الثلاثاء 25 / جمادى الآخرة / 1447 - 16 / ديسمبر 2025
فَٱدْعُوا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال: وقوله ﷺ: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ أي: فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم، روى الإمام أحمد كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، قال: وكان رسول الله ﷺ يهلل بهن دبر كل صلاة"[1]، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي بنحوه، وقد ثبت في الصحيح عن ابن الزبير - ا - أن رسول الله ﷺ كان يقول عقب الصلوات المكتوبات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون[2].

قوله - تبارك وتعالى -: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ الدعاء هنا يشمل الدعاء بنوعيه: دعاء العبادة ودعاء المسألة، أن يكون ذلك بإخلاص لله - تبارك وتعالى -، ولو كره المشركون، مثل هذه الآية التي يأمر الله بها بهذا الإخلاص في عبادته - تبارك وتعالى - ودعائه إضافة إلى ما كان النبي ﷺ يقوله دبر كل صلاة، وذلك تعليم من الله، وتعليم من رسوله ﷺ لأهل الإيمان أن يكونوا في حال من تحقيق العبودية، والإخلاص لله - تبارك وتعالى - طلبًا لمرضاته، ولو كان في ذلك الأمر كراهية المشركين.

وإن هؤلاء لن يرضوا عن أهل الإيمان ما داموا متمسكين بإيمانهم ثابتين عليه، ومن ثم فإن طلب مرضاة هؤلاء الناس، وتحسين الصورة عندهم ببذل الدين، والتخفف من أحكام رب العالمين، والعبث بالنصوص وفي محاملها، وفي حملها على المحامل البعيدة كل ذلك خلاف هذا الأمر الذي أمر الله به، ولو أن الناس تبصروا فيما يرددونه دبر كل صلاة وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ فإن ذلك يكون أدعى لثباتهم على مبادئهم وعلى دينهم، وليست الأمة مطالبة بأن تسعى جاهدة وراء أعداء الله - تبارك وتعالى - من أجل أن تتطلب رضاهم، وأن تحسن الصورة عندهم، فإن هؤلاء يعتبرون عبادة الله وحده وتحقيق العبودية له بالقيام بوظائف الدين ظاهرًا وباطنًا يعتبرون ذلك سوءاً وسبَّة يعيرون بها أهل الإيمان، هذا في كل زمان وفي كل عصر، فما كان النبي ﷺ ولا كان أصحابه ولا أهل القرون المفضلة ولا أهل الإيمان الحق الذين كانوا عبر هذه القرون المتطاولة يبحثون عن رضا هؤلاء الناس، وأن يظهروا أمامهم بصورة تعجبهم وتستهويهم حتى يرضوا عنهم، ويثنوا عليهم في محافلهم، وفي ما يقولونه ويكتبونه ويذيعونه وينشرونه عنهم، هذا ليس بمطلوب، ولا ينبغي للمؤمن أن يسعى إليه، ويحفل به، وإنما نسعى لتحقيق رضا الله - تبارك وتعالى -، ولن يجتمع رضا الله  مع رضا أعداء الله ، فإنك إن أرضيت الله أسخطت أعداءه، وإن أرضيت أعداءه أسخطت ربك، فإذا صار الأعداء يثنون عليك وعلى إنجازاتك في هذا الباب وعلى ما حققته فاعلم أنك قد ركبت المراكب الصعبة، وأنك قد خالفت أمر الله ، وذلك لا يزيدك من الله إلا بُعدًا، هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يعرفها وأن يدركها الجميع، وإلا فهؤلاء كما قال الله : وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [سورة البقرة:120]، وإذا حصل مثل هذا فإن سخط الله هو المستعاض به، نسأل الله العافية.

  1. رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (594)، وأحمد في المسند، برقم (16105)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الزبير: وهو محمد بن مسلم بن تدرس، فقد أخرج له البخاري مقروناً بغيره، واحتَج به مسلم".
  2. رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (594).