الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۚ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۝ لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة المائدة:119-120].
يقول تعالى مجيباً لعبده ورسوله عيسى ابن مريم فيما أنهاه إليه من التبري من النصارى الملحدين الكاذبين على الله، وعلى رسوله، ومن ردِّ المشيئة فيهم إلى ربه فعند ذلك يقول تعالى: هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [سورة المائدة:119] قال الضحاك عن ابن عباس - ا -: "يقول: يوم ينفع الموحدين توحيدهم.

على قراءة الرفع يقول تعالى: قَالَ اللّهُ وجملة مقول القول: هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ فهو خبر من الله عن ذلك اليوم أنه ينفع الصادقين صدقهم.
وعلى قراءة النصب: قال اللهُ هذا يومَ ينفع الصادقين صدقهم من أهل العلم من يقول: إن المقصود أن هذا القول يقوله الله في ظرف معين، وذلك الظرف هو يوم ينفع الصادقين صدقهم، أي: أن الله يقول هذا القول يوم ينفع الصادقين صدقهم.
وهناك معنى آخر لقراءة النصب قال اللهُ هذا يومَ ينفع الصادقين صدقهم [سورة المائدة:119] وهو أنه لما رد عيسى - عليه الصلاة والسلام - بهذا الرد إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة المائدة:118] عقب الله بذلك فقال: هذا يومَ ينفع الصادقين صدقهم وهو يوم القيامة، وعلى كل حال قراءة النصب هذه قراءة متواترة، والله تعالى أعلم.
لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [سورة المائدة:119] أي: ماكثين فيها لا يحولون ولا يزولون رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [سورة المائدة:119] كما قال تعالى: وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ [سورة التوبة:72] وسيأتي ما يتعلق بتلك الآية من الحديث.
وقوله: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [سورة المائدة:119] أي: هذا الفوز الكبير الذي لا أعظم منه كما قال تعالى: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [سورة الصافات:61]، وكما قال: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [سورة المطففين:26].

مرات الإستماع: 0

"هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة: 119] عموم في جميع الصادقين، وخصوصا في عيسى ابن مريم، في جميع النسخ، وخصوص في عيسى ابن مريم."

هو يصح في وجه من الإعراب أن يقول خصوصا لكن أوضح أن يقول، وخصوص في عيسى ابن مريم قال الله: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ عموم في الصادقين، وخصوص في عيسى باعتبار المناسبة، والسياق، وجاء عن ابن عباس - ا - يوم ينفع الموحدين توحيدهم[1] يعني: ليس على سبيل القراءة، وإنما التفسير فسر الصادقين بالموحدين، وهذا بعض ما يدخل في معناه لا شك أن التوحيد هو أعلى درجات الصدق، لكن كأنه فسر هذا باعتبار ما وقع من الإشراك، والغلو في عيسى - عليه الصلاة، والسلام - وتأليه المسيح، وأمه.

"فإن في ذلك إشارة إلى صدقه في الكلام الذي حكاه الله عنه، وقرأ غير نافع - بقية القراء - هَذَا يَوْمُ بالرفع على الابتداء، أو الخبر، وقرأ نافع بالنصب."

هذه قراءة الجمهور هَذَا يَوْمُ على الابتداء يكون بجعل هذا مبتدأ، ويوم ينفع يكون خبرا، يعني: المعنى أن هذا يوم منفعة الصادقين، أو هذا الذي ذكرنا من كلام عيسى واقع يوم ينفع الصادقين.

"وقرأ نافع بالنصب، وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون يوم ظرفا لقال، فعلى هذا لا تكون الجملة معمول القول، وإنما معموله هذا خاصة."

يكون ظرفا لقال يعني متى قال؟ يوم قال الله هذا يوم ينفع الصادقين متى قاله؟ قاله يوم ينفع الصادقين صدقهم، المعنى يعني قاله حينئذ، قاله في ذلك الوقت، قاله يوم ينفع الصادقين، يعني: متى وقع ذلك القول؟ وقع يوم كذا، يكون ظرفا.

فعلى هذا لا تكون الجملة معمول القول، يعني إذا كانت معمول القول قال الله ماذا قال؟ قال هذا يوم ينفع الصادقين إذا كانت معمول القول يعني ما هو مضمون القول، ما الذي قاله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.

وإذا كانت ظرفا للقول فيكون متى قال ذلك؟ قال هذا يوم كذا، لكن كأن الأقرب - والله أعلم - أنه معمول القول قال الله هذا يوم، يعني يكون الذي قاله الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.

"والمعنى قال الله هذا القصص، أو الخبر في يوم، وهذا بعيد مزيل لرونق الكلام"

يعني قال الله هذا متى يوم ينفع الصادقين صدقهم، وهذا بعيد؟

"والآخر أن يكون هذا مبتدأ، ويوم في موضع خبره، والعامل فيه محذوف تقديره هذا واقع يوم ينفع الصادقين صدقهم."

هذا واقع، أو هذا يقع، أو هذا يكون يوم ينفع الصادقين صدقهم.

"ولا يجوز أن يكون يوم مبنيا على قراءة نافع؛ لأنه أضيف إلى معرف."

بالباء معرب، وليس معرف؛ لأنه معرب، وإنما يكتسي البناء من المضاف إليه إذا كان المضاف إليه مبنيا مثل يعني من عذاب يومئذ، فهنا يومئذ مبني، فلاحظ هنا أضيف إلى معرب، لو أضيف إلى مبني لكان مبنيا، فهنا ليس بمبني؛ لأنه أضيف إلى معرب قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ ويوم هنا لم يضف إلى مبني قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ ويحتمل غير هذا.

بعضهم يقول: هو مبني، يعني كونه ليس بمبني ليس محل اتفاق عند المعربين، بعضهم ادعى فيه البناء هنا في موضع رفع خبر هذا، هذا على أنه مبني، فالحركة حركة بناء الفتحة؛ لكنه في موضع رفع، يقولون إنه بني على الفتح هنا؛ لأنه أضيف إلى الفعل هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ أضيف إلى الفعل، وأن جملة هذا يوم هي مقول القول في محل نصب، هكذا يقول بعض المعربين، ويحتمل أن يوم ظرف للفعل ينفع، ينفع يوم، وأن هذا إشارة إلى ما تقدم من الكلام قَالَ اللَّهُ هَذَا يعني: هذا الذي سبق يوم ينفع، والمعنى أن هذا الغفران، والعذاب يقع في يوم ينفع الصادقين صدقهم.

وبعضهم يقول: إن المعنى أن الله أجاب عيسى حينما قال: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [المائدة: 116] إلى قوله: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118] فقال الله هذا القول النافع، أو هذا الصدق النافع يوم ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم ذلك في الآخرة، فاليوم هو وقت القول، والصدق النافع - والله أعلم -.

"ولا يجوز أن يكون يوم مبنيا على قراءة نافع، لأنه أضيف إلى معرب، قاله الفارسي، والزمخشري."

الفارسي هو أبو علي الفارسي سبق، صاحب الحجة في القراءات.

  1. تفسير ابن كثير (3/235).