الأربعاء 21 / ذو الحجة / 1446 - 18 / يونيو 2025
فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَىْءٍ فَمَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ۝ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى:36-39.

يقول تعالى محقرًا لشأن الحياة الدنيا وزينتها، وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني، بقوله: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي: مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به، فإنما هو متاع الحياة الدنيا، وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة.

وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أي: وثواب الله خير من الدنيا، وهو باقٍ سرمدي، فلا تقدموا الفاني على الباقي؛ ولهذا قال: لِلَّذِينَ آمَنُوا أي: للذين صبروا على ترك الملاذ في الدنيا.

وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي: ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات، وترك المحرمات.

وهذا من أعظم الآيات التي تحمل على الزهد في الحياة الدنيا، وتبصر المؤمن بحقيقة ما يحصل له منها، من هذا الحطام والملاذ، أيًّا كان نوعها، فإن هذه الآية عامة: فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يعني أنه زائل مضمحل، لا بقاء له: فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى فيؤثر الباقي على الفاني، فيتصدق وينفق ويبذل، ويعمل في طاعة الله ، ويكون الحامل له على ذلك، والدافع له هو توكله على ربه - تبارك وتعالى -، فترتفع وتتلاشى عنه المخاوف، من جراء نفقته، أو جراء عمله بطاعة ربه ، فكل ما يحصل بيد الإنسان فهو داخل في هذا العموم، فلا يفرح الإنسان بشيء من هذا الحطام، ولا يغتر به، هو متاع الحياة الدنيا، عما قليل يزول، وينتهي، أو يفارقه الإنسان، هذا إذا علم أيضًا معه أن هذه الأشياء التي يعطاها الإنسان قبل أن يفارقها، أو أن تفارقه هو ما يلبث عما قليل أن يزهد فيها، وأن يذهب رونقها، ولا تصير بعد ذلك تجذبه، أو تلفت نظره، أو تستهويه، هذا شيء مشاهد، إن كان ذلك في البساتين والمناظر التي تهواها النفوس، وما فيها من الخضرة والجمال، وإن كان ذلك في الأثاث، وإن كان ذلك في المساكن، أو المراكب، هو يفرح بها في أولها، في بدايتها، تأسره وتجذبه، ثم ما يلبث إذا عافسها أن يذهب هذا الرونق، وهذا اعتبِرْه في كل شيء، يعني الإنسان الذي لم يُعطَ من الدنيا ما يستطيع أن يجرب معه، أو يحكم بمثل هذا، يمكن أن يجرب هذا في أي شيء يسير يستهويه، مزهرية جميلة، تحفة جميلة، أسَرَتْه حتى اشتراها، فإذا وضعها في البيت، فهو يرمقها بين حين وآخر، تستهويه وتعجبه، لكن بعد مدة لا تكون هذه إطلاقًا، كأنها غير موجودة، قد تكون لوحة جميلة، قد يكون فيها كتابات، فهو لا يقرؤها أبدًا، وكأنها ليست موجودة أصلاً، هذا مثال بسيط، كل شيء، ما يعطاه الناس هو هكذا، الذين يسكنون في أعظم القصور هي ما تستهويهم بعد ذلك، هي في البداية فقط، فالذين يدخلون ينبهرون، وتطيش أبصارهم هنا وهناك، ويرون أشياء مبهرة، ولكن هي بالنسبة لأهلها لا تؤثر فيهم أبدًا، اعتبِرْ هذا في مكان عملك، في أي مكان، الذي يدخل لأول وهلة ينظر إلى هذا المبنى الكبير، ولكنه بعد ذلك ما صار يؤثر فيه، وهكذا، أنت الآن في هذا المسجد أول مرة تدخل لربما تنظر، ويلفت نظرك أشياء، ولكن بعد أن ألفتَ ذلك ما صرت تستهوي النظر إليها.