الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
قَالُوا۟ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَآ أَبَدًا مَّا دَامُوا۟ فِيهَا ۖ فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [سورة المائدة:24]، وهذا نكول منهم عن الجهاد، ومخالفة لرسولهم، وتخلف عن مقاتلة الأعداء، وما أحسن ما أجاب به الصحابة يوم بدر رسول الله ﷺ، حين استشارهم في قتال النفير الذين جاءوا لمنع العير الذي كان مع أبي سفيان، فلما فات اقتناص العير، واقترب منهم النفير، وهم في جمع ما بين تسعمائة إلى الألف في العدة، والبَيْض، واليَلب."

البَيْض: هو ما يضعه المقاتل على رأسه مثل المغفر، واليَلب: يمكن أن يفسر بالفولاذ تقول: هذا مقنع بالحديد.
"فتكلم أبو بكر فأحسن، ثم تكلم من تكلم من الصحابة من المهاجرين، ورسول الله ﷺ يقول: أشيروا علي أيها المسلمون، وما يقول ذلك إلا ليستعلم ما عند الأنصار؛ لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذ، فقال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته؛ لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسُرَّ رسول الله ﷺ بقول سعد، ونشطه ذلك."

كانت المعاقدة بين النبي ﷺ، وبين الأنصار في البيعة أنهم يمنعونه مما يمنعون منه أزواجهم، يعني أنهم لا يسلمونه لعدو، فقد يفهم من هذا أنهم يدفعون عنه من قصده في المدينة، لكن كون النبي ﷺ يخرج إلى أهل مكة في بدر، فهل هذا داخل في هذه البيعة أو غير داخل؟ أي هل يلزمهم ذلك، أو لا يلزمهم، فأراد النبي ﷺ أن يسمع منهم.
"وروى أبو بكر بن مردويه عن أنس أن رسول الله ﷺ لما سار إلى بدر استشار المسلمين، فأشار عليه عمر، ثم استشارهم، فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله ﷺ قالوا: إذاً لا نقول له كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [سورة المائدة:24]، والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك" [ورواه الإمام أحمد، والنسائي، ورواه ابن حبان]."

برك الغماد هذه،بعضهم يقول: هي من، وراء الساحل خلف مكة خمس ليالٍ، وبعضهم يقول غير هذا.
"وروى البخاري في المغازي، وفي التفسير من طرق عن عبد الله بن مسعود ، ولفظه في كتاب التفسير قال: قال المقداد يوم بدر: يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [سورة المائدة:24]، ولكن امض، ونحن معك، فكأنه سري عن رسول الله ﷺ."

يعني أن اليهود ابتلاهم الله بخوف، وابتلاهم بطمع، وابتلى الله هذه الأمة بخوف، وابتلاهم بطمع، اليهود قيل لهم: ادخلوا هذه المدينة فهابوا، ونكلوا، وأصحاب النبي ﷺ لما فاتت العير، وبقوا أمام النفير، سألهم النبي ﷺ، فقالوا له: لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى، فهم بهذا أفضل من بني إسرائيل.
وأما الطمع ففي قصة الحيتان التي كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، فغلبهم الطمع، والقرم، وهو شهوة اللحم، فصاروا يحتالون، فيلقون الشباك في الجمعة، ويأخذونها يوم الأحد، فأخفقوا في هذا الامتحان، وأما هذه الأمة فالله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [سورة المائدة:94] فقوله: تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ أي أنه قريب جداً منكم ابتلاء، واختباراً، والنبي ﷺ حينما كان في طريقه إلى مكة مرَّ ﷺ بظبي حاقف - والحاقف هو الذي أمال عنقه إلى بطنه، ونام على صدره - فقال: لا يريبه أحد[1] أي: لا أحد يزعجه، ولا ينفره، فتصور كم عدد الذين مع النبي ﷺ؟ إنهم أعداد هائلة، ومع ذلك لم يحركه، ولم ينفره أحد بل كانوا في غاية الانضباط مع أن العرب يستفزهم الصيد بمجرد رؤيته، ومع ذلك ما حصل منهم هذا، والحاصل أنهم ما كانوا يعتدون، وما كانت تغلبهم شهوة الصيد، فيفعلوا ما نهاهم الله عنه، فهم أفضل من بني إسرائيل حينما لاح لهم الطمع، وأفضل منهم حينما كانوا أمام الخوف.
  1. أخرجه النسائي في كتاب مناسك الحج - ما يجوز للمحرم أكله من الصيد (2818) (ج 5 / ص 182)، وصحح إسناده العلامة الألباني في صحيح النسائي برقم (2818).

مرات الإستماع: 0

"فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ [المائدة: 24] إفراطٌ في العصيان، وسوء الأدب بعبارةٍ تقتضي الكفر، والاستهانة بالله، ورسوله، وأين هؤلاء من الذين قالوا لرسول الله ﷺ : لسنا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل، ولكن نقول لك: اذهب أنت، وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون."

الحاشية هنا المذكورة أسفل ليست لهذا التخريج، إنما الحاشية السابقة الذي هنا أخرجه البيهقي هو تخريجٌ لهذا، أخرجه البيهقي هو تخريج لهذه الرواية "قالوا لرسول الله ﷺ : لسنا نقول لك كما قالت بني إسرائيل" فهنا أخرجه البيهقي في الدلائل، لكنه من مراسيل الزهري، فالزهري يقول: قال المقداد.

يقول: والذي في الصحيح روى البخاري بسنده: سمعت ابن مسعود يقول: "شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لئن أكون صاحبه أحب إليّ مما عُدل به، أتى النبي ﷺ وهو يدعوا على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: فاذهب أنت، وربك فقاتلا، ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، وبين يديك، وخلفك، فرأيت النبي ﷺ أشرق،د وجهه، وسره"[1] هذا رواه البخاري، فهذا قوله: لسنا نقول لك كما قالت بني إسرائيل هذا تخريجه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ... برقم (3952).