الجمعة 26 / شوّال / 1446 - 25 / أبريل 2025
فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰٓ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْمًا فَـَٔاخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْأَوْلَيَٰنِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَٰدَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَٰدَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّآ إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

ثم قال تعالى: فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا [سورة المائدة:107] أي: فإن اشتهر، وظهر، وتحقق من الشاهدين الوصيين أنهما خانا، أو غلَّا شيئاً من المال الموصى به إليهما، وظهر عليهما بذلك فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ [سورة المائدة:107] أي: متى تحقق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة، وليكونا من أوْلى من يرث ذلك المال.

الأوليان تثنية الأَوْلى، والمراد بالأوْلى الأقرب إلى الميت، أي الأولى بالميراث كالوالد، والولد مثلاً.
وقراءة الجمهور لهذه الآية بالبناء للمجهول هكذا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فالأوليان يمكن أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف أي كأنه قيل: فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ استُحِقَّ عَلَيْهِمُ فقيل: من هما؟ فقال: هما الأوليان، أي أننا لا نأتي بأي إنسان ليشهد، أو يحلف، وإنما نأتي بالأولى بالميت، فـ"هما" مبتدأ، والأوليان خبر، كما أنه يمكن أن يعرب الأوليان بدلاً من الضمير في قوله: يِقُومَانُ، ويمكن أن يكون بدلاً من آخران.
وقوله: مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ يعني من الذين وقع عليهم الجناية وهم أهل الميت، وعشيرته؛ فهم أولى بالشهادة.
وابن جرير - رحمه الله - يقول: فآخران من أهل الميت الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهم يعني استُحِقَّ الإثم فيهم، وهذا يرجع إلى المعنى السابق باعتبار أنهم جنوا على هؤلاء بأخذ أموالهم.
وعلى القراءة الأخرى: من الذين اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ [سورة المائدة:107] بالبناء للمعلوم يعني الأوليان بالميت فيقومون من بين عشيرته، وأقاربه؛ بهذه الشهادة، فيظهر بذلك كذب هؤلاء الذين كتموا وخانوا في هذه الوصية، فهم أولى بالميت، وأولى بالمال، ولا حاجة لتحديد أنهما أولى بالمال أو أولى بالميت؛ لأن ذلك متلازم، فالذي هو أولى بالميت يكون أولى بالمال والعكس، والله أعلم.
فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا [سورة المائدة:107] أي لَقَولنا: أنهما خانا أحقُّ، وأصحُّ، وأثبت من شهادتهما المتقدمة وَمَا اعْتَدَيْنَا أي: فيما قلنا فيهما من الخيانة إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة المائدة:107] أي: إن كنا قد كذبنا عليهما.

قوله: فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا [سورة المائدة:107] يعني ليميننا أحق من شهادتهما، وقد قلنا: إن الشهادة في قوله: شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ [سورة المائدة:106] المراد بها الشهادة المعروفة، ويمكن تفسير الشهادة هنا في قوله: لَشَهَادَتُنَا [سورة المائدة:107] بالشهادة المعروفة أيضاً وكذلك أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا [سورة المائدة:107] كما أنه يمكن أن تفسر هنا باليمين باعتبار أنهما يقومان فيحلفان، فالمقصود أن تفسير الشهادة باليمين هنا له وجه، والله أعلم.
وهذا التحليف للورثة، والرجوع إلى قولهما - والحالة هذه - كما يحلف أولياء المقتول إذا ظهر لوث في جانب القاتل.

قوله: "إذا ظهر لوث في جانب القاتل" اللوث عبارة عن أمارات وليست بيَّنة، ومثال ذلك أن يوجد إنسان يتشحط بدمه، وإنسان آخر معه سكي،ن وبيده دم، فمثل هذا يكون هو المتهم الأول في قتله، وإن كان هذا ليس بالضرورة، فقد تقع بعض الأمور مثل ما ذكر التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة حيث قال: خرج رجل في ليلة ظلماء، فنظر كأنه رأى بعض اللصوص في بغداد، فخافهم، فدخل في مكان خرِب مظلم، وتوراى، وبقى فيه، فلما أصبح نظر فإذا رجل مقتول في هذا المكان، فرآه الناس، وأُخذ فوضع في الحبس نحو ثمان سنين، فحصل أمر بعد ذلك به فرج الله عنه، فالمقصود أنه في مثل هذه الحال لا يقطع بهذا، لكن هذه قرائن، وأمارات، ومثلها الإحن، والعداوات، وما أشبه ذلك بحيث لو جاء أولياء المقتول وقالوا: نحن ما نعرف إلا هذا؛ لأنه سبق أنه هدده، وتوعده، أو سبق أنه حاول قتله أكثر من مرة؛ فدمُه في بطن هذا، وفي هذه الحالة يُلجأ إلى الحلف.
فيقسم المستحقون على القاتل، فيدفع برمته إليهم كما هو مقرر في باب القسامة من الأحكام.

