الأحد 22 / صفر / 1447 - 17 / أغسطس 2025
قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا۟ مِنَ ٱلْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ ۖ ٱئْتُونِى بِكِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَآ أَوْ أَثَٰرَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم قال: قُلْ أي: لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره: أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أي: أرشدوني إلى المكان الذي استقلوا بخلقه من الأرض.

يعني: هؤلاء الذين تعبدونهم ليس لهم إيجاد خلق، ولا شراكة، وكما سبق في كلام الشنقيطي أن الذي يستحق أن يعبد هو الذي خلق، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].

وقوله هنا - تبارك وتعالى -: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ يحتمل أن تكون "ما" هذه في قوله تعالى: مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ استفهامية، و"ذا" موصولة، يعني: ما الذي خلقوه من الأرض؟، ويحتمل أن تكون كلمة واحدة للاستفهام "ماذا"، فإنها من أدوات الاستفهام، يعني: أروني أي شيء خلقوه من الأرض؟.

قال: أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أي: ولا شرك لهم في السموات ولا في الأرض، وما يملكون من قطمير.

"أم" هذه منقطعة، تقدر ببل مع الهمزة، يقول: أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أي: بل ألهم شَرِكة مع الله فيها، يعني: ليس لهم شيء من الأرض، ما خلقوا شيئًا من الأرض، وليس لهم شراكة في السموات، فيُعبَدون على ماذا؟!

إن المُلْك والتصرّف كله إلا لله ، فكيف تعبدون معه غيره، وتشركون به؟ من أرشدكم إلى هذا؟ من دعاكم إليه؟ أهو أمركم به أم هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم؟ ولهذا قال: ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا، أي: هاتوا كتابًا من كتب الله المنزلة على الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يأمركم بعبادة هذه الأصنام.

الإشارة في قوله: "هذا"، ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا يعني: القرآن، هذا الكتاب قرر الله فيه بطلان الشرك، وأن هذه المعبودات لا تنفع ولا تضر، وأنها باطلة، ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا يقرر صحة عبادة هذه الأصنام، يأمركم بعبادة الأصنام، كقوله تعالى: أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ [الزخرف:21].

أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ أي: دليل بَيِّنٍ على هذا المسلك الذي سلكتموه إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أي: لا دليل لكم نقليًّا ولا عقليًّا على ذلك؛ ولهذا قرأ آخرون: أو أثَرَة من علم.

هذه ليست قراءة متواترة، هذه مروية عن ابن عباس وقتادة وعكرمة وعمرو بن ميمون والأعمش، من القراءات الشاذة: "أو أثَرَة من علم".

قال: أي: أو علمٍ صحيح تأثرونه عن أحد ممن قبلهم، كما قال مجاهد في قوله تعالى: أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ: أو أحد يأْثُر علمًا.

كما ذكر في الآية الأخرى التي ذكرتها آنفًا: أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ [الزخرف: 21]: ليس عندهم في ذلك مستند يؤثر من الكتب السابقة يدل على صحة هذه العبادة، أو هذه المعبودات لغير الله - تبارك وتعالى -، فالأثارة من الشيء: أثارة من علم يعني بقية منه، هكذا يقول أهل اللغة، بقية من علم، يعني تأثرونه عمن قبلكم من الكتب السابقة التي أنزلها الله على الأنبياء، كما يقول ابن جرير: بقية من العلم، وهكذا عبارات المفسرين وأصحاب المعاني مقاربة لهذا في مجملها، ابن قتيبة يقول: بقية من علم الأولين، "أثارة من علم"، وهكذا قول الفراء والمبرد: ما يؤثر من كتب الأولين، وهذا قول عامة المفسرين، وما نقل عن السلف، كقول عطاء: تأثرونه عن نبي كان قبل محمد ﷺ، وقول مقاتل: رواية من علم الأنبياء.

وأصل الكلمة يقولون: من الأثر والراوية، كما يقال: علم الأثر، مأثور، ما يؤثر، هذا أثر، ونحو ذلك، وتقول: أثَرْتُ الحديث يعني هذا يؤثر، هذا يروى، يذكر، وما إلى ذلك.

بقية من علم، شيء يؤثر عمن سبق من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، أو الكتب المنزلة.