يقول تعالى من أجل قتل آدم أخاه ظلماً، وعدواناً كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أي: شرعنا لهم، وأعلمناهم أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا أي: من قتل نفساً بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب، ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعاً؛ لأنه لا فرق عنده بين نفس، ونفس."
فقوله - تبارك، وتعالى -: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا [سورة المائدة:32]، وجه التعلق - والله تعالى أعلم - بين هذه الآية، وبين ما قبلها - أعني المناسبة - هو أن السياق في تعداد جنايات بني إسرائيل، وجرائمهم، وما كتبه الله عليهم، وما كان في ذلك، فذكر لهم هذه القضية لا سيما أنهم أهل عدوان، وظلم، وبغي، وحسد، وإلا فإن هذا لا يدل على أن هذا التحريم إنما وقع لبني إسرائيل، وأنه قبل ذلك لم يكن بهذه المثابة من التحريم.
وقوله: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ هذا للتعليل، ومن أهل العلم من يفسر لفظة أَجْلِ بمعنى جناية، ويذكر شواهد ذلك من كلام العرب، يقول: من جناية ذلك كتبنا على بني إسرائيل، وهذا ليس هو المعنى المتبادر، ومنهم من يقول: إن قوله: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ متعلق بقوله: فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [سورة المائدة:31] أي فأصبح من النادمين من أجل ذلك، والمعنى أنه لما رأى الغراب أحسن حالاً منه في هذا التصرف ندم من أجل ذلك، وهذا الربط فيه شيء من التكلف، فالأقرب - والله تعالى أعلم - أنها للتعليل أي من أجل ما وقع من ابن آدم كتبنا على بني إسرائيل ما كتبنا، أي: شرعنا لهم، وأعلمناهم، وهذا لا يختص بهم.
قوله: أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [سورة المائدة:32] تفسره الآية التي ستأتي، وهي قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ [سورة المائدة:33] فهذا معنى أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [سورة المائدة:32]، وهذا من تفسير القرآن بالقرآن، ويدخل تحت هذا أمور كثيرة جداً، من قتل النفوس المعصومة، والتزوير، ومَن غيَّر منار الأرض، ومن خرب الأنهار، وغوَّر الآبار، وأفسد على الناس حياتهم العامة، وغير ذلك مما يمكن أن يتصور من الجناية على الأعراض، أو النسل إلى غير ذلك من الصور التي لا تحصى، كل ذلك من الإفساد في الأرض.
وفي قوله تعالى: مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [سورة المائدة:32] يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "من قتل نفساً بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب، ولا جناية فكأنما قتل الناس جميعاً؛ لأنه لا فرق عنده بين نفس، ونفس": هذا تفسير لمعنى قوله: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وهذا ذهب إليه كثير من أهل العلم؛ لأنه لا فرق عنده بين إزهاقه لنفس واحدة ، وبين إزهاق سائر النفوس؛ لأنه تعدى على حرمتها، وانتهك ذلك عدواناً، وظلماً فلا فرق بين نفس، ونفس، فمثل هذا يكون قد جنى على زيد، ولا فرق عنده بين زيد، وعمرو، وصالح، وسعيد، فالنفوس المعصومة حرمتها واحدة، فمن انتهك ذلك فكأنما انتهك حرمة جميع الناس.
وتكلف بعضهم في تفسير هذه الآية فقال: هذا فيمن قتل نبياً، أو إماماً عادلاً، وهذا لا دليل عليه إطلاقاً، وإن كان هذا أشد، لكن سياق الآية مَن قَتَلَ نَفْسًا، و"نفساً" هنا نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم، يعني أيّ نفس، لكن توضحه الأدلة الأخرى، وهو أن هذه النفوس يراد بها النفوس المعصومة، فالنبي ﷺ قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث))[1] فإذا كانت هذه النفس مستحقة للقتل فلا ينطبق عليها هذا.