يعني لو وُجد رجل مقتول في محل، أو مكان، أو حي، أو في عشيرة، أو في أرض قبيلة؛ فجاء أولياء المقتول وقالوا: هؤلاء هم الذين قتلوه حيث قُتِل بينهم، أو قتل في بيت هذا الرجل؛ فعندئذ يحلفون، وهذه تسمى القسامة حيث يأتي خمسون من هؤلاء، وأولئك إذا أرادوا نفي هذه التهمة أتوا أيضاً بخمسين، فهذا من الأخذ بالأمارات، وهذه المسألة فيها خلاف، لكن إذا تعذر القطع واليقين فإن الشريعة دلت على أنه ينتقل في بعض الحالات إلى القرائن والأمارات مع أنه لا يقطع بها، وهذا لا إشكال فيه، ففي اللعان يقوم الرجل، ويشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقوم المرأة وتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، وفي القصة المعروفة النبي ﷺ قال: الله يعلم أن أحدكما كاذب[1]، وهذا لا بد منه قطعاً؛ لأن الرجل حلف عليها أنها زنت، وهي حلفت أنها لم تزنِ؛ فلا بد أن أحدهما صادق، والآخر كاذب، لكن هذا هو الحكم الشرعي أعني الأخذ بالظاهر.
وقد ذكر النبي ﷺ أوصافاً معينة للجنين إن جاءت به بهذه الصفة فهو للرجل الذي اتُّهِمت به، وإن جاءت به بالصفة الأخرى فهو لأبيه، فجاءت به على الوصف المكروه، فقال النبي ﷺ: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن[2] أي: لرجمها - عليه الصلاة والسلام - فهذا أخذ بالظاهر.
والشهود عندما يشهد اثنان على شيء فإنه يُستحق بهذه الشهادة، مع أنهما قد يكونا كاذبين، وكذا لو شهد أربعة على امرأة أنها زنت، وجاءوا بالشهادة مفصلة؛ عُمل بهذه الشهادة؛ لأن هذا أمر الله به؛ إلا أن مثل هذا لا يقطع به تماماً، وهذا له أمثلة كثيرة.
  1. أخرجه البخاري في كتاب الطلاق - باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب؟ (5006) (ج 5 / ص 2035) ومسلم في كتاب اللعان (1493) (ج 2 / ص 1130).
  2. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة النور (4470) (ج 4 / ص 1772).

مرات الإستماع: 0

"فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا [المائدة: 107] أي: إن طلع بعد ذلك على أنهما فعلا ما أوجب إثما."

أو فإن اطلع على استحقاقهما الإثم يعني مثل هذا الإناء الذي وجد في مكة، وسئل من هو بحوزته فذكر أنه اشتراه من تميم، وعدي هذا أوجب الريبة، وهم قد وجدوا في الوصية المكتوبة في مضامين ما ترك هذا الجام فما وجدوه.

"والإثم الكذب، والخيانة، واستحقاقه الأهلية للوصف به."

يعني واستحقاقه الأهلية للوصف به هذا تفسير لاستحقاق فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا ما هذا الاستحقاق استحقا الإثم يعني أنهما تأهلا له، أو كانا أهلا له يعني هذا هو.

"فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا [المائدة: 107] اثنان من أولياء الميت، يقومان مقام الشاهدين في اليمين."

فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا يعني فشاهدان آخران، اثنان من أولياء الميت المستحقين للتركة، وليكونا من أولى من يرث هذا الميت.

"مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ أي: من الذين استحق عليهم الإثم، أو المال."

مِنَ الَّذِينَ اسْتُحَقَّ هذه قراءة الجمهور أي من الذين استحق عليهم الإثم، أو إثم الأوليين، أو استحق عليهما انتداب الأوليين، أو المال استحق عليهم المال، ومعناه إن الذين جني عليهم، وهم أولياء الميت، يعني من الذين استحق عليهم الإثم باعتبار أن ما فعله الأولون جناية في حقهما من حيث كتما هذا في الوصية، وأخذا هذا المال، فهو إثم، وجناية في حق أولياء الميت، ظلم لهم هذا معنى قوله: استحق عليهم الإثم، أو المال فهم أصحابه، ومعناه من الذين جني عليهم، وهم أولياء الميت فهم أولى بالشهادة، قال ابن جرير: "فآخران من أهل الميت الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهما"[1] مِنَ الَّذِينَ اسْتُحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فيكون بهذا يحتمل أن يكون الأوليان يعني الذين حصل منهم الجناية الشاهدين الأولين.

