"وقوله تعالى: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ [سورة المائدة:4647] قرئ وَلْيَحْكُمَ أَهْلُ الإِنجِيلِ بالنصب على أن اللام لام كي، أي وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ [سورة المائدة:46] ليحكم أهل ملته به في زمانهم، وقرئ وَلْيَحْكُمْ بالجزم على أن اللام لام الأمر أي: ليؤمنوا بجميع ما فيه، وليقيموا ما أمروا به فيه، ومما فيه البشارة ببعثة محمد ﷺ، والأمر باتباعه، وتصديقه إذا وجد، كما قال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ الآية [سورة المائدة68]، وقال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ [سورة الأعراف:157] إلى قوله: الْمُفْلِحُونَ [سورة الأعراف:157]، ولهذا قال هاهنا: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [سورة المائدة:47] أي الخارجون عن طاعة ربهم المائلون إلى الباطل التاركون للحق، وقد تقدم أن هذه الآية نزلت في النصارى، وهو ظاهر من السياق."
فما ذكر من القراءتين في قوله - تبارك، وتعالى -:
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ [سورة المائدة:47] سواء كانت اللام لام كي - أي بمعنى التعليل - يعني أنزلنا الإنجيل من أجل أن يحكم، أو أن اللام لام الجزم بمعنى أنه أمرٌ من الله أن يحكموا به، فإن المعنى في القراءتين يرجع إلى شيء واحد في النهاية، وذلك أن الله - تبارك، وتعالى - إنما أنزل الإنجيل، وأنزل سائر الكتب من أجل أن يحكم الناس بها، ولاشك أن الله - تبارك، وتعالى - أمرهم بأن يحكموا بين الناس بهذه الكتب، فكل ذلك متحقق واقع، وبناء على ذلك فمعنى القراءتين يرجع إلى شيء واحد - والله تعالى أعلم -.