الإثنين 23 / صفر / 1447 - 18 / أغسطس 2025
يَٰقَوْمَنَآ أَجِيبُوا۟ دَاعِىَ ٱللَّهِ وَءَامِنُوا۟ بِهِۦ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمداً ﷺ إلى الثقلين: الجن والإنس؛ ولهذا قال: أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ.

قوله - تبارك وتعالى -: أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ، دَاعِيَ اللَّهِ يعني: محمدًا ﷺ، هذا ظاهر الآية، وبعضهم يقول: هو القرآن، وبين القولين ملازمة؛ لأن القرآن هو كذلك أيضًا يدعو إلى توحيد الله، وعبادته، والإيمان به، ولكن الظاهر من السياق أن المراد: النبي ﷺ.

وقوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ قيل: إن مِنْ هاهنا زائدة، وفيه نظر؛ لأن زيادتها في الإثبات قليل، وقيل: إنها على بابها للتبعيض.

يعني: الذين قالوا: إنها زائدة يقصدون زائدة إعرابًا، كما سبق في مناسبات كثيرة، والزيادة عندهم لمعنى؛ لأنه لا يوجد زيادة بلا معنى في القرآن، ليس فيه حشو، وهذا المعنى هو: التوكيد، لكن ما الذي حملهم على القول بأن مِنْ زائدة في قوله: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ؟ يقولون: باعتبار أن الإيمان يجبّ ما قبله، فكيف تكون تبعيضية؟ فإذا آمن الإنسان غفرت له ذنوبه، كما قال النبي ﷺ لعمرو بن العاص لمَّا أراد أن يبايع: أمَا علمتَ أن الإسلام يجب ما قبله؟[1].

وبعض أهل العلم لا يقولون بالزيادة، ولا يقولون: إنها للتبعيض، يقولون: ابتدائية: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ فهي هنا ابتدائية، مع أنه لا يخلو من بعد، والله أعلم.

وبعضهم يقول: إن مِنْ تبعيضية، والمقصود: ما عدا حقوق العباد، حقوق الخلق، فالإيمان يجبّ ما قبله، والتوبة تجبّ ما قبلها، والهجرة تجبّ ما قبلها، لكن تبقى حقوق العباد، المظالم التي تكون بين العباد، هكذا قال بعض أهل العلم.

وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ أي: ويقيكم من عذابه الأليم.

هنا ذكر الجزاء على الإيمان في حق الجن، قال: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، وهذا كله من باب التخلية: غفران الذنوب، والإجارة من العذاب، لكن هل يحصل لهم نعيم؟ هل يحصل لهم ثواب؟ هل يدخلون الجنة؟ هنا ذكر الوقاية من العذاب - الإجارة من النار -، ففهم منه بعض أهل العلم أن هذا هو الغاية بالنسبة للجن: أن من آمن منهم سلم ونجا من العذاب، لكن ليس لهم ثواب، فلا يدخلون الجنة، يفنيهم الله بعد الحساب، فمن كان كافرًا عُذِّب ودخل النار، ومن كان مؤمنًا فإن غاية ما هنالك أنه ينجو من العذاب، استدلوا بهذا، قالوا: ما ذكر ثوابهم، لكن ممكن أن يجاب عن هذا بماذا؟ بقولنا: ذكْرُ الإجارة من العذاب هنا وغفران الذنوب لا يعني أن هذا هو الجزاء وحده، فإن الله قال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، وسورة الرحمن هي خطاب للثقلين قال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ۝ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:46-47]، فدل على أنهم يدخلون الجنة، وهذا هو الذي عليه الجماهير من أهل العلم سلفًا وخلفًا، وهذا مقتضى عدل الله - تبارك وتعالى -: أنهم يحصل لهم العقاب، وكذلك يحصل للمحسن منهم والمؤمن الثواب، هذا قول الجمهور، أنهم يدخلون الجنة، ويكفي في هذا ما ذكرت من قوله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، والعلماء بسطوا هذه المسألة، وتكلموا فيها، وذكروا الأقوال، راجع على سبيل المثال أضواء البيان، وهي مبسوطة أيضًا في عدد من كتب التفسير، وفي بعض كتب الاعتقاد.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، رقم: (121).