وكذلك الأمر في قوله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [سورة النساء:93] فمثل هذا الأمر الذي يقع لمثل هذا الإنسان الذي قتل واحداً، ويكون مستحقاً له كذلك الذي قتل ألفاً، أو آلاف الناس؛ فالذي قتل واحداً يشترك في الجزاء مع من قتل نفوساً كثيرة، أو جميع النفوس، وهذا من حيث أصل الجزاء الذي هو الخلود في النار، واللعن، والغضب، وهكذا من سلم الناس منه فلم يقتل واحداً من الناس فإنه قد سلمت منه سائر النفوس، هكذا قال أصحاب هذا القول، وهو قول له، وجه، واختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - فيكون أقرب ما يقال في الآية - والله تعالى أعلم - هو ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، وهذا القول، أي من قتل نفساً بغير نفس، أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً؛ لأنه انتهك حرمة النفوس المعصومة، ولا فرق بين نفس، ونفس من هذه النفوس، أو يقال: يشترك جزاء من قتل نفساً واحدة مع من قتل نفوساً كثيرة أي في أصل الجزاء، ولا يبعد أن يكون المراد - والله تعالى أعلم - أن ذلك بالنظر إلى هذه الجناية، وبالنظر إلى جزائها قيل فيه ذلك، والله أعلم.
وقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "من قتل نفساً بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب، ولا جناية": العلماء - رحمهم الله - يحومون حول هذا المعنى، وهو ما عجز عنه المعاصرون في تحديد المراد به، وهو ما يسمونه بالإرهاب، فالإرهاب عرفه بعضهم فقال: هو الإنسان الذي يحمل قنبلة، فقيل لهم: لو أن إنساناً قتل، ولدك، وحملت هذا السلاح، ووضعته لقاتل، ولدك بأن وضعته على السيارة، أو في بيته، فهل هذا بمفهومك يسمى إرهاباً؟ الجواب أنهم لا يريدون هذا المعنى أبداً، وإنما يريدون شيئاً آخر.
ولو تأملنا في عبارة ابن كثير التي يحوم حولها كثير من السلف "من قتل نفساً بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب، ولا جناية فكأنما قتل الناس جميعاً" نجد أنه لا يدخل فيها من يقطع الطريق على أناس معينين بينه، وبينهم مشكلة، وعداوة فأراد أن ينتقم منهم، وأن ينفرد بهم في مكان خال من الناس، فالجنايات الخاصة المبنية على ثارات، أو عداوات شخصية ليست مقصودة هنا، وإنما المراد هو ارتكاب هذه الأشياء من غير مسوغ، ولا سبب، وإنما على سبيل الفساد.
والذي نختلف فيه مع الكفار هو أن الكفار يحملون ذلك على المسلمين فيصفون المسلمين، ومن يدافع عن عرضه، وعن بيته، وعن أهله، وعن بلده بهذه الأوصاف - إرهابيين -، ويبرئون أنفسهم منها، فمفهومهم أن من يقاتلهم، ويردهم عن دياره، وبلاده، وماله، وعرضه، وكل من يقف في، وجوههم، وأطماعهم فهو موصوف بهذا الوصف - إرهابي - أما هم فلا مانع أن يأتوا من، وراء البحار، ويهدموا المدن على أهلها بأفتك أنواع الأسلحة حتى تذوب اللحوم، ولا يبقى إلا العظام، وحتى تحرق الجثث، والبلاد على من فيها فلا ترى إلا ناراً تضطرم، بل هذا عندهم يعتبر نشراً للحريات - نسأل الله العافية - فهذا هو مفهومهم، ولذلك من الخطأ أن نجاريهم على مثل هذه الإطلاقات التي لم يُحدد المراد منها، فنحن لنا استعمالاتنا الشرعية، ومنها أن الذي يفسد في الأرض، ويخرب من غير جناية وقعت عليه فهذا محارب.
