ثم قال تعالى: تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا أي: في عَرَصات القيامة.
وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ أي: الذي يخافون منه واقع بهم لا محالة، هذا حالهم يوم معادهم وهم في هذا الخوف والوجل.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فأين هذا من هذا؟، أين من هو في العَرَصَات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه، ممن هو في روضات الجنات، فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس...
هنا قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ الروضة هي الموضع النَّزْه، الكثير الخضرة، الموضع الكثير النبت، لكن العلماء - رحمهم الله - مثلما ترون هنا عند ابن كثير قال: فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ: فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس، يعني فسروه بنعيم الجنة من أطايب المساكن والمآكل والمشارب والملابس، وما إلى ذلك فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ مع أن أصل الروضة - كما سبق - هي المكان النَّزْه كثير النبت.
ابن جرير- رحمه الله - أشار إلى سبب تفسير الروضة بالنعيم في الجنة، يعني من المآكل والمشارب، إلى آخره، يعني ما فُسر بأصله اللغوي، أصل المعنى اللغوي الذي هو المكان كثير النبت، باعتبار أن الروضة لا تقال للمكان كثير الشجر، والجنة قيل لها جنة لكثرة أشجارها، فهذا لا يقال له روضة، وإنما المكان الذي يكون كثير النبت هو الذي يقال له روضة، وليس كثير الشجر، كما نقول الآن، الآن الروضة ما معناها عندنا؟ الآن في المستعمل عند الناس؟
مكان كثير النبت، أيْ مكان كله أخضر، فيه أنواع النباتات، والعشب، وما إلى ذلك، بحيث يبهج الناظرين بكثرة نباته، وأزهاره وخضرته، وما إلى ذلك، هذه يقال لها روضة، فهنا الجنة كثيرة الأشجار، ففهم من ذلك أن المراد النعيم، والملاذ بأنواعه، يعني هذا وجه تفسير الروضة بالنعيم، لماذا لم تفسر بظاهر اللفظ - مكان كثير النبت -، الجنة كثيرة الشجر، المكان كثير الشجر لا يقال له: روضة، يقال له جنة.
ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ، فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ولهذا قال تعالى: ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ أي: الفوز العظيم، والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة.