وقوله : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ أي: يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العلوي والسفلي من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها، وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس من اختلاف ألوانه وطعومه وروائحه وأشكاله وألوانه، وهو ماء واحد فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه الأشياء، وما يتذكر أي يعتبر ويتفكر في هذه الأشياء ويستدل بها على عظمة خالقها، إلا من ينيب أي: من هو بصير منيب إلى الله - تبارك وتعالى.
قوله - تبارك وتعالى -: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ المراد بالآيات هنا الآيات الكونية، وذلك كما في قوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [سورة آل عمران:190]، فهنا قال: وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ، وهناك قال: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [سورة آل عمران:191] الآيات.
وهكذا في قوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [سورة البقرة:164] ونظائر ذلك من الآيات في كتاب الله - تبارك وتعالى -، فهذا هو المراد بقوله: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا.
هنا جمع بين كونه يريهم الآيات وإنزال الرزق من السماء، وذلك أنه بهذه الآيات التي يشاهدون فيتعظون ويعتبرون وينيبون تكون حياة الأرواح، وإنزال الرزق يكون به حياة الأبدان، فجمع لهم بين سببي الحياة: حياة الأبدان وحياة الأرواح.