ولذلك لما نستعمل الألفاظ الشرعية فإننا نسد الطريق على الكفار، ونقول بكل، وضوح: إن الكفار هم أعظم المحاربين لله، ورسوله، والساعين في الأرض فساداً فلا مجال لتلاعب بالألفاظ، فمن الخطأ مجاراة هؤلاء في أمور ضبابية هم لم يحددوا المراد منها، ويختلفون فيها غاية الاختلاف، ويتنصلون في المؤتمرات التي تقام هنا، وهناك من تحديد المعنى المراد بدقة من أجل أن يلقوا ذلك على كل من أرادوا ممن يقف ضد أهوائهم حتى، ولو لم يحمل سلاحاً كأن يكون داعية إلى الله فإنهم يصمونه بهذا، ولذلك لم يسلم منهم أحد سواء على مستوى الأفراد من التجار، والعلماء، والدعاة، وحتى على مستوى الدول، ولذلك ترى المسلمين في فلسطين منذ خمسين سنة يمطرون بأصناف الأسلحة، ويعيشون حياة لا تعيشها حتى الحيوانات، ومع ذلك هم إرهابيون، وحتى لما جاءوا بالانتخابات بالطريقة الحضارية التي يرتضونها تجدهم يسعون سعياً حثيثاً في خنقهم، وإفشال حكومتهم، وحثّ بل أمر للعالم أن يقاطعوهم مع أنهم يقولون: ديموقراطية، وحريات، وما أشبه ذلك من الألفاظ، والعبارات، لكن كما هو معلوم فإنهم يقصدون الحريات التي توافق أهواءهم، وتعبد فيها الشهوات، ويعظم فيها غير شرع الله - تبارك، وتعالى - أما الحريات التي يعظم فيها شرع الله فهي مرفوضة، والمقصود أن هذا الكلام الذي ذكره الحافظ ابن كثير، والذي يحوم حوله غيره من أهل العلم، وهو أن من وقع منه الإفساد لغير جناية خاصة فإنه يصدق عليه هذا الوصف المذكور في الآية: مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [سورة المائدة:32] يعني من قتل على سبيل الإفساد فكأنما قتل الناس جميعاً، وهذا الفهم في غاية الأهمية، وإلا فإنك إذا أتيت إلى الكفار، وقلت لهم: لو أن أحداً من الناس أخذ سيفه، وضرب به إنساناً بينه، وبينه عداوة فماذا يمسى هذا عندكم؟ فإنهم سيقولون: إنها جريمة مجرم، ولو سألتهم عن شخص أخذ السيف، وخرج إلى الكفار الذين غزوا بلاده واحتلوها لقالوا: هناك فرق بين هذا، وبين هذا، فالثاني إرهابي، والأول جناية خاصة، فهذا هو حالهم حتى إنهم، وصفوا الإسلام بالإرهاب، وقالوا: إن الإسلام انتشر بالسيف، وعبروا عنه بنحو تلك العبارات الشنيعة، فللأسف اختلطت المفاهيم، وحصلت فتنة، وفساد كبير، وذلك لما لم ننضبط مع الضوابط الشرعية كما أمرنا الله حتى إنه وقع إفساد في الأرض باسم نصر الإسلام، وذلك بما نشاهد، ونرى من أغيلمة سفهاء يهلكون الحرث، والنسل تحت اسم الدين، واسم الجهاد، فتجد أحدهم يموت شر ميتة، وهو عند نفسه أنه في غاية القربة إلى الله - تبارك، وتعالى -، فمثل هذه الأشياء ينبغي أن تحرر، وتستعمل فيها الألفاظ الشرعية، وأن نقف عند حدود الله - تبارك، وتعالى - في كل شيء، وأن نفرق بين الأشياء، ومعدن الحق، ومعدن الباطل، ومعدن الشبهات، والله المستعان.
وللأسف فإن مثل هذه القضايا - أعني مثل هذا الكلام الذي ذكره ابن كثير، أو غيره - التي تبين الحق من الباطل، والصواب من الخطأ فإنك لا تجد لها طرْقاً أصلاً في هذا الموضوع الذي عم، وطم - الإرهاب -، وصار يذكر في كل إذاعة، وفضائية، وصحيفة بالمفهوم الغربي، مع أن المفروض على المسلمين أن يقولوا للكافرين: قفوا، فنحن عندنا مبادئنا، وعندنا أحكامنا الخاصة بهذه الشريعة، ولا نقبل أن يملي علينا أحد أحكاماً مثل هذه ثم بعد ذلك يطلب منا أن نجري خلفه فيها، ونرددها.
