السبت 02 / محرّم / 1447 - 28 / يونيو 2025
ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ ۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِىٓ أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلْإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِى ٱلْءَاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [(5) سورة المائدة].
لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث، وما أحله لهم من الطيبات، قال بعده: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى، فقال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} قال ابن عباس، وأبو أمامة ومجاهد، وسعيد بن جُبَيْر وعِكْرِمة وعَطاء والحسن ومَكْحول وإبراهيم النَّخَعِي والسُّدِّي ومُقاتل بن حيَّان: يعني ذبائحهم، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين؛ لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس.
فقوله تبارك و تعالى هنا: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} المراد به قطعاً الذبائح، وليس المراد به سائر الطعام كالخبز ونحو ذلك؛ لأن مثل هذا لا يحتاج إلى تنبيه فهو شيء الأصل فيه الحل؛ لأن الأصل في المطعومات الحل, والأصل في الذبائح المنع، فمثل الفاكهة وما يصنع منها، وكذلك أيضاً ما يصنع من الحبوب أو نحو ذلك من سائر الأطعمة غير الذبائح الأصل فيها الحل، لا فرق فيه بين ما يصنعه أهل الكتاب وما يصنعه المجوس وسائر الأمم، فهو حلال، والله لم يذكر لنا طعام عبدة الأوثان من غير الذبائح؛ لأن الأصل فيه الحل، فيجوز أكل طعام المشركين من غير ذبائحهم, فالمقصود بهذه الآية هنا هو الذبائح خاصة، وأما ما عداها فهم كغيرهم من سائر الأمم طعامهم مباح، إلا أن الطعام هنا على كل حال من العام المراد به الخصوص، وهو الذبائح.
وقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "ذبائحهم حلال للمسلمين؛ لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله" هذا الكلام فيه نظر والله أعلم؛ لأن الصواب أن ذبائحهم ليست مباحة لأنهم يذكرون اسم الله عليها بل قد يذكرون اسم المسيح، وهذا ليس بجديد، بل إنه معروف عنهم منذ أزمان متطاولة، ولذلك استدل طائفة من السلف بهذه الآية على أن ذبائحهم حلال ولو ذكروا عليها غير اسم الله    -- وهذا يدل على أن المسألة واردة منذ عهد الصحابة وبهذا قال أبو الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس ومكحول الدمشقي والزهري محمد بن شهاب وربيعة شيخ الإمام مالك والشعبي وغير هؤلاء، قالوا: ولو ذكروا غير اسم الله؛ لأن الله قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} وهم تارة يذكرون اسم الله وتارة لا يذكرونه.
وخالفهم في هذا أيضاً آخرون فقالوا: إنْ علم أنهم ذكروا غير اسم الله فلا يحل؛ لأن قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} عام مخصص بقوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [(121) سورة الأنعام] فلا يجوز أكله إذا علم أنه لم يذكر اسم الله عليه، وبهذا قال ابن عمر وعائشة والحسن وطائفة، فالمقصود أن هذه المسألة معروفة منذ زمن الصحابة وأنهم قد يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقد يذكرون اسماً آخر كاسم المسيح -عليه الصلاة والسلام- وعلى كل حال يمكن أن يقال -والله تعالى أعلم- إنه إن سُمع أحد منهم يذكر غير اسم الله فإنها لا تؤكل ذبيحته أخذاً بمجموع النصوص وإعمالها جميعاً، فالعام محمول على الخاص, والمطلق يحمل على المقيد، فقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} عام يخصصه قوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [(121) سورة الأنعام] فقد وصفه الله بأنه فسق، فسواء كان ذلك صادراً من أهل الكتاب أو من غيرهم فذلك لا يخرجه عن كونه فسقاً، والله أعلم.
وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال: أدلِي بجراب من شحم يوم خيبر فاحتضنته وقلت: لا أعطي اليوم من هذا أحداً والتفتُّ فإذا النبي ﷺ يبتسم.
كما هو معلوم فإن اليهود يحرم عليهم شحوم الأنعام إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، وما عدا ذلك من الشحوم يحرم عليهم، وفي الحصار عليهم يوم خيبر أنزلوا ما عندهم من شحوم بجراب فاحتضنه عبد الله بن مغفل من شدة الفرح به وقال: لا يعطي منه أحداً.
فاستدل به الفقهاء على أنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الأطعمة ونحوها من الغنيمة قبل القسمة وهذا ظاهر.
طبعاً هذه مسألة خارجة عن موضوع تفسير الآية، وهي هل يجوز للإنسان أن يتناول شيئاً من طعام الغنائم قبل القسمة أم يعتبر هذا من الغلول؟ أخذ العلماء من هذا الحديث أنه يجوز للمجاهد أن يأخذ ما يحتاج إليه من الطعام ولا يعتبر ذلك من الغلول.
واستدل به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على أصحاب مالك في منعهم أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم كالشحوم ونحوها مما حرم عليهم، واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث، وأجود منه في الدلالة ما ثبت في الصحيح أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله ﷺ شاة مصلية وقد سموا ذراعها، وكان يعجبه الذراع فتناوله فنهشَ منه نهشة، فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه وأثّر ذلك السم في ثنايا رسول الله ﷺ وفي أبهره، وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور - وأرضاه- فمات، فقتل اليهودية التي سمتها، وكان اسمها زينب.
ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا.
هذا أمر ظاهر، فما كان يحرم عليهم من الشحوم لا يحرم علينا؛ لأن الله أباحه لنا.
وقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} يدل على أن ذبائحهم مباحة لنا، وهذا يشمل جميع أجزاء هذه الذبائح, لا يُخص منها شيء دون شيء، فإذا حرم عليهم فإن ذلك لا يحرم علينا.
وقوله تعالى: {وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ} [(5) سورة المائدة] أي: ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم، وليس هذا إخباراً عن الحكم عندهم، اللهم إلا أن يكون خبراً عما أمروا به من الأكل من كل طعام ذكر اسم الله عليه.
ماذا يقصد الحافظ ابن كثير بقوله: {{وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ} [(5) سورة المائدة]؟
يحتمل أن يكون المراد أن عندهم في كتابهم أن طعام المسلمين حل لهم، ولكن هذا غير مراد؛ لأن المسلمين جاءوا بعدهم، فلا يكون في كتابهم: كلوا من طعام المسلمين، ومن هنا حمل عامة أهل العلم هذه الآية: {وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ} [(5) سورة المائدة] على أن المعنى أنه يحل لكم أن تعطوهم من طعامكم أنتم، وقالوا: كما أنه يحل طعامهم فعلى سبيل المقابلة والمكافأة ونحو ذلك ينبغي أن تعطوهم أنتم أيضاً من طعامكم وليس معناه أنهم يجدون في كتابهم حل طعام المسلمين إلا أن الاحتمال الآخر الذي ذكره ابن كثير وهو أن عندهم في دينهم أنه يحل لهم طعام سائر الأمم إضافة إلى طعام اليهود, أي من اليهود ومن غير اليهود إلا ما حرم عليهم، فعلى هذا كل من يأتي بعدهم فهو داخل في ذلك، أي أنه ليس المقصود تخصيص المسلمين بهذا؛ لأن المسلمين جاءوا بعد ذلك.
سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها، والأول أظهر في المعنى، أي: ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم، وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة كما ألبس النبي ﷺ ثوبه لعبد الله بن أبي بن سلول حين مات ودفنه فيه، قالوا: لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه, فجازاه النبي ﷺ ذلك بذلك.
ولعله كفنه بثوبه -عليه الصلاة والسلام- لأن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ طلب من النبي ﷺ قميصه أو ثوبه من أجل أن يكفن أباه به، والله أعلم.
فأما الحديث الذي فيه: ((لا تصحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي))([1]) فمحمول على الندب والاستحباب، والله أعلم.
وقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [(5) سورة المائدة] أي: وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات، والظاهر من الآية أن المراد من المحصنات العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [(25) سورة النساء].
هنا يقول: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [(5) سورة المائدة] وفي قراءة الكسائي –وهي قراءة متواترة- (والمحصِنات) بكسر الصاد وعلى هذه القراءة يعنى بهن المحصنات بفروجهن أي العفائف، وعلى قراءة الفتح {وَالْمُحْصَنَاتُ} فسرت بالعفائف وفسرت بالحرائر، وفي آية النساء لما ذكر الله المحرمات من النساء قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(24) سورة النساء] ذكرنا معاني المحصنات وأنها تأتي بمعنى العفائف والحرائر والمتزوجات، فهنا المحصنات فسرت بالعفائف وفسرت أيضاً بالحرائر، والحافظ ابن كثير كلامه هنا يقول فيه: "أي: وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات"، فهو جمع المعنيين، ومعلوم أن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، وليس هناك دليل -والله تعالى أعلم- على تخصيص هذه الآية بأحد المعنيين -الحرائر أو العفائف- مع أن كبير المفسرين أبا جعفر بن جرير -رحمه الله- قال بالأول، وهو أن المراد به الحرائر.
والذي يترتب على هذا التفسير أو ذاك أنه إذا قيل: إن المراد بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [(5) سورة المائدة] يعني الحرائر فمعنى ذلك أنه لا يجوز أن يتزوج الأمة الكتابية؛ وهذا سبق الكلام عليه في آية النساء؛ لأن الله قال: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [(25) سورة النساء] يعني المؤمنات الحرائر {فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [(25) سورة النساء] ومفهومه أنه لا يحل نكاح الأمة غير المسلمة سواء كانت كتابية أو مشركة أو وثنية.
فهنا قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [(5) سورة المائدة] فإذا قلنا: إن المراد بهن الحرائر من الذين أوتوا الكتاب فمعنى ذلك أنه لا يجوز أن تتزوج الأمة وهذا هو منطوق هذه الآية، وقوله في آية النساء: {فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [(25) سورة النساء] مفهومه أن غير المؤمنة ممن هي في ملك اليمين لا يجوز التزوج بها.
وإذا فسرت هذه الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [(5) سورة المائدة] بالعفائف فمعنى ذلك أنه يجوز لمن لم يستطع أن يتزوج المرأة الحرة أن يتزوج الأمة الكتابية إذا كانت عفيفة.
وعلى هذا يمكن أن نخرج بالتقسيم التالي:
إذا قلنا: إن المقصود بالمحصنات العفائف الحرائر -كما قال ابن كثير- فمعنى ذلك أنه لا يجوز تزوج الأمة الكتابية ولو كانت عفيفة، ولا يجوز تزوج الحرة إن كانت غير عفيفة، ولا العفيفة إن كانت غير حرة، أي لا بد من هذا وهذا، فالحرة إذا كانت فاجرة قد هتك عرضها قبل ذلك فإنه لا يجوز للمسلم أن يتزوجها، وهذا إذا فسرت بالعفائف، وحال عامة نسائهم أنك تجدها قبل أن تصل إلى سن البلوغ تكون بكارتها قد ذهبت، ومع ذلك يأتي بعض من يذهب ليتعلم في بلادهم فيتزوجها، ويكفيه أنها تنتسب إلى الدول العظمى فهذا هو نسبها وهو أبوها وقبيلتها، والمقصود أنه يأتي بها مفجوراً بها قبلُ، كما لا يُعرف لها أبٌ حقيقي فيأخذها وليس عنده مشكلة، وإذا ذكرت له بنتاً يُعرف منبتها ومنشؤها وتربيتها في بلده لكن لا يُعرف لها قبيلة فإنه يأنف غاية الأنفة ويسترذل ذلك وتثور ثائرته وثائرة من معه وهذا عين الجهل وهو من انتكاس المفاهيم.
