الجمعة 26 / شوّال / 1446 - 25 / أبريل 2025
يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا۟ لَا عِلْمَ لَنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلْغُيُوبِ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [سورة المائدة:109] هذا إخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة عما أجيبوا به من أممهم الذين أرسلهم إليهم.

قوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ من أهل العلم من يقول: إن هذا متعلق بما قبله أي أن الله في آخر الآية السابقة خوفهم بقوله: وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ۝ يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ [سورة المائدة:108-109] فهو يحذرهم، ويخوفهم.
ومنهم من يقول: إنه متعلق بمقدر محذوف تقديره: واذكر أو واذكروا، ويمكن أن يكون التقدير: وخافوا يوم يجمع الله الرسل كما يقول ابن جرير - رحمه الله - وقيل غير ذلك.
كما قال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [سورة الأعراف:6] وقال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ ۝ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الحجر:92-93].
وقول الرسل: لاَ عِلْمَ لَنَا [سورة المائدة:109] قال مجاهد، والحسن البصري، والسدي: إنما قالوا ذلك من هول ذلك اليوم.
قال عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن مجاهد: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [سورة المائدة:109] فيفزعون فيقولون: لاَ عِلْمَ لَنَا [سورة المائدة:109] رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [سورة المائدة:109] يقولون للرب : لا علم لنا إلا علمٌ أنت أعلم به منا.

طبعاً هذا الكلام كله بناء على أن هناك سؤالاً قد يرد وهو أنهم يعرفون حال الأمم، وبماذا أجابوهم حيث بُعثوا إليهم، وعرفوا جوابهم، وموقفهم من دعوتهم فكيف قالوا: لاَ عِلْمَ لَنَا؟ فكل هذا الكلام وغيره هي محاولة في الجواب عن هذا الإشكال أي أنهم من شدة الفزع، والذهول؛ قالوا: لاَ عِلْمَ لَنَا وهذا وجه ذكره جماعة من السلف.
وهنا قال: هو من باب التأدب مع الله فهذا مقام عظيم، والله مطلع على كل الخفايا، وكل شيء مكتوب لا يخفى عليه خافية، فمن تمام التفويض التأدب معه ، وإظهار العجز، ولذلك قالوا: لا علم لنا بما أجابوا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [سورة المائدة:109] وهذا كقول عيسى  : إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة المائدة:118] مع أن المتبادر وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، فهو لم يقل: إنك أنت الغفور الرحيم، وإنما قال: إنك أنت العزيز الحكيم، فيمكن أن يقال فيه - والله تعالى أعلم -: لما كان هذا المقام مقاماً عظيماً يغضب فيه الرب - تبارك وتعالى - غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله؛ فوَّض عيسى ﷺ إلى الله أمر هؤلاء، وأن مغفرته لهم، أو عقوبته؛ إنما تكون مع كمال القدرة، فإن عفا عنهم فليس ذلك لعجز، ولا لضعف، ولا لوضع للشيء في غير موضعه فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة المائدة:118] والله أعلم.
رواه ابن جرير ثم اختاره وهو من باب التأدب مع الرب أي لا علم لنا بالنسبة إلى علمك المحيط بكل شيء، فنحن وإن كنا أجبنا، وعرفنا من أجابنا؛ ولكن منهم من كنا إنما نطلع على ظاهره لا علم لنا بباطنه، وأنت العليم بكل شيء، المطلع على كل شيء، فعِلمنا بالنسبة إلى علمك كلا علم؛ فإنك أنت علام الغيوب.

مرات الإستماع: 0

"يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ [المائدة: 109] هو يوم القيامة، وانتصب الظرف بفعل مضمر، أي: ماذا أجابكم به الأمم من إيمان، وكفر، وطاعة، ومعصية؟"

يقول: هو يوم القيامة، وانتصب الظرف بفعل مضمر، حط نقطتين كأن هذا تفسير للفعل المضمر، وهذا غير صحيح، علامات الترقيم هنا غير صحيحة في بعض المواضع هذا يسيئ في الفهم، يكون هكذا: يوم يجمع الله الرسل هو يوم القيامة، وانتصب الظرف بفعل مضمر فقط نقطة، يعني الفعل المضمر ما هو؟ واذكر يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم، ثم ذكر المعنى هنا يفسر الآية ليس هذا الفعل المضمر، قال: أي: ماذا أجابكم به الأمم من إيمان، وكفر، وطاعة، ومعصية.

أي: ماذا أجابكم، فيه جزء من الآية هنا نحط بين قوسين فيقول يكون تفسير لهذا مَاذَا أُجِبْتُمْ حتى لا يلتبس بين قوسين فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [المائدة: 109] هذا تفسير له لقوله: مَاذَا أُجِبْتُمْ لكن الفعل المضمر انتصب به الظرف (يومَ) هو فعل مقدر: واذكر يوم، فما بعده من قوله: أي: ماذا أجابكم هذا تفسير لقوله: مَاذَا أُجِبْتُمْ.

