الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذْنَا مِيثَٰقَهُمْ فَنَسُوا۟ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ [سورة المائدة:14] أي، ومن الذين ادعوا لأنفسهم أنهم نصارى متابعون المسيح بن مريم ، وليسوا كذلك، أخذنا عليهم العهود، والمواثيق على متابعة الرسول ﷺ، ومناصرته، ومؤازرته، واقتفاء آثاره، وعلى الإيمان بكل نبي يرسله الله إلى أهل الأرض ففعلوا كما فعل اليهود، خالفوا المواثيق، ونقضوا العهود؛ ولهذا قال تعالى: فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [سورة المائدة:14]."

هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير معناه أن قوله: أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ يعني أخذنا عليهم العهد، والميثاق المختص بهم، ومن أهل العلم من يقول: إن الضمير - الهاء من ميثاقهم - يرجع إلى بني إسرائيل، فيكون المعنى، ومن الذين قالوا: إنَّا نصارى أخذنا ميثاق بني إسرائيل السابق عليهم - أي على النصارى - فالميثاق الذي أُخذ على اليهود أخذ مثله على النصارى، فهذا قال به بعض أهل العلم باعتبار أن الضمير يرجع إلى بني إسرائيل المذكورين أولاً، وهم اليهود، وهذا فيه بعد، والأقرب - والله تعالى أعلم - أن قوله: مِيثَاقَهُمْ يرجع إلى النصارى، فالقاعدة أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور - والله أعلم -.
"ولهذا قال تعالى: فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [سورة المائدة:14] أي: فألقينا بينهم العداوة، والبغضاء لبعضهم بعضاً، ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة، وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين، متعادين/ يكفِّر بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، فكل فرقة تحرم الأخرى."

يقول: "ففعلوا كما فعل اليهود، خالفوا المواثيق، ونقضوا العهود؛ ولهذا قال تعالى: فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [سورة المائدة:14] إلى أن قال: فَأَغْرَيْنَا [سورة المائدة:14] قال: "أي فألقينا بينهم العداوة، والبغضاء لبعضهم بعضاً، ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة" يعني اليهود، والنصارى نقضوا العهود، والمواثيق، وذلك أنهم أمة،= واحدة أصلاً، وعيسى - عليه الصلاة، والسلام - بعث إلى بني إسرائيل قائلاً لهم: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [سورة الصف:6] فنقضوا العهود، والمواثيق كما فعل اليهود، فألقى الله بينهم العداوة، والبغضاء إلى يوم القيامة، فبينهم من البغضاء، والشر ما لا يخفى، فكل طائفة تكفِّر الأخرى، وتضللها وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ [سورة البقرة:111] فـ "أو" هنا للتقسيم، وقد سبق ذكر ذلك في تفسير سورة البقرة، فالمعنى أن اليهود قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً، وسبق الكلام على الأمانة الكبرى، وأنه لشدة عداوة النصارى لليهود تركوا العمل بالتوراة، فبقوا من غير قانون، ولا شريعة فاخترعوا كتاباً، وضعوا فيه القوانين، وسموه بالأمانة الكبرى.
ويحتمل أن يكون المراد أن العداوة، والبغضاء كانت بين طوائف النصارى نفسها، والحافظ ابن كثير - رحمه الله - جمع المعنيين فقال: "فألقينا بينهم العداوة، والبغضاء لبعضهم بعضاً، ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة" أي اليهود، والنصارى، ثم قال: "وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفِّر بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً"، وهذا شيء مشاهد.
وقوله تعالى: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء [سورة المائدة:14] معناه ألصقنا ذلك بهم فهو لاصق، ملازم لهم غاية الملازمة كما يقال في المادة المعروفة التي يلصق بها "الغِراء" فهذه المادة تمسك الشيء بحيث إنه يلتصق بما ألحق به، ويقال: غري بهذا الشيء غرياً بمعنى أنه صار مولعاً به مفتوناً به ملازماً له لا يفارقه، ولا ينفك عنه بحال من الأحوال حتى صار كأنه ملتصق به، ويقال: أغريت الكلب يعني أولعته بالصيد، فاليهود، والنصارى ألصقت بهم هذه الصفة الذميمة القبيحة - العداوة، والبغضاء -، وأولعوا بها.
ولو تأملت في النصارى لوجدتهم قد فرقوا الكنيسة الشرقية، والغربية، وتجد طوائف الكاثوليك، والبروتستنت، والأرثوذكس الضالة كل واحدة تضلل الأخرى، فهؤلاء لهم كنائسهم، وهؤلاء لهم كنائسهم، وهؤلاء لا يعترفون بالفاتيكان، ولا بمرجعيته، ولو قرأت في كتب النصارى، وفِرق النصارى فلن تنتهي، ولو أخذت بلداً صغيراً مثل لبنان، وفتشت في الطوائف النصرانية ستجد أسماء لم تسمع بها، وتجدهم يظهرون في بعض المناسبات أحياناً فيقولون: الفرقة الفلانية، والطائفة الفلانية، وممثل الطائفة الفلانية، وهكذا تسمع بطوائف عجيبة غريبة.
"لا يزالون متباغضين متعادين يكفِّر بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، فكل فرقة تحرم الأخرى، ولا تدعها تَلِجُ معبدها، فالملكية تكفر اليعقوبية، وكذلك الآخرون، وكذلك النسطورية، والآريوسية، كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد."

