قوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ من أهل العلم من يقول: إن هذا متعلق بما قبله أي أن الله في آخر الآية السابقة خوفهم بقوله: وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ [سورة المائدة:108-109] فهو يحذرهم، ويخوفهم.
ومنهم من يقول: إنه متعلق بمقدر محذوف تقديره: واذكر أو واذكروا، ويمكن أن يكون التقدير: وخافوا يوم يجمع الله الرسل كما يقول ابن جرير - رحمه الله - وقيل غير ذلك.
وقول الرسل: لاَ عِلْمَ لَنَا [سورة المائدة:109] قال مجاهد، والحسن البصري، والسدي: إنما قالوا ذلك من هول ذلك اليوم.
قال عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن مجاهد: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [سورة المائدة:109] فيفزعون فيقولون: لاَ عِلْمَ لَنَا [سورة المائدة:109] رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [سورة المائدة:109] يقولون للرب : لا علم لنا إلا علمٌ أنت أعلم به منا.
طبعاً هذا الكلام كله بناء على أن هناك سؤالاً قد يرد وهو أنهم يعرفون حال الأمم، وبماذا أجابوهم حيث بُعثوا إليهم، وعرفوا جوابهم، وموقفهم من دعوتهم فكيف قالوا: لاَ عِلْمَ لَنَا؟ فكل هذا الكلام وغيره هي محاولة في الجواب عن هذا الإشكال أي أنهم من شدة الفزع، والذهول؛ قالوا: لاَ عِلْمَ لَنَا وهذا وجه ذكره جماعة من السلف.
وهنا قال: هو من باب التأدب مع الله فهذا مقام عظيم، والله مطلع على كل الخفايا، وكل شيء مكتوب لا يخفى عليه خافية، فمن تمام التفويض التأدب معه ، وإظهار العجز، ولذلك قالوا: لا علم لنا بما أجابوا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [سورة المائدة:109] وهذا كقول عيسى : إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة المائدة:118] مع أن المتبادر وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، فهو لم يقل: إنك أنت الغفور الرحيم، وإنما قال: إنك أنت العزيز الحكيم، فيمكن أن يقال فيه - والله تعالى أعلم -: لما كان هذا المقام مقاماً عظيماً يغضب فيه الرب - تبارك وتعالى - غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله؛ فوَّض عيسى ﷺ إلى الله أمر هؤلاء، وأن مغفرته لهم، أو عقوبته؛ إنما تكون مع كمال القدرة، فإن عفا عنهم فليس ذلك لعجز، ولا لضعف، ولا لوضع للشيء في غير موضعه فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة المائدة:118] والله أعلم.