وعلى كل حال إذا فسرت هذه الآية بالحرائر فقط فمعنى ذلك أنه يجوز أن يتزوج الكتابية ولو كانت غير عفيفة -وهذا قاله بعض أهل العلم- لكن وإن قاله بعض أهل العلم فالآيات يفسر بعضها بعضاً، والله يقول: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [(3) سورة النــور] ولولا أن بعض أهل العلم ذكر هذا لما أشرت إليه، فالآية لا تؤخذ بمجردها والله أعلم.
وقد كان عبد الله بن عمر -ا- لا يرى التزويج بالنصرانية، ويقول: لا أعلم شركاً أعظم من أن تقول: إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} الآية [(221) سورة البقرة].
على كل حال قول ابن عمر  معروف, وخالفه في ذلك أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم فهذه الآية دليل على جواز نكاح النصرانية، فالله يقول: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [(5) سورة المائدة] والذين أوتوا الكتاب يدخل فيه النصارى قطعاً، وهم مشركون، واليهود أيضاً عندهم شرك، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ} [(30) سورة التوبة] فاليهود عندهم شرك وعندهم قبور تعبد من دون الله، عندهم أشياء من هذا القبيل إلا أن الشرك فيهم أقل من الشرك في النصارى، وعلى كل حال فهذا القول وإن قال به هذا الإمام من الصحابة - وأرضاهم- إلا أنه خالفه فيه عامة أهل العلم.
وأما قوله -تبارك وتعالى-: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} الآية [(221) سورة البقرة] فلا شك أن الكتابيين من جملة المشركين ولكن الله في بعض الأحيان يذكر هؤلاء ويذكر هؤلاء كما في قوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة] وهذا يدل على وجود فرق بينهم مع أنهم من جملة المشركين، ويمكن أن يقال: هذا مما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا لكن هذا الأخير ليس بإطلاق، فإذا ذكروا مع المشركين فأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والمشركون سائر أهل الإشراك من عبدة الأوثان وغير ذلك، وإذا ذكر أهل الكتاب فلا ينفي عنهم الإشراك لكن ليس معنى ذلك أنه يدخل فيهم غير أهل الكتاب من المشركين، فالمقصود أن أهل الكتاب مع كونهم مشركين إلا أنه يباح التزوج من نسائهم، وقد تزوج جماعة من الصحابة كتابيات، فحال أهل الكتاب معروف منذ ذلك الحين، والله أعلم.
روى ابن أبي حاتم عن أبي مالك الغفاري عن ابن عباس -ا- قال: نزلت هذه الآية: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] قال: فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [(5) سورة المائدة] فنكح الناس نساء أهل الكتاب.
وقد تزوج جماعة من الصحابة - وأرضاهم- من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأساً أخذا بهذه الآية الكريمة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [(5) سورة المائدة] فجعلوا هذه مخصصة للتي في سورة البقرة: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها وإلا فلا معارضة بينها وبينها؛ لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع كقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [(1) سورة البينة] وكقوله: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ} [(20) سورة آل عمران] الآية.
وقوله: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [(5) سورة المائدة] أي: مهورهن أي: كما هن محصنات عفائف فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس.
وقد أفتى جابر بن عبد الله -ا- وعامر العشبي وإبراهيم النخعي، والحسن البصري بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق بينه وبينها وتَرُدّ عليه ما بذل لها من المهر [رواه ابن جرير عنهم].
وقوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [(5) سورة المائدة] فكما شرط الإحصان في النساء، وهي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل أيضاً محصناً عفيفا؛ ولهذا قال: {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} وهم: الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم، {وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} أي: ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن، كما تقدم في سورة النساء سواء.
فما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- لا يحتاج إلى تعليق، ولكنه بقي في الآية بقية وهي قوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [(5) سورة المائدة] فابن كثير -رحمه الله- يترك مثل هذه أحياناً, ويبدو أنه يتركها سهواً ولا أظنه يتعمد تركها؛ لأن مثل هذا يحتاج إلى تفسير.
فعلى كل حال قوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [(5) سورة المائدة] يمكن أن يكون مقيداً بالآية الأخرى وهي قوله -تبارك وتعالى-: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [(217) سورة البقرة] فيكون حبوط الأعمال بالردة إذا مات الإنسان عليها، لكن لو أن أحداً من الناس ارتد عن الإسلام ثم رجع إلى الإسلام، فهل يقال: إن جميع الأعمال التي عملها سابقاً قد بطلت؟ لا يقال هذا؛ لأن العام يحمل على الخاص والمطلق يحمل على المقيد، فالآية الأخرى ذكر فيها هذا القيد {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [(217) سورة البقرة].
وعلى كل حال القول بأن الردة تحبط الأعمال بإطلاق، بمعنى أنه بمجرد ما يرتد المرء يحبط عمله هذا قال به طائفة من السلف، فالمسألة ليست محل إجماع، ولكن لعل الأقرب -والله تعالى أعلم- هو ما ذكرت، وأن القرآن يبين بعضه بعضاً، فما أطلق في موضع بين في موضع آخر بقيد.