وهم الآن يستغلون التفرق الموجود بين المسلمين فيضربون بعضهم ببعض مع أن التفرق الذي بين النصارى أكثر من التفرق الموجود بين المسلمين، فهم أحرى بأن يُشرذَموا بمثل هذه النزاعات الموجودة بينهم، لكن للأسف نحن ننظر إليهم باعتبار أنهم كتلة واحدة لا فرق بينهم، وعلى قلب رجل واحد، وهذا الكلام غير صحيح.
وابن كثير ذكر هنا بعض الطوائف مثل: اليعقوبية، وهم طائفة من النصارى ينتسبون إلى يعقوب البردعاني، كان راهباً بالقسطنطينية، وهذه الطائفة قالت بالأقانيم الثلاثة، وبالنسبة لمعنى الأقانيم هم يختلفون فيها هل هي الصفات، أو غير ذلك، فالمقصود أنهم قالوا بالأقانيم الثلاثة إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحماً، ودماً فصار الإله هو المسيح، وهذه لا يمكن أن تتصور أصلاً، إذ كيف يقولون بالأقانيم الثلاثة ثم يقولون: إن الكلمة انقلبت لحماً، ودماً، وصارت هي عين المسيح، أي صار الله هو المسيح، أو صار المسيح إلهاً؟! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.       
وذكر من الطوائف النسطورية، وهؤلاء هم أصحاب نسطور الحكيم، وهكذا نجد أن كل مسمىً له من اسمه نصيب، إما على الضد، أو المطابقة، ونسطور هذا ظهر في زمن المأمون، وتصرف في الأناجيل برأيه، وقال: إن الله واحد ذو أقانيم ثلاثة الوجود، والعلم، والحياة، وليست الأقانيم زائدة على الذات.
كما ذكر ابن كثير رحمه الله طائفة الملكانية، وهم أصحاب ملكى الذي ظهر بأرض الروم، واستولى عليها، ومعظم الروم ملكانية، وهؤلاء قالوا: إن الكلمة اتحدت بجسد المسيح، والكلمة أقنوم العلم، وليست الثلاثة، وهذا من الخلاف بينهم.
"ثم قال تعالى: وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [سورة المائدة:14]، وهذا تهديد، ووعيد أكيد للنصارى على ما ارتكبوه من الكذب على الله، وعلى رسوله، وما نسبوه إلى الرب - ، وتعالى، وتقدس عن قولهم علواً كبيراً - من جعلهم له صاحبة، وولدا تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كُفواً أحد.

مرات الإستماع: 0

"وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى [المائدة: 14] أي: ادّعوا أنهم أنصار الله، وسمّوا أنفسهم بذلك، ثم كفروا بالله، ووصفوه بما لا يليق به." 

هنا ادعوا أنهم أنصار، هذا قول مشهور، وبعضهم يقول: بأن نصارى جمع نصران، ونصرانه، بعضهم يقول: بأنها منسوب إلى قرية اسمها: نصرة، أو نصرانه، يُقال إن المسيح - عليه الصلاة، والسلام - نزلها.

وبعضهم يقول غير ذلك في تسمية موضع، وبصرف النظر، فالقول الذي ذكره هنا أنهم أنصار قول مشهور الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى [المائدة: 14] إنهم نصروا المسيح، نحن أنصار الله مع أن الذي قال ذلك إنما هم طائفة منهم، وهم الحواريون بنص القرآن.

"وتتعلق من الذين بأخذنا ميثاقهم، والضمير عائدٌ على النصارى."

وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ [المائدة: 14] يعني أخذنا ميثاق الذين قالوا: إنا نصارى، فيكون ذلك متعلقًا بما بعده، والضمير عائد إلى النصارى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ [المائدة: 14] وهذا الميثاق الذي أُخذ عليهم، الحافظ ابن كثير - رحمه الله - حمله على متابعة النبي ﷺ والإيمان به إذا بُعث[1] نصر النبي ﷺ والإيمان به، وبكل نبي، ولا يبعد أن يُقال: بأن ذلك من جملة العهد الذي أخذه الله عليهم، الإيمان بالأنبياء لاسيما محمد - عليه الصلاة، والسلام - والإيمان بالقرآن، واتباع النبي ﷺ وكذلك أيضًا العمل بكتابهم، والوفاء بعهد الله .

"فَأَغْرَيْنا [المائدة: 14] أي: أثبتنا، وألصقنا، وهو مأخوذٌ من الإغراء، وفي جميع النسخ الخطية: الغراء."

الإغراء مأخوذٌ من الإغراء فَأَغْرَيْنا [المائدة: 14] مأخوذٌ من الإغراء، ومادة الاشتقاق في أغرينا الفعل بإرجاعها إلى المصدر مأخوذ من الإغراء، والاشتقاق في اللغة إعادة ذلك إلى المصادر أولى من إعادتها إلى الأفعال، فالقول: بأنه مأخوذ من الإغراء في أصل الاشتقاق اللغوي لا إشكال صحيح، ولكن هل هو مأخوذ من الغِراء؟ لا يستبعد أن يقصد المؤلف هذا، هذا في جميع النسخ الخطية، لا يستبعد أن يريد المؤلف هذا باعتبار أنه قال في معناه: أي: أثبتنا، وألصقنا هو مأخوذٌ من الغراء أَغْرَيْنا [المائدة: 14] لاحظ إذا قلنا: إنه مأخوذٌ من الإغراء أَغْرَيْنا [المائدة: 14] فلاناً بكذا من الإغراء بمعنى دفعناه إلى ذلك، تقول: أغراه بالمال بعثه على ما يريد بهذا المال، وإذا قلنا: من الغراء أغرينا تقل أغريت هذه الورقة، أغريت غلاف الكتاب يعني بالغراء أغريته، وهذا لا يستبعد أن يريد المؤلف هذا المعنى.

فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ [المائدة: 14] يعني ألصقناها بهم، كلامه في البداية أثبتنا، وألصقنا مأخوذٌ من الغراء الذي يحصل به إلصاق شيء بشيء، وإثباته؛ لكن هذا لا يخلو من بُعد - والله أعلم - والسبب أن حمل معاني القرآن على المتبادر المشهور أولى، فما هو المتبادر المشهور إذا ذُكر الإغراء؟ أغرى فلانًا بفلان، بهذا المعنى بمعنى فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ [المائدة: 14] يعني أنه بعث ذلك في نفوسهم، ودفعهم إليه دفعًا قويًا، ونحو ذلك، لهذا فُسر بهيجنا، ومن قولهم: غري بكذا أي لهج به، وغري، وبعضهم جمع بين المعنيين: هيجنا، وألزمنا، معنى الغراء هذا هيجنا هذا المعنى الذي ذكرت أنه مشهور، وألزمنا يقولون: غري بكذا لهج به، ولصق؛ لصق هذه باعتبار أن أصل ذلك من الغراء، وهو ما يُلصق به فهذا الموجود في النسخ الخطية اكتبوه من الغراء، أثبتنا، وألصقنا، مأخوذٌ من الغراء.

"فَأَغْرَيْنا [المائدة: 14] في الموضعين يعم اليهود، والنصارى، وقيل: إنها نزلت بسبب اليهود الذين كانوا بالمدينة، فإنهم كانوا يذكرون رسول الله ﷺ ويصفونه بصفته، فلما حل بالمدينة كفروا به."

فَأَغْرَيْنا [المائدة: 14] في الموضعين بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ [المائدة: 14] يعم اليهود، والنصارى باعتبار أن العداوة بين اليهود، والنصارى أغرى الله هؤلاء بالعداوة، فصارت لازمةً، ثابتةً، لا تزول.