ويحتمل الأوليان بالميت يقومان يعني الأقرب إليه أقرب قرابة الميت، أو أحق الناس بهذا المال، وهذا يرجع إلى ما قبله يعني هم أقرب أهل الميت الأوليان به من الذين استحق عليهم يعني حصلت الجناية في حقهم، أو استحق المال، وبعدين الأوليان يعني يقوم الأوليان منهم أولى الناس بالميت يقوم منهم اثنان أقرب قرابة الميت فيحلفان بدلا من الشاهدين الأولين الْأَوْلَيَانِ.

"ومعناه من الذي جنى عليهم، وهم أولياء الميت الْأَوْلَيَانِ [المائدة: 107] تثنية أولى بمعنى أحق: أي الأحقان بالشهادة لمعرفتهما."

هؤلاء من قرابة الميت الأوليان يعني الأحق بالشهادة؛ لمعرفتهما، أو لقرابتهما هم الأقرب إلى الميت، قال: أو الأحقان بالمال، أو الأحقان بالميت، وكونهما أحق بالمال معنى ذلك أنهما أقرب من غيرهما إلى الميت.

"أو الأحقان بالمال: لقرابتهما، وهو مرفوع على أنه خبر ابتداء."

خبر مبتدأ محذوف المبتدأ محذوف التقدير: هما الأوليان؛ لأنه لما قال: فَآخَرَانِ يَقُومَانِ فكأنه قيل: من هما؟ فقيل: الأوليان، هما الأوليان.

"تقديره: هما الأوليان، أو مبتدأ مؤخر تقديره الأوليان آخران يقومان، أو بدل من الضمير في يقومان."

أو بدل من الضمير في يقومان؛ والتقدير: فيقوم الأوليان، يقول: أو بدل من الضمير في يقومان فآخران يقومان يعني يقومان، يعني ممن استحق عليهم الأوليان فَآخَرَانِ يَقُومَانِ هما الأوليان بالميت هذا باعتبار أنه بدل من الضمير في يقومان، يقوم الأوليان يقومان فسره بقوله الأوليان، ويحتمل أنه بدل من آخران، فآخران: من هما؟

 - فالأوليان بالميت يقومان بهذه الشهادة - الأوليان.

"ومنع الفارسي أن يسند استحق إلى الأوليان، وأجازه ابن عطية."

الكلام في هذا كثير، ووجوه الإعراب أكثر بكثير مما ذكر هنا لكن اعتراض الفارسي على هذا التقدير اعترض أن يستند استحق إلى الأوليان - هذا أحد الأوجه، وهو السابع - الأوليان: مرفوع على من لم يسم فاعله باستحق، إلا أن كل من أعربه كذا قدر قبله مضافا محذوفا على اختلاف في تقديرات المعربين.

وقال مكي: "تقديره: استحق عليهم إثم الأوليين"[2] وهذا الذي قال به ابن جرير الطبري - رحمه الله -[3] استحق عليهم إثم الأوليين، يعني الجناية وقعت في حق هؤلاء من أولئك الشهود الذين حصل منهم الكتمان، وأخذ بعض المال، فكانت الجناية في حق أولئك الذين يقوم اثنان منهم، وقدره الزمخشري، فقال: "من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال"[4].

وممن ذهب إلى ارتفاع الأوليان - هذا في "الدر المصون" - باستحق: أبو علي الفارسي، ثم منعه، قال: "لأن المستحق إنما يكون الوصية، أو شيئا منها، وأما الأوليان بالميت فلا يجوز أن يستحقا فيسند استحق إليهما"[5].

يقول الحلبي: "إنما منع أبو علي ذلك على ظاهر اللفظ فإن الأوليين لم يستحقهما أحد كما ذكر، ولكن يجوز أن يسند استحق إليهما بتأويل حذف المضاف المتقدم - كما سبق، ولا إشكال - يقول: وهذا الذي منعه الفارسي ظاهرًا - فالتأويلات التي ذكرها بعض المفسرين كابن عطية هو كله من أجل هذا الإشكال الذي أورده الفارسي - يقول: "وهذا الذي منعه الفارسي ظاهرًا هو الذي حمل الناس على إضمار ذلك المضاف، وتقدير الزمخشري بانتداب الأوليين، هذا أحسن من تقدير غيره فإن المعنى يساعده، وأما إضمار الإثم فلا يظهر أصلا إلا بتأويل بعيد"[6] مع أن الإثم قاله ابن جرير - رحمه الله -[7].