[1] - أخرجه أبو داود في كتاب الأدب -  باب من يؤمر أن يجالس (4834) (ج 4 / ص 407) وأحمد (11355) (ج 3 / ص 38) والترمذي في كتاب الزهد – باب  ما جاء في صحبة المؤمن (2395) (ج 4 / ص 600) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7341).
 

مرات الإستماع: 0

"وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5] معنى حل: حلالٌ، والَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] هم اليهود، والنصارى، واختُلف في نصارى بني تغلب من العرب، وفيمن كان مسلمًا، ثم ارتد إلى اليهودية، أو النصرانية، هل يحل لنا طعامهم أم لا؟ ولفظ الآية يقتضي الجواز؛ لأنهم من أهل الكتاب، واختُلف في المجوس، والصابئين، هل هم أهل كتابٍ أم لا؟ وأما الطعام، فهو على ثلاثة أقسام".

قوله: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5] يقول: "معنى حل: حلالٌ والَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] هم اليهود، والنصارى، واختُلف في نصارى بني تغلب من العرب" هذا باعتبار أن عرب بنو تغلب من جملة العرب، وقد رُوي عن علي بأنه لا تُأكل ذبائح نصارى العرب، يعني سواء كانوا من بني تغلب، أو من غيرهم؛ لأنهم ليسوا بأهل كتاب، وقرأ قوله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة: 78] الآية[1].

ومضى ذكر القولين المشهورين فيها لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة: 78] أي: قراءة مجردة، والقول الآخر: أماني: جمع أمنية وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً [البقرة: 80] لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة: 111] وروي أيضًا عن ابن عباس - ا - : أنها تؤكل ذبائحهم[2].

ونقل في الحاشية عن ابن عباس عند ابن جرير: "لا تأكلوا ذبائح نصارى العرب، وذبائح نصارى أرمينية"[3] قال: وهو ضعيفٌ جدًا.

فظاهر الآية العموم وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5] سواء كانوا من العرب، أو من غير العرب، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن كل من اعتقد، ودان دينهم فهو منهم[4] يعني سواء كان من العرب، أو من غير العرب، بلا قيد، وسواء كان ممن التحق بدينهم، وآمن به بعد نسخه، أو كان آباؤه على هذا الدين قبل النسخ؛ لأن من أهل العلم من يفرقون في أكل ذبيحة اليهودي، أو النصراني، فبعضهم يقول: إذا عُلم أن آباءه قد دانوا بهذا الدين بعد نسخه، فإنه لا تؤكل ذبائحهم - ولو كان من غير العرب - لأنهم اعتنقوا دينًا باطلاً، فلو كان الجد المتقدم جدًا دان باليهودية بعد بعث المسيح فإنه لا تُقبل ذبيحته، وإذا دان باليهودية، أو النصرانية بعد بعث النبي ﷺ فلا تُقبل ذبيحته، وهذا الكلام لا دليل عليه.

قال: "ولفظ الآية يقتضي الجواز؛ لأنهم من أهل الكتاب، واختُلف في المجوس" وقد نقل بعض أهل العلم الاتفاق على منع الأكل من ذبائح المجوس[5] وقد جاء في حديث: سنّوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم[6] لكنه لا يصح.

قال: "واختُلف في المجوس، والصابئين، هل هم أهل كتابٍ أم لا؟" الصابئة خلاف أهل العلم فيهم بناءً على ما تقدم هل الصابئة هم عبدة الكواكب؟ ومن ثم فلا تؤكل ذبائحهم، أو أن الصابئة قومٌ على الفطرة، لم يُبعث فيهم نبي، يعبدون الله من غير إشراك، ففي هذه الحال تُؤكل ذبائحهم، وهكذا من قال بأن الصابئة هم قومٌ من النصارى فإنهم يكونون من جملة أهل الكتاب؛ ولهذا تجد الخلاف مبناه على هذا، فعند أبي حنيفة مثلاً أباح ذبائح الصابئة باعتبار أنهم يؤمنون بكتاب، وهو الزبور، وهم عنده لا يقصدون عبادة الكواكب، وإنما يعظمونها فيتوجهون إليها، كما يتوجه المسلمون إلى الكعبة في الصلاة، لكن خالفه صاحباه: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن[7].

