"مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [المائدة: 46] قد تقدم معنى: مُصَدِّقًا في البقرة".
وذكر ثلاثة أوجه هناك: أنه يشهد بصدقها صراحة، وأن هذه الكتب من عند الله، ويشهد لهؤلاء الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - بالنبوة، والرسالة، وكذلك أيضًا جاء موافقًا لما جاء فيها، فذلك تصديق لها، وكذلك أيضًا فإنه جاء مصدقًا لما فيها من العقائد، والأحكام، ونحو ذلك، يعني هي أخبرت عنه، فجاء كما أخبرت، وكذلك نزل عليه من العقائد، وتوحيد الله والأحكام، ونحو ذلك، ما يصدق ما في تلك الكتب، ولا يناقضها، يعني في الأصول، فذلك تصديق لها.
فيراجع كلامه، والأوجه الثلاثة التي ذكرها صفحة (212).
"لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يعني: التوراة؛ لأنها قبله، والقرآن مصدق للتوراة، والإنجيل؛ لأنهما قبله ومُصَدِّقًا عطف على موضع قوله: فِيهِ هُدًى وَنُورٌ لأنه في موضع الحال".
يعني وَمُصَدِّقًا حال، وهو معطوف على موضع قوله: فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وفِيهِ هُدًى وَنُورٌ هذا أيضًا في محل نصب حال، والتقدير: حال كونه مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [المائدة: 46].
س: ...
عيسى - عليه الصلاة، والسلام - من أنبياء بني إسرائيل، وليس بخارج عنهم، والنصارى متعبدون بالتوراة، فلم تُنسخ في حقهم، فهي كتاب الشريعة، ولكن ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى [الحديد: 27] يعني هؤلاء الأنبياء الذين ذكرهم الله يحكمون بالتوراة، وكان الأنبياء كثير في بني إسرائيل يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [المائدة: 44].
وجاء بعدهم عيسى - عليه الصلاة، والسلام - وهو من جملتهم يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ [المائدة: 44] من جملة من يحكم بالتوراة عيسى - عليه الصلاة، والسلام - وكذلك أيضًا زكريا، ويحيي، قال الله : وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم: 12] فقيل: الحكم هو أن الله علمه التوراة، وأحكام التوراة منذ الصبا، فالشاهد: أن هؤلاء كانوا يحكمون بالتوراة جميعًا، لكن الله خص عيسى - عليه الصلاة، والسلام - باعتبار مكانته من جهة، وباعتبار أن هؤلاء اليهود كفروا به، وأكثر بني إسرائيل لم يؤمنوا بعيسى - عليه الصلاة، والسلام - وقالوا فيه قالة السوء، فخصه من بين هؤلاء الأنبياء الذي يدخل في جملتهم يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ [المائدة: 44] - والله أعلم -.