يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ يعني ما يكون منها ويصدر من خيانة، وهذه الخيانة تشمل صور الخيانة جميعًا التي تكون بالنظر أو بحركة العين وما والاها، وذلك يكون بالإشارة، ولهذا النبي ﷺ كما في قصة عبد الله بن أبي السرح لما جاء وكان النبي ﷺ قد أهدر دمه حينما فتح مكة فدخل على عثمان، وكان أخًا له لأمه، فدخل فلما سكنت - يعني حركة الناس - جاء به إلى النبي ﷺ وأراد أن يبايعه على الإسلام، ومعلوم أن عبد الله بن أبي السرح كان مسلمًا ثم ارتد بعد ذلك، فالنبي ﷺ تمهل وتوقف وأبطأ عن إجابته، ثم بعد ذلك أجابه، وكان النبي ﷺ بعد ذلك قال لأصحابه أو لمن حضره منهم: أما قام رجل إليه فضرب عنقه حينما أبطأت عن مبايعته؟، فالشاهد فيه أنهم قالوا له: هلا أومأت إلينا يا رسول الله، أي أشرت إلينا، فقال: ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين[1]، هذا هو الشاهد خائنة الأعين وهي إشارة لا يشعر بها المخاطب أو الذي يخاطبك ويكلمك، تشير إشارة لآخر فيأتيه ما يكره دون أن يشعر بك، فالنبي ﷺ اعتبر هذا من خائنة الأعين، فالإشارة هذه داخلة في خائنة الأعين، وكل إشارة محرمة بالعين فهي داخلة في خائنة الأعين، أشار بذلك إشارة إلى امرأة بأمر لا يحسن فذلك من خائنة الأعين، كما قال الشاعر:
فأوحى إليها الطرْفُ أني أحبها | فأثَّر ذاك الوحيُ في وجناتِها |
يعني فهمت فظهرت حمرة في وجناتها من الحياء، وهنا أوحى إليها الطرف أي أشار إليها الطرف، فهذا من خائنة الأعين، وقل مثل ذلك في كل نظر يسارق الإنسان به دون أن يشعر الآخرون، يعني ينظر خلسة وخفية إذا غاب عن أعينهم، أو حينما لا يتفطنون إليه إذا كان معهم يرمق وينظر فهذا كله من خائنة الأعين، كل ملابسة في هذه العين محرمة فهي داخلة فيه، النظر إلى الحرام هو من خائنة الأعين، النظر في الصور المحرمة، النظر إلى النساء نظرًا محرمًا، النظر إلى الأشياء التي لا يجوز النظر فيها من الشبهات ونحو ذلك، هذا كله داخل في هذا المعنى.
ثم قال: وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وهذا من مجموعه يؤخذ منه أن الله يعلم الأمور الخفيات التي قد تخفى على الناس حينما يسارق الناسَ النظرَ دون شعورهم وعلمهم، يسارق النظر إلى ما حرم الله - تبارك وتعالى -، وكذلك ما تنطوي عليه الصدور، إذاً النظر الذي يكون مكاشرة هذا لا شك أن الله يعلمه، وما يعلنه الإنسان بلسانه ويفعله علانية كل ذلك الله يعلمه، فإذا كان يعلم هذه الأمور الخفيات - النظر خلسة - دون أن يشعر بك الآخرون، وما يدور في النفس مما يتصل بهذا النظر كما عن ابن عباس - ا - يعني أنه لو حصّل هذه المنظورَ إليها أنه يزني بها، وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وجاء عن ابن عباس - ا -: وحينما ينظر يكون مع الناس فإذا غافلهم يعني لم يشعروا به نظر، فإذا خشي أن يُتفطن له صرف بصره، فكلما وجد منهم غفلة نظر، يقول ابن عباس في بعض هذه الروايات: أنه يود لو أنه نظر إلى فرجها، هذه المرأة التي يسارق وينظر إليها حينما تمر في الدار أو نحو ذلك هذا داخل في قوله: وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، يعني ما وراء ذلك النظر، وكذلك ما تخفيه الصدور ما ذكره هنا في هذه الرواية عن ابن عباس من أنه لو تمكن لزنى بها، وكذلك ما تخفيه الصدور من غير هذا من الإيمان والكفر والنفاق وسائر الأمور المتعلقة بالقلب مما يخفى على الناس.
- رواه البيهقي في السنن الكبرى، برقم (16656).