وكذلك المالكية خالفوا في هذا[8] والشافعية يقولون: تؤكل ذبائحهم إن لم يكفرهم النصارى، ولم يخالفوهم في أصل دينهم بهذا الشرط[9].

وابن قدامة - رحمه الله - فصل في هذا، وهو أنهم إن وافقوا أحد أهل الكتابين في دينهم، ونبيهم، فتؤكل ذبائحهم، وإن خالفوهم فلا تؤكل[10].

فالمقصود: أن الصابئة يُفصل فيهم؛ لأن لفظ الصابئة بهذا اللقب يُطلق بإطلاقات متعددة، فيقال: ما المراد بالصابئة؟ فإذا قلنا: إنهم قومٌ على الفطرة لم يُبعث فيهم نبي، فتؤكل ذبائحهم، وهؤلاء لا وجود لهم الآن بهذه الصفة؛ وكذلك أيضًا إذا قيل: بأنهم طائفة من أهل الكتاب من النصارى مثلاً، فإنها تُؤكل ذبائحهم، وإذا فُسر بعبدة الكواكب فإن ذبائحهم لا تُؤكل.

"وأما الطعام فهو على ثلاثة أقسام:

أحدها: الذبائح، وقد اتفق العلماء على أنها مرادةٌ في الآية، فأجازوا أكل ذبائح اليهود، والنصارى، واختلفوا فيما هو محرمٌ عليهم في دينهم، هل يحل لنا أم لا؟ على ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، والكراهة، وهذا الاختلاف مبنيٌ على هل هو من طعامهم أم لا؟ فإن أُريد بطعامهم ما ذبحوه جاز، وإن أُريد به ما يحل لهم مُنع، والكراهة: توسطٌ بين القولين".

يقول: "أما الطعام": الله يقول: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5] ولا شك أن ما يصنعونه من غير ذبائحهم من ألوان الطعام، كالثريد، ونحوه إن هذا لا إشكال، سواء أن كان الذي صنعه من أهل الكتاب، أو من غير أهل الكتاب، حتى المشركين بطوائفهم المختلفة يجوز أكل ذلك، ولكن المقصود بالطعام في الآية هو الذبائح.

يقول: "وقد اتفق العلماء على أنها مرادةٌ في الآية، فأجازوا أكل ذبائح اليهود، والنصارى" فمعنى: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] أي: الذبائح، وبهذا فسرها جماعة كبيرة من السلف، كابن عباس، وأبي أمامة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء، والحسن، ومكحول، والنخعي، والسدي، ومقاتل[11] - والله تعالى أعلم -.

قال: "واختلفوا فيما هو محرمٌ عليهم في دينهم، هل يحل لنا أم لا؟" يعني من ذبائحهم ما هو محرمٌ عليهم في دينهم فهل يحل لنا، أو لا يحل؟ الله - تبارك، وتعالى - مثلاً أخبرنا عن اليهود أنه حرّم عليهم كل ذي ظفر، فإذا ذبحوه هم، فهو محرم عليهم في دينهم، لكن هل يحل لنا أكله، أو لا؟

على ثلاثة أقوال:

الأول: الجواز" وهذا عند الجمهور، عدا المالكية، يدل على هذا ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن المغفل  قال: أصبت جرابًا من شحم، يوم خيبر، قال: فالتزمته، فقلتُ: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا، قال: فالتفتُ فإذا رسول الله ﷺ متبسمًا[12] مع أن الشحوم محرمة عليهم، وهم الذي ذبحوا هذه البهيمة، وهكذا أكل النبي ﷺ من الشاة المصلية عند اليهودية في يوم خيبر[13] من غير استفصال لهم، هل نزعوا ما يعتقدون تحريمه كالشحم مثلاً، أو لا؟ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ [الأنعام: 146] والحوايا فُسرت بالثروب، والشحم الذي يغشى المصران، ونحو ذلك، فهو محرمٌ عليهم، فهل يحل لنا، وهم الذي ذبحوا هذه البهيمة؟ وكذلك لو ذبحوا من ذوات الأظفار، كالبط، والإوز، ونحو ذلك.