يقول: وأجازه ابن عطية يعني أن يرتفع الأولين باستحق أيضًا، ولكن ظاهر عبارته أنه لم يُقدر مضافًا فإنه استشعر باستشكال الفارسي المتقدم فاحتال في الجواب عنه، وهذا نصه - قال ما ملخصه: يعني لما أبو علي الفارسي ضعف تقدير المحذوف المضاف - قال ابن عطية: "ولفظة الاستحقاق في الآية إنما هي استعارة، وليست بمعنى استحقا إثمًا، فإن الاستحقاق هنا حقيقة، وفي قوله: استحق مستعار؛ لأنه لا، وجه لهذا الاستحقاق إلا الغلبة على الحال بحكم انفراد هذا الميت، وعدمه لقرابته، أو لأهل دينه"[8] فجعل تسورهم عليه استحقاقًا مجازًا، والمعنى من الجماعة التي غابت، وكان من حقها أن تحضر، وليها، فلما غابت، وانفرد هذا الموصي استحقت هذه الحال، وهذان الشاهدان من غير أهل الدين، والولاية، وأمر الأوليين على هذه الجماعة فبني الفعل للمفعول على هذا المعنى إيجازًا، إلى آخر ما ذكر.

فهذا المحمل الذي قال به ابن عطية، وهو بناء على إشكال الفارسي لما منع من هذا قال: وأجازه ابن عطية.

"وأما على قراءة استحق بفتح التاء، والحاء على البناء للفاعل، فالأوليان فاعل باستحق، ومعنى استحق على هذا أخذ المال، وجعل يده عليه، والأوليان على هذا هما الشاهدان اللذان ظهرت خيانتهما: أي الأوليان بالتحليف، والتعنيف، والفضيحة."

الأوليان بالتحليف، والتعنيف قال ابن كثير: "أي متى تحقق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة، وليكونا من أولى من يرث ذلك المال"[9].

"وقرئ الأولين جمع أول."

هذه قراءة حمزة.

"وهو مخفوض على الصفة للذين استحق عليهم."

الأولين جمع أول يعني المتقدم ذكرهم يعني من الأولين على هذه القراءة الذين استحق عليهم الإيصاء، أو الإثم من الأولين مخفوض على الصفة للذين استحق عليهم، أو بدل من الضمير في عليهم، أو منصوب على المدح، أو بدل من الذين، يقول: أو منصوب بإضمار فعل.

"أو منصوب بإضمار فعل، ووصفهم بالأولية لتقدمهم على الأجانب في استحقاق المال، وفي صدق الشهادة فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا [المائدة: 107] أي: يحلف هذان الآخران أن شهادتهما أحق."

بعضهم فسره بيمينهما كما سبق، يعني لقولهما أنهما خانا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا فيحلفان بالله لشهادتنا يعني أن يميننا حينما قالا بأنهما خانا، قرابة الميت لما قاموا لأنها أحق من شهادة أولئك الأوصياء الذين حصلت منهم الريبة.

" أي: أصح من شهادة الشاهدين الذين ظهرت خيانتهما إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 107] أي: إن اعتدينا، فإنا من الظالمين، وذلك على وجه التبرئة، ومثله: قول الأولين."

المقصود أنه من حال الشهادة في السفر إن لم يوجد من لم يشهد من المسلمين فيصح إشهاد غير المسلمين، فإن وجدت ريبة فيقوم اثنان من الذين هم أولى الناس بالميت، ومن ثم هم أولى الناس بالمال، وهم من وقع في حقهم الجناية بشهادة أولئك، وكتم بعض الوصية، وأخذ بعض المال، استحق عليهم الأوليان بالميت فيقومان فيقسمان يحلفان بأن شهادتهما أحق من شهادة أولئك الأوصياء؛ لما وجد من الريبة بعد صلاة العصر يكون هذا اليمين، والشهادة، فإن حلفوا استحقوا هذا المال المتنازع فيه، هذا المعنى - والله أعلم - حتى لا يشتتكم الإعراب، والتقديرات، والمحامل، وما يذكره المعربون أكثر مما سمعتم بكثير.

  1.  تفسير الطبري (9/96).
  2.  الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (4/476).
  3.  تفسير الطبري (9/96).
  4.  تفسير الزمخشري (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل) (1/689).
  5.  الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (4/476).
  6.  الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (4/476).
  7.  تفسير الطبري (9/96).
  8.  تفسير ابن عطية (2/254).
  9.  تفسير ابن كثير (3/218).