وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ أي: عرفهم بها، وهداهم إليها.
قال مجاهد: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسم الله لهم منها، لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خُلقوا، لا يستدلون عليها أحدًا.
"لا يستدلون عليها أحدًا" يعني ما يأتي يسأل أحدًا، يقول: أين الجنة؟ وأين بيتي في الجنة؟ وأين منزلي في الجنة؟ كمن يرد إلى مكان لا يعرفه، فهو يحتاج أن يسأل ويذهب، وربما يستعين بخريطة، أو نحو هذا، الجنة لا يحتاجون فيها إلى مثل هذا.
هذا الحديث يدل على هذا المعنى: إن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد:6] وهذا الذي رجحه ابن جرير - رحمه الله -، فيكون ذلك من قبيل تفسير القرآن بالسنة، مع أن الحديث لم يذكر فيه الآية، ولكنه مرتبط بها غاية الارتباط من جهة المعنى.
ويقول الحسن - رحمه الله -: وصف لهم الجنة في الدنيا، فلما دخلوها عرفوها بصفتها، يعني: أن قوله: عَرَّفَهَا لَهُمْ يعني في الدنيا بذكر صفتها، فلما دخلوها وجدوا الصفة المذكورة مطابقة لما ذكر، هذا معنى آخر.
وبعضهم يقول: عَرَّفَهَا يعني طيبها.
مأخوذ من العَرف الذي هو الطيب، الرائحة الطيبة، يقولون: طيبها بأنواع الملاذ.
ولكن هذا دون ما قبله.
فالمشهور: عَرَّفَهَا لَهُمْ ما يدل عليه الحديث، يعني أنهم يهتدون إلى منازلهم فيها، يهتدون إلى الجنة ابتداء، ثم إلى منازلهم فيها.
- رواه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب قصاص المظالم، رقم (2440).