قال: "الجواز، والمنع، والكراهة، وهذا الاختلاف مبني على هل هو من طعامهم أم لا؟" وتجدون في كلام فقهاء المالكية، وغيرهم تفاصيل في هذا، فهذه الذبيحة التي ذبحوها إضافةً إلى القول: بأن ما يحرُم عليهم هل يكون حلالاً لنا؟ فالفقهاء يُفصِّلون في ذلك، فيذكرون صورًا عديدة: الأولى: إذا ذبح شيئًا يملكه لنفسه هل لنا أن نأكل؟ والصورة الثانية: ذبح لمسلمٍ من غير طلبٍ من المسلم، والصورة الثالثة: ذبح لمسلمٍ بأمرٍ من المسلم، بأن قال: اذبح لي هذه الذبيحة، والصورة الرابعة: إذا ذبح يهودي لنصراني، أو نصراني ليهودي هل يحل أكله، أو لا يحل أكله؟ فتجد أقوال الفقهاء - رحمهم الله - تختلف بحسب هذه الصور، وكل هذه التفاصيل ترجع إلى موضوعٍ واحد، وهو أن المراد بالطعام الذبائح قطعًا، وليس سائر الطعام، فكل هذا مبني على قوله: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] فالمحرم عليهم هل هو من طعامهم فيحل لنا؟ أو ليس من طعامهم فيحرم؟ فمأخذ المسألة واضح.

يقول: "فإن أُريد بطعامهم ما ذبحوه جاز، وإن أُريد به ما يحل لهم مُنع، والكراهة توسط بين القولين".

وقوله - تبارك، وتعالى - : وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5] استدل به جمعٌ من أهل العلم على حل ذبائحهم، ولو لم يذكروا اسم الله عليها، بل قال بعضهم: لو ذكروا اسم غير الله فإنه يجوز، قالوا: لأن من عادتهم أنهم يذكرون اسم المسيح، ونحو ذلك على ذبائحهم، وهذا مروي عن جماعة من الصحابة، فمن بعدهم: كأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وابن عباس، ومن التابعين: الزهري، وربيعة، والشعبي، ومكحول[14] لكن هذا ليس محل اتفاق، فقد خالفهم في ذلك أيضًا جمعٌ من الصحابة فمن بعدهم: كعلي، وابن عمر، وعائشة، والحسن[15] فيما إذا علمنا أنهم ذكروا غير اسم الله على الذبيحة؛ لأن الله  يقول: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: 121] هذا فيما لم يُذكر، فكيف بذكر غيره على الذبيحة؟

"القسم الثاني: ما لا محاولة لهم فيه، كالقمح، والفاكهة، فهو جائزٌ لنا باتفاق".

نعرف هذا القدر، وهو أن المقصود بـطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] هي ذبائحهم، أما التفاصيل في الأحكام الفقهية فليس هذا مما يُذكر في هذا المقام، لكن المؤلف أشار إليها، فأردتُ أن أبيّن مأخذ المسألة، وأن المسألة ليست محل اتفاق، وإلا فهذا - كما تعلمون - يطول، ويتحول معه الكتاب إلى شيءٍ آخر، وليس من منهج المؤلف، ونحن لا ندرس كتابًا في أحكام القرآن.

"والثالث: ما فيه محاولة: كالخَبْز، وتعصير الزيت، وعقد الجبن، وشبه ذلك مما يمكن استعمال النجاسة فيه، فمنعه ابن عباس؛ لأنه رأى أن طعامهم هو الذبائح خاصة[16] ولأنه يمكن أن يكون نجسًا، وأجازه الجمهور؛ لأنه رأوه داخلاً في طعامهم، هذا إذا كان استعمال النجاسة فيه محتملاً، فأما إذا تحققنا استعمال النجاسة فيه كالخمر، والخنزير، والميتة، فلا يجوز أصلاً".

النوع الثاني: ما لا محاولة لهم فيه، كأن يكون عندهم قمح، وأعطونا من هذا القمح، لم يُصنع، ولم يُطحن، ولم يُخبر، فهذا جائز بالاتفاق، ولا إشكال فيه.

الثالث: ما دخلته الصنعة من هذه الأمور، غير الذبائح مثل: الجبن، والخبز، ونحو ذلك مما صنعوه، وفيه محاولةٌ، وعمل، واعتمال منهم، كالخُبز، أو الخَبز، وتعصير الزيت، وعقد الجبن، وشبه ذلك، مما يمكن استعمل النجاسة فيه، فمنعه ابن عباس، قال: "لأنه رأى أن طعامهم هو الذبائح خاصة؛ ولأنه يمكن أن يكون نجسًا، وأجازه الجمهور؛ لأنهم رأوه داخلاً في طعامهم" المقصود بطعامهم في الآية: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5] الذبائح، فذبائحهم حلال للمسلمين، لكن غير الذبائح يرى ابن عباس - ا - منعه؛ لأنه رأى أن طعامهم هو الذبائح خاصة.

وهذا جاء عن ابن عباس من الطريق المعروف، وهو طريق ابن أبي طلحة[17] وتعرفون أن هذه الطريق يجودها بعض أهل العلم. 

فوجه الكلام هنا أن ابن عباس - ا - يرى أن المباح بلا تفصيل هي الذبائح، أما غير الذبائح مما يكون لهم فيه عمل، ويمكن استعمال النجاسة فيه، فهذا منعه؛ لأنه يمكن أن يكون نجسًا، مع أن هذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل الطهارة، وورود النجاسة هذا خلاف الأصل، يعني باعتبار أنهم يشربون الخمر بآنيتهم، على القول بأنها نجسة العين، والراجح أنها نجسة حكمًا، ومعنى، وليست بنجسة حسًا، وعينًا، وكذلك أيضًا باعتبار أنهم يطبخون بها الخنزير، وهو نجس العين، وما أشبه ذلك؛ ولهذا يتكلم الفقهاء - رحمهم الله - على استعمال آنية أهل الكتاب مثلاً، هل لا بد من رحضها بالماء، وغسلها؟ لهذا السبب، فإذا قلنا: بأن الأصل الطهارة فإنه يجوز أكل هذه الأطعمة التي صنعوها، ما لم يُعلم وجود النجاسة فيها، بناءً على الأصل؛ لأن الأصل في المطعومات الحل، وهذا تدل عليه أدلة، منها: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [طه: 81] كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا [البقرة: 168] والمحرمات محصورة محدودة معدودة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ [المائدة: 3] إلى آخره.