وبعضهم يقول: بأن ذلك في اليهود، والنصارى بين طوائف اليهود، وبين طوائف النصارى فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ والْبَغْضَاءَ [المائدة: 14] ولا يبعد أن يُقال - والله أعلم -: بأن هذا الإطلاق في الآية: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ [المائدة: 14] يشمل ذلك جميعًا، يعني أن الله - تبارك، وتعالى - أغرى بعضهم ببعض اليهود، والنصارى، والعداوة لا شك أنها متجذرة بينهم، وكذلك اليهود طوائف يكفر بعضها بعضًا، وكذلك النصارى فكل ذلك حاصل، فالعداوة بين طوائف اليهود، وبين طوائف النصارى أيضًا، وكذلك بين اليهود، والنصارى، ولا دليل على أن المراد أحد هذين المعنيين، فيُحمل عليه.

وهنا يقول: إن المقصود يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة: 15] وليس فَأَغْرَيْنَا [المائدة: 14] الآية هنا قوله: فَأَغْرَيْنَا [المائدة: 14] الحديث كان قال: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة: 14] قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ [المائدة: 15] لا إشكال، لكن هل هذا هو المراد، أو لا؟ لا شك أن أهل الكتاب يراد بها اليهود، والنصارى، ولكن حمل ذلك على أغرينا، والله أعلم يبدو أنه هو المراد، مراده قال: الموضعين يعم اليهود، والنصارى، وقيل: إنها نزلت بسبب اليهود الذين كانوا بالمدينة، فإنهم كانوا يذكرون رسول الله ﷺ ويصفونه بصفته فلما حل بالمدينة كفروا به: يعم اليهود، والنصارى، وقيل: إنها نزلت قد جاءكم ما يستبعد، وقيل: إنها نزلت بسبب اليهود، والنصارى كونها: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة: 15] عمومًا إن كان المراد فَأَغْرَيْنَا [المائدة: 14] فبعض أهل العلم يقولون: إن قوله: فَأَغْرَيْنَا [المائدة: 14] يعني بين اليهود، والنصارى العداوة، هذا كلام أهل العلم فيها كلام المفسرين في قوله: فَأَغْرَيْنَا [المائدة: 14] أن العداوة بين اليهود، والنصارى.

وبعضهم يقول: بين طوائف اليهود بعضهم مع بعض، وطوائف النصارى بعضهم مع بعض، ولكن هذا الإطلاق في الآية: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ [المائدة: 14] يشمل هذا، وهذا يعني العداوة الواقعة بين اليهود، والنصارى، وبين طوائف النصارى فيما بينهم، وطوائف اليهود فيما بينهم، هذا كلام المفسرين في قوله: فَأَغْرَيْنَا [المائدة: 14] يختص بالنصارى، أو أن ذلك يشمل أيضًا اليهود، وهذا واضح، والله - تبارك، وتعالى - يقول: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة: 12] قبلها فيشمل هؤلاء، وهؤلاء، وإن كان ذِكر النقباء يصدق على اليهود، لكن قال: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ [المائدة: 13] إلى آخره، ثم ذكر النصارى صراحة: الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة: 14] فهذا كلام المفسرين عمومًا، لكن ابن جزي - رحمه الله - هنا يمكن أن يريد بذلك قوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة: 15]؛ لأن قوله: فَأَغْرَيْنَا [المائدة: 14] في هذه السورة وردت مرة، واحدة، فقوله: فَأَغْرَيْنَا [المائدة: 14] في الموضعين يعم اليهود، والنصارى.

إذن نقول: إن قوله: فَأَغْرَيْنَا [المائدة: 14] بعض المفسرين قال: بين اليهود، والنصارى، وبعضهم قال: بين طوائف من كل أهل ملة، ويمكن أن يُحمل على هذا، وهذا، لكن هنا مراد ابن كثير بدلاً من فأغرينا نغير هذه، ويكون يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة: 15] شوف هذا غريب هذه في الطبعة الأولى أليس كذلك؟ الطبعة الأولى شوف هذا من الغرائب، الطبعة الثانية على الخطأ، وسائر النسخ الخطية ما تطرقت لهذا، على كل حال نقرأها يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة: 15] يكون يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة: 15] هذا واضح أنها في اليهود، والنصارى، والموضع الآخر: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ [المائدة: 19] أيضًا أنها في اليهود، والنصارى هذا لا إشكال فيه، في الموضعين يعم اليهود، والنصارى.

مداخلة (الطالب): بدل أغرينا تكون يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة: 15]؟

الشيخ: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة: 15] تكون الآية: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة: 19]. 

  1. تفسير ابن كثير (3/67).