قوله: أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ أي: الحرام مطلقاً، ويدخل فيه الربا، كما قال الله : وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا [سورة النساء:161]، ويدخل فيه الرشى؛ لأنهم كانوا يأخذون ثمناً قليلاً يستعيضون به عن بيان الحق الذي أمرهم الله أن يبينوه.
والسحت: بعضهم يقول: أصله الهلاك، والشدة، تقول: سحته بمعنى استأصله، وأزاله، وبعضهم - كابن جرير رحمه الله -، وبعض أئمة اللغة من المتقدمين يقول: أصله من كلب الجوع، وذلك أن الإنسان إذا وصف بهذا كلب الجوع، فإنه يأكل في كل وقت، ولا يزال يجد الجوع، فلا يشبع، فمثل هؤلاء الذين يأكلون الرشى، والأموال المحرمة شبهوا بذلك، فهم لا يكتفون بالحلال بل كل ما وقع بأيديهم من مال استحلوه، وأخذوه لشدة جشعهم، وطمعهم، وتهالكهم على الدنيا، ومثل ذلك الإنسان الذي ابتلي بكلب الجوع فإنه يأكل في كل وقت، ولا يشبع، وهذا من حيث أصل المعنى - والله أعلم -.
قال ابن عباس - ا -، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والسدي، وزيد بن أسلم، وعطاء الخرساني، والحسن، وغير واحد: هي منسوخة بقوله: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ [سورة المائدة:49]."
هذا قال به كثير، منهم من ذكر هنا، وغير هؤلاء الزهري، وعمر بن عبد العزيز، بل نسبه القرطبي إلى أكثر العلماء، مع أن كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله - يرى أنها محكمة، وذلك أنه لم يدل دليل على النسخ، والتعارض بين الآيتين ليس من كل، وجه، فهو يقول: متى أمكن أن نجمع بين الآيات فهو مطلوب، يقول: ويمكن الجمع بينها باعتبار أن الله خيره أن يحكم، أو يترك فإن اختار أن يحكم فإنه مأمور أن يحكم بينهم بما أنزل الله.