قال: "وأجازه الجمهور؛ لأنهم رأوه داخلاً في طعامهم" وأيضًا باعتبار الأصل "هذا إذا كان استعمال النجاسة فيه محتملاً، فأما إذا تحققنا استعمال النجاسة فيه كالخمر، والخنزير، والميتة فلا يجوز أصلاً" يعني مثل إدخال مثلاً مشتقات الخنزير في الحلوى، وسائر المصنوعات، وهذا كثير في هذا العصر، ومثل هذا يُكتب عليه غالبًا ما يدل على دخول هذه المشتقات، كذلك دخول الخمر يكتبون أن هذه الحلوى، أو نحو ذلك تحتوي على نسبة من الكحول، أو كذا، فإذا تُحقق مثل هذا فلا يؤكل، بهذا التفصيل، وإلا الأصل الحل، فالحلوى التي يصنعونها، وسائر أنواع المطعومات يجوز أكلها، إلا إذا تُحققت النجاسة، أو الشيء المحرم على هذه الأمة، يعني الخمر حرام، وإن قلنا: بأنه ليس بنجس العين، لكن إذا أُدخل في هذه المصنوعات من الأطعمة، فإنه لا يؤكل، والميتة فلا يجوز أصلاً.

"وقد صنّف الطرطوشي في تحريم جبن النصارى، وقال: إنه ينجس البائع، والمشتري، والآلة؛ لأنهم يعقدونه بأنفحة الميتة".

"بأنفحة الميتة" فإذا عُلم منهم مثل هذا فلا إشكال، والأنفحة فيها أربع لغات - وأذكر ذلك لأنكم تجدون أحيانًا ضبطه في كتب الفقه، واللغة يختلف - يقال: أَنْفِحَة، بفتح الهمزة، وكسرها: إِنفحة، وهذا هو الأشهر، وهو كسر الهمزة، وفتح الحاء مخففة، وفيه لغات أخرى.

والأنفحة هذه هي مادة صفراء، تُؤخذ من الجدي قبل أن يطعم غير اللبن، وهو حديث الولادة، ويوضع في اللبن، فينعقد، ويصير جبنًا، وهذا قبل أن يرعى هذا الجدي، فقد يكون هذا ميتًا، أو أنهم لا يحصلون عليه أصلاً إلا بعد مفارقة الروح الجسد، فقد يموت عندهم جدي، أو يولد ميتًا، أو تموت شاة، وفي بطنها حمل، فيشقون بطنها، ويستخرجون ذلك منه ميتًا، فإذا عُلم ذلك فلا يجوز.

"ويجري مجرى ذلك الزيت إذا علمنا أنهم يجعلونه في ظروف الميتة".

يعني مثل جلود الميتة مما يطهره الدباغ، وعلى القول بأن جلد الميتة لا يطهره الدباغ فيدخل في هذا، فيُمنع، وكذلك لو كان مما لا يطهره الدباغ، كجلود السباع، والحيات، والتماسيح، ونحو هذا، فهذا لا يطهره الدباغ، وهذه تستعمل في الأشياء الجافة، لكن وضع المائع فيها كالزيت، ونحوه تنتقل معه النجاسة كما هو معلوم.

"وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة: 5] هذه إباحةٌ للمسلمين أن يطعموا أهل الكتاب من طعامهم".

المقصود هنا إن التحليل من الجهتين، يعني قد يكون التحليل من جهةٍ واحدة مثل: النساء، فنساء أهل الكتاب حلٌ لنا، لكن هل تحل نسائنا لهم؟ الجواب: لا، فالتحليل من جهةٍ واحدة، لكن هنا في الطعام من الجهتين، طعامنا يحل لهم، ومن، ثم يمكن أن نقدم لهم طعامنا، من الذبائح، ويأكلونه، وكذلك أيضًا طعامهم حلٌ لنا.

"وَالْمُحْصَناتُ [المائدة: 5] عطفٌ على الطعام المحلل".

 

وَالْمُحْصَناتُ [المائدة: 5] بالفتح على قراءة الجمهور، وعلى قراءة الكسائي بالكسر: (وَالْمُحْصِنَاتُ مِنَ النِّسَاء)[18].

"وقد تقدّم أن الإحصان له أربعة معانٍ: الإسلام، والتزوج، والعفة، والحرية، فأما الإسلام فلا يصح هنا؛ لقوله: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] وأما التزوج فلا يصح أيضًا؛ لأن ذات الزوج لا تحل لغيره".كما قال الله لما ذكر المحرمات في سورة النساء: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء: 24] يعني ما وقع لكم بالسبي فتحل، فهنا وَالْمُحْصَناتُ [المائدة: 5] وهناك وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء: 24] يعني المتزوجات؛ وذلك أن النكاح يكون سببًا للإحصان؛ ولهذا فُسر به.

