله التوبة تكفي في هذا، لكن حق المخلوق إنسان سرق من آخر، ثم تاب، فهنا في الشروط المعروفة في التوبة يُقال: لا بد أن يرد المظلمة، غصب أرضًا، ونحو ذلك يُقال: لا بد من رد المظلمة، طيب، والقاتل ذهبت نفسه، كيف السبيل إلى رد النفس؟ لا سبيل إلى ذلك، فكيف يتوب؟ فالمقصود أن التوبة النصوص الواردة فيها عامة، ولا يُستثنى من ذلك شيء، لكن هو على خطر، وعليه أن يحتاط لنفسه، وقبل ذلك أن يتحرز من القتل فليس بالشيء السهل - والله المستعان -.

  1.  تفسير الطبري (9/61)، رقم: (10186).
  2.  تفسير ابن كثير (2/380).
  3. المصدر السابق (2/381).
  4. المعجم الكبير للطبراني (5/149)، رقم: (4905).
  5.  انظر: تفسير الطبري (9/67)، رقم: (10204).
  6.  أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، رقم: (3023).
  7.  أخرجه أبو داود، كتاب الفتن والملاحم، باب في تعظيم قتل المؤمن، رقم: (4270)، والنسائي، كتاب تحريم الدم، رقم: (3984).
  8.  السنن الكبرى للبيهقي (9/23)، رقم: (17753).
  9.  تفسير ابن كثير (2/378).
  10.  انظر: سنن الترمذي، أبواب الإيمان عن رسول الله ﷺ باب ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن، (5/15)، رقم: (2625).
  11.  أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار إلى النبي ﷺ بمكة، وبيعة العقبة، رقم: (3892).