فيقول: مَاذَا أُجِبْتُمْ يعني ماذا أجابكم به الأمم من إيمان، وكفر، وطاعة، ومعصية.

"والمقصود بهذا السؤال توبيخ من كفر من الأمم، وإقامة الحجة عليهم، وانتصب ماذا بأجبتم انتصاب مصدره."

يعني باعتبار أن ماذا بمنزلة اسم واحد، ماذا هي بهذا التركيب يعني بعضهم يقول: "ما" لوحدها، و"ذا" لوحدها فهي مركبة من "ما" الاستفهامية، و"ذا" لكن من نظر إليها إلى أنها كلمة واحدة اسم، واحد، فهنا هذا الاسم الواحد جانب فيه الاستفهام ماذا فمحله النصب على المصدر بما بعده التقدير أي إجابة أجبتم أي: إجابة ماذا أجبتم، أيُّ إجابة أجبتم، هذا معنى قوله: وانتصب ماذا بأجبتم انتصاب مصدره، مصدر أجبتم إجابة، أي إجابة أجبتم، ولو أريد الجواب يعني الكلام المجاب لقيل: بماذا أجبتم.

"ولو أريد الجواب، لقيل: بماذا أجبتم."

يعني هو المقصود التوبيخ أي إجابة أجبتم فلا ينتظر هنا يقول بماذا أجابوكم؟ ماذا قالوا لكم؟ هل قالوا ساحر؟ أو كذا، لا، هو يقول: لو أراد الجواب لقيل بماذا أجبتم؛ لكنه قال: ماذا أجبتم؟ أي إجابة أجبتم.

"قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا [المائدة: 109] إنما قالوا ذلك تأدبا مع الله."

هذا الذي اختاره ابن جرير[1] وهو ظاهر كلام ابن كثير أنهم قالوا لا علم لنا تأدبًا[2] وإلا كانوا يعلمون ماذا أجابهم أقوامهم.

"فوكلوا العلم إليه قال ابن عباس: المعنى لا علم لنا إلا ما علمتنا."

والمعنى: "لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا"[3] هذه عبارة ابن عباس - ا -.

والمقصود أنه تفويض منهم، وإظهار للعجز، وعدم القدرة، وبعضهم يقول يعني كأن البعض استشكل لا علم لنا، وهم لا يعلمون بجواب أقوامهم، فبعضهم قال: لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة: 117].

وبعضهم يقول لا علم لنا بما اشتملت عليه بواطنهم نحن نعرف الظاهر، لكن الذي يظهر أن هذا قالوه على سبيل التفويض، والتأدب مع الله - تبارك، وتعالى - ولا حاجة لمثل هذه المحامل.

"وقيل: معناه علمنا ساقط في جنب علمك."

هذا يرجع إلى المعنى الذي ذكرته من أنهم قالوا ذلك على سبيل التأدب.

ويقوي ذلك قولهم: إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة: 109] لأنّ من علم الخفيات لم تخف عليه الظواهر، وقيل: ذهلوا عن الجواب لهول ذلك اليوم.

هذا جواب آخر يعني من قال بأن المقصود لا نعلم ما في بواطنهم قال يشعر به قوله: إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ نحن نعلم الظاهر، وأما الباطن لا علم لنا لكن هذا فيه بعد.

وقيل: ذهلوا عن الجواب لهول ذلك اليوم، وهذا جاء عن جماعة من السلف كمجاهد، والحسن، والسدي[4] فمن هول ذلك اليوم أصابهم ذهول قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا.

وجاء عن مجاهد: "فيفزعون فيقولون: لا علم لنا"[5] وهذا يرجع إلى ما سبق من قول هؤلاء إنهم قالوا ذلك من هول ذلك اليوم، يعني أصابهم ذهول لكن حمل ذلك على أنه من باب التفويض، والتأدب أقرب - والله أعلم -.

"وهذا بعيد؛ لأنّ الأنبياء في ذلك اليوم آمنون، وقيل: أرادوا بذلك توبيخ الكفار."

يعني حينما يقولون: لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة: 109] فالكفار يزدادون خوفًا. فكأنه يقول: أنا ما أدري عنهم فيكون أشد وقعا في نفوسهم. يعني كأنه يتبرأ منهم تمامًا حتى من العلم بهم لا علم لي بهم تسأل عن أحد مسيء، أو نحو ذلك تقول: لا علم لي به.

  1.  تفسير الطبري (9/112).
  2.  تفسير ابن كثير (1/225).
  3. انظر: تفسير الطبري (9/111)، وتفسير ابن كثير (3/222).
  4.  تفسير ابن كثير (3/222).
  5.  انظر: تفسير الطبري (9/111)، وتفسير ابن كثير (3/222).