الجمعة 18 / ذو القعدة / 1446 - 16 / مايو 2025
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا۟ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُوا۟ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ۚ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَهْتَدُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا [سورة المائدة:104] أي: إذا دعوا إلى دين الله، وشرعه، وما أوجبه، وترك ما حرمه؛ قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء، والأجداد؛ من الطرائق، والمسالك، قال الله تعالى: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [سورة المائدة:104] أي لا يفهمون حقاً، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه؛ فكيف يتبعونهم والحالة هذه؟!، ولا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم، وأضل سبيلاً.

مرات الإستماع: 0

"قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا؛ أي: يكفينا دِين آبائنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ؛ قال الزَّمَخْشَرِيّ: الواو، واو الحال، دخلت عليها همزة الإنكار، كأنَّه قِيل: أحسبُهم هذا، وآباؤهم لا يعقلون[1] قال ابن عطية: ألف التوقيف دخلت على واو العطف[2] وقول الزمخشري أحسن في المعنى."

هنا قوله: قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا؛ يعني: يكفينا دِين آبائنا.

أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ؛ يقول: قال الزَّمَخْشَرِيّ: الواو واو الحال؛ يعني التي بعد الهمزة، الهمزة للاستفهام، والواو أوَلَو، واو الحال، دخلت عليها همزة الإنكار، كأنَّه قِيل: أحسبُهم هذا، وآباؤهم لا يعقلون؛ يقول: أحسبُهم هذا، وآباؤهم لا يعقلون ينقُل عن صاحب الكشَّاف، لكن العبارة في الكشَّاف: "أحسبُهم ذلك، ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا، ولا يهتدون؟" هذه عبارة صاحب الكشَّاف، وهنا لخَّصها، قال: أحسبُهم هذا، وآباؤهم لا يعقلون؛ يعني: والحال أنَّ آباءهم لا يعقلون، باعتبار أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ أَوَلَوْ؛ يعني: ولو كان آباؤهم، فدخلت عليها همزة الإنكار، يعني: ولو كان آباؤهم لا يعقلون، الحال يعني أنَّهم لا يعقلون.

والمعنى كما يقول أبو حيَّان على قول الزَّمَخْشَرِي صاحب الكشَّاف، أَيتَّبعونهم؟؛ فهذه الهمزة: أَيتَّبعونهم؟ واو الحال: ولو كان آباؤهم لا يعقِلون شيئًا من الدِّين، ولا يهتدون للصَّواب؟ هذا بسْط للعبارة، وتوضيح لها، أحسبُهم هذا، وآباؤهم لا يعقلون العبارة التي نقلَها عن صاحب الكشَّاف.

يقول: قال ابن عطية: ألف التوقيف؛ هذه الهمزة، دخلت على واو العطف؛ يعني لم يجعلها واو الحال، يعني كأنَّهم عطفوا بهذه الجملة على الأولى؛ يعني عطْف جملة على جملة، والتزموا شنيع القول، هذا كلام ابن عطية نفسه، يقول: "ألف التوقيف دخلت على واو العطف، كأنَّهم عطفوا بهذه الجملة على الأولى، والتزموا شنيع القول؛ فإنَّما التوقيف توبيخٌ لهم، كأنَّهم يقولون بعده: نعم، ولو كانوا كذلك"[3].

فألف التوقيف هذه هي استعمالٌ غريب، قال أبو حيَّان عنها: "لم أقِف عليها من كلام النُّحاة، يقول: يقولون: (همزة الإنكار، همزة التوبيخ)، وأصلها همزة الاستفهام"[4] وكذلك قال الحلَبي في "الدُّرّ المــَـصون"؛ قال: "تسمية هذه الهمزة للتوقيف فيه غرابةٌ في الاصطلاح"[5] فعلاً؛ حينما تستعرِض كتب اللغة، والنحو، وحتى البلاغة، لا تجِد هذا الاستعمال أبدًا، إلَّا عند ابن عطية في هذا، ومراده بذلك - والله تعالى أعلم - ألف التوقيف يوضِّحه ما بعده.

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا فوقَّفهم بهذا الإلزام: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ حتى لو كان الآباء بهذه المثابة فالتزموا ذلك مع شناعتِه، يعني أنَّهم على دِين آبائهم حتى مع كَون آبائهم في غاية الجَهالة، والعَماية، والضَّلالة، فالتزموا شنيع القول، فهو كما قال: فإنَّما التوقيف توبيخٌ لهم، كأنَّهم يقولون بعده: نعم، ولو كانوا كذلك؛ يعني وقَّفهم على ما تحت هذا القول: حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا يقول: حتى في هذه الحال؛ لو كان الآباء في حالٍ من العَماية، والجَهالة فكأنَّهم قالوا: نعم، ولو كانوا كذلك.

هذا مقصودُه بالتوقيف - والله أعلم - يريد هذا، وإن لم يكُن ذلك مستعمَلاً؛ يعني هذا الاصطلاح بالتوقيف، لكن واضح من كلامه هذا المراد، وهذه غير التقرير؛ التقرير هذا كثير عند ابن عطية، وعند أبي حيَّان، وغيرهم من المفسِّرين، والنُّحاة.

وهذا الذي ذكره الزَّمَخْشَرِي، وذكره ابن عطية، إلى آخره، هذه وجوه ليست محلّ تسليم عند النُّحاة؛ يعني لو أردتّ مثلاً على سبيل المثال مناقشة لهذا انظر ماذا قال فيه أبو حيَّان في "البحر المحيط" تجِد مناقشات لهؤلاء؛ لابن عطيَّة، ولصاحب الكشَّاف، وكذلك تجِد في "الدُّر المــَصون" كثير من هذه الأشياء؛ الإعرابات، والوجوه التي يذكرونها، فيها تفاصيل كثيرة لكن لا يصحّ أن يتحوَّل الدَّرس إلى التوسُّع في مثل هذه الأشياء.

مداخلة: يمكن بأن نقول بأنَّ ألف التوقيف إطلاعُهم، وتذكيرُهم بحال آبائهم؟

يعني هو يُوقِّفه على أمْرٍ العاقل لا يقبل، ولا يرضى، ولا يُسلِّم به، يقول: حتى لو كان كذا فإذا كان يلتزمه؟ ويقول: نعم، ولو كانوا كذلك، هذه ألف التوقيف.

  1.  تفسير الزمخشري (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل) (1/685).
  2.  تفسير ابن عطية (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) (2/249).
  3.  المصدر السابق.
  4.  البحر المحيط في التفسير (4/386).
  5.  الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (4/450).