وقال الأعمش، وغيره عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك، وقد طال الضرب يا أمير المؤمنين، فقال: يا أبا هريرة، أيسرك أن تقتل الناس جميعاً، وإياي معهم، قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قتلت الناس جميعاً، فانصرفْ مأذوناً لك، مأجوراً غير مأزور، قال: فانصرفت، ولم أقاتل."
هذا الذي وقع من عثمان وقع لكمال، ورعه، ولأنه لم يرض أن يُقتل أحد بسببه، وإلا فالمقام يقتضي هذا أصلاً؛ لأنه إمام المسلمين، والخليفة الراشد، وهؤلاء تجمعوا ظلماً، وعدواناً، واجتمعوا على داره يريدون قتله، فلو اجتمعوا على قتل إنسان من آحاد الناس ظلماً، وعدواناً لوجب دفعهم، فكيف عن عثمان الخليفة الراشد؟! كان ينبغي أن يُدفعوا، ويقتلوا إن كانوا لا يُدفعون إلا بقتلهم؛ فهم جاءوا، وقتلوه، واستولوا على المدينة، وصاروا هم الذين يصلون في المسجد، وصاروا هم الأئمة، وأصحاب النبي ﷺ يصلون خلفهم، وبقي الناس في كرب، وفي غربة، في زمن الخلفاء الراشدين، فمثل هؤلاء لا ينبغي أن تبقى الأيدي مكتوفة يتفرجون عليهم، لكن لكمال، ورع عثمان كان يحرج، حيث جاءه أبناء الصحابة كالحسن، والحسين، وجماعة أمثال عبد الله بن الزبير، وكلهم أرادوا الدفع عنه، فكان يحرج على من دخل عليه أن يرفع سلاحاً، أو تراق قطرة دم بسببه ، لكن لا يؤخذ من هذا حكم بأن يقال: لا يجوز الدفع عن أحد من المسلمين، ولو كان الخليفة بسبب أن الآية تدل على هذا، فالآية لا تدل على هذا، لكن هو شيء رآه عثمان مما يختص به.
يعني لو أن كل أحد كف عن القتل لما قتل أحد فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا حيث يسلم الناس منه، ومن شره، وبعض أهل العلم حمله على معنىً آخر فقال: أنقذها من هلكة كالغريق ينقذه إنسان، أو ينقذ إنساناً من حريق، أو ولي الدم يعفو عن القاتل فيكون قد أحيا هذه النفس، لكن هذا المعنى لا يختص بهذه الأمور إطلاقاً، وإنما من ترك القتل، والجناية على النفوس فإن الناس يسلمون منه، ومن شره، ولذلك كأنما أحيا الناس جميعاً.
وقال سعيد بن جبير: من استحلَّ دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعاً، ومن حرَّم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعاً.
قال ابن جريج عن الأعرج عن مجاهد في قوله: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا من قتل النفس المؤمنة متعمداً جعل الله جزاءه جهنم، وغضب عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً، يقول: لو قتل الناس جميعاً لم يزد على مثل ذلك العذاب.
قال ابن جريج: قال مجاهد: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا قال: من لم يقتل أحداً فقد حيي الناس منه.
قوله تعالى: وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ [سورة المائدة:32] أي بالحجج، والبراهين، والدلائل الواضحة، ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [سورة المائدة:32]، وهذا تقريع لهم، وتوبيخ على ارتكابهم المحارم بعد علمهم بها كما كانت بنو قريظة، والنضير، وغيرهم من بني قينقاع ممن حول المدينة من اليهود الذين كانوا يقاتلون مع الأوس، والخزرج إذا وقعت بينهم الحروب في الجاهلية، ثم إذا وضعت الحروب أوزارها، فدوا من أسروه، وودوا من قتلوه، وقد أنكر الله عليهم ذلك في سورة البقرة حيث يقول: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سورة البقرة:84 - 85]."
- أخرجه البخاري في كتاب الديات - باب قول الله تعالى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [سورة المائدة:45] (6484) (ج 6 / ص 2521)، ومسلم في كتاب القسامة، والمحاربين، والقصاص، والديات - باب ما يباح به دم المسلم (1676) (ج 3 / ص 1302).