الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [سورة المائدة:17-18].
يقول تعالى مخبراً، وحاكماً بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم، وهو عبد من عباد الله، وخلق من خلقه أنه هو الله - تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً -.
ثم قال مخبراً عن قدرته على الأشياء، وكونها تحت قهره، وسلطانه: قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [سورة المائدة:17] أي: لو أراد ذلك فمن ذا الذي كان يمنعه منه، أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك."

كلام الحافظ ابن كثير هنا أن المعنى في قوله: فَمَن يَمْلِكُ أي فمن يقدر، وعبر غيره كابن جرير - رحمه الله - بقوله: فمن يطيق؛ لأن هذا اللفظة تدل على القُدرة، تقول: ملكت على فلان أمره، يعني أنك صرت قادراً على قهره، وتمكنت من ذلك، فالله هنا يقول: قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [سورة المائدة:17] أي من يطيق، ويقدر على منعه من ذلك لو أراده؟ وهذا الاستفهام مضمن معنى الإنكار، يعني لا أحد يقدر على الحيلولة بينه، وبين ما أراد، وإذا كان الأمر كذلك فهو الإله الواحد، المتصرف، الرب المعبود الذي لا يشاركه في ملكه، وتدبيره، وتصرفه، وإلهيته أحد من خلقه، فالمسيح - عليه الصلاة، والسلام - لم يقدر أن يدفع عن أمه الموت، كما لا يطيق أن يدفع عن نفسه الأذى أياً كان، فالله - هو الذي بيده تدبير الأمور لا يخرج شيء من ذلك عن قدرته، وإرادته.
"ثم قال: وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء [سورة المائدة:17] أي جميع الموجدات ملكه، وخلقه، وهو القادر على ما يشاء، لا يُسأل عما يفعل بقدرته، وسلطانه، وعدله، وعظمته، وهذا رد على النصارى - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة -.

مرات الإستماع: 0

"قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [المائدة: 17] الآية، ردٌ على الذين قالوا: إنّ الله هو عيسى، وهم فرقةٌ من النصارى."

قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ [المائدة: 17] فهذا يكون رد على الذين قالوا: إن الله هو عيسى، وهم طائفة من النصارى قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ [المائدة: 17] الملك يُقال للقدرة، والتصرف المطلق، والضبط، والحفظ تقول: ملكت على فلان أمره، يعني صار لك قدرة عليه لذلك يُقال: ملك على المرأة، ونحو ذلك فمن يقدر يعني المعنى فمن يقدر أن يمنع، فمن يملك، فمن يقدر أن يمنع، تقول: أنا لا أملك أن أفعل ذلك يعني لا أقدر عليه قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ [المائدة: 17] هذا ذكره بعد قوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة: 17] هذا قول طائفة منهم، وبعضهم يقول: هو ابن الله.

"يَخْلُقُ ما يَشاءُ [المائدة: 17] إشارةً إلى خلقه عيسى من غير والد وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى [المائدة: 18] أي: قالت: كل فرقةٍ عن نفسها إنهم أبناء الله، وأحباؤه، والبنوّة هنا بنوّة الحنان، والرأفة."

لا يقصدون هنا بنوة مثل ما ادعوا في المسيح - عليه الصلاة، والسلام - أو ادعى اليهود بعُزير، لكن يعني بنوة الحنان، والرأفة، يعني كما قال ابن كثير - رحمه الله -: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ: "أي نحن منتسبون إلى أنبيائه، وهم بنوه، وله بهم عناية، وهو يحبنا"[1].

"وقال الزمخشري: المعنى نحن أشياع أبناء الله عندهم، وهما المسيح، وعُزير، كما يقول حشم الملوك: نحن الملوك."

هنا ذكر عبارة صاحب الكشاف في الحاشية، قالت اليهود، والنصارى: نحن أبناء الله، أي أشياع ابني الله عُزير، والمسيح، كما قيل لأشياع أبي خبيب، وهو عبد الله بن الزبير : الخبيبيون، وكما كان يقول رهط مسيلمة: نحن أنبياء الله، يعني أنهم أتباع نبي، ويقول أقرباء الملك، وذووه، وحشمه: نحن الملوك، ولذا قال مؤمن آل فرعون: لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ [غافر: 29] وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: 18] لا يدعون البنوة بالمعنى الذي نسبوه للمسيح  .

  1. تفسير ابن كثير (3/68).