 

"ويحتمل هنا: العفة، والحرية، فمن حمله على العفة أجاز نكاح المرأة الكتابية، سواءٌ كانت حرةً، أو أمةً، ومن حمله على الحرية أجاز نكاح الكتابية الحرة، ومنع الأمة، وهو مذهب مالك[19] ولا تعارض بين هذه الآية، وبين قوله: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ [البقرة: 221] لأن هذه في الكتابيات، والأخرى في المشركات، وقد جعل بعض الناس هذه ناسخةً لتلك، وقيل: بالعكس، وقد تقدم معنى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء: 24] ومعنى: الأخدان".

على قراءة الكسائي، وهي قراءة متواترة: (وَالْمُحْصِناتُ) فهذه قد تفسر القراءة الأخرى، ولا سيما أن أصل هذه المادة في اللغة تدل على الحفظ، والحياطة، والحرص، كما قال: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [الأنبياء: 91] فيكون محمل ذلك على العفائف، وفيما يتعلق بالأَمة كما تعلمون أنها أقل شرفًا من الحرة، ومن ثم فإنها قد لا تتنزه عن بعض المقارفات، ولقلة شرفها، وانحطاط مرتبتها، كان عليها نصف الحد، ولم يكن عليها من الحجاب ما يُفرض على الحرة؛ لانحطاط مرتبتها؛ ولهذا قال الله في سورة النور: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور: 32] يعني الأحرار، والأيم هو غير المتزوج وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور: 32] فقيد هؤلاء المماليك بالصلاح، باعتبار أن الفساد فيهم أغلب؛ لأنهم لا يتنزهون، ولا يتورعون عن كثير من المقارفات التي لا تليق.

فإذا فُسر وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] بالعفائف، وكأنه الأقرب - والله تعالى أعلم - ومن ثم فإنه لا يجوز نكاح غير العفيفة من أهل الكتاب، وهي من لها خلان، وأصدقاء، ولا تمتنع من الفواحش، فمثل هذه لا يجوز أن يتزوجها بحجة أنها كتابية، فلا بد من العفاف.

وحمله على الأمة المسلمة يكون بشرطه، وهو: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً [النساء: 25] والطول بمعنى السعة، والقدرة المالية، والغنى أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء: 25] يعني الحرائر فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء: 25] المماليك قيدهن بالإيمان وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [النساء: 25] فالشاهد أنه قيد ذلك بقوله: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النساء: 25] وقال: وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء: 25] وهذا في الأمة المسلمة فغير المسلمة من باب أولى.

والسبب في المنع، وهو أهم الأسباب: أن الرجل إذا تزوج أمةً فالولد يكون مملوكًا لسيدها، فالعلة في الأصل هي رق الولد، فلا يكون هذا النكاح للأمة المؤمنة إلا لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ [النساء: 25] والعنت هو الشدة، كما سبق، والمقصود به مواقعة الفاحشة، فيخشى الوقوع في الإثم، والحرج الشرعي، فيباح له.

وابن جرير فسر وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] بالحرية، بمعنى الحرة من أهل الكتاب، ومنع من تزوج الأمة[20].

والحافظ ابن كثير جمع بين المعنيين، ففسّر المحصنات هنا بالحرائر، والعفيفات، وهي ما اجتمع فيها الوصفان: الحرية، والعفاف، وقال: بأن الظاهر من الآية العفيفات عن الزنا كما في قوله تعالى: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ [النساء: 25][21] ومعنى: غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ [النساء: 25] أي: زانيات، وهي التي تزني مع كل أحد، البغايا، وأصل السفح: هو إراقة الماء، أو المائع، أو نحو ذلك، فذلك بإراقة النطف، مسافحات وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ [النساء: 25] يعني يكون لها خليل تزني معه خاصة دون غيره.

قال: "وهو مذهب مالك" يعني أن المقصود الحرة دون الأمة، قال : "ولا تعارض بين هذه الآية، وبين قوله: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ [البقرة: 221]" فيكون ذلك من باب العام، والخاص، يعني العموم في قوله: الْمُشْرِكَاتِ [البقرة: 221] فالكتابية من جملة المشركات، لكن قوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] مخصصٌ لعموم قوله: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ [البقرة: 221] يكون من باب العام، والخاص، يقول: "وقد جعل بعض الناس هذه ناسخةً لتلك وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ [البقرة: 221]" وهذا غير صحيح، والنسخ لا يثبت بالاحتمال.

"وقيل: بالعكس" أن إباحة الكتابية ناسخة للمشركة، وهذا يمكن أن يسميه بعضهم نسخًا من باب تسمية كل ما يرد على النص من تخصيصٍ للعموم، وتقييد للإطلاق، وبيان للإجمال، هذه ثلاثة، بالإضافة إلى المعنى الرابع: الذي هو الرفع، ومعروف عند المتأخرين إذا قيل: النسخ فهو الرفع.

فالمقصود إذا أُريد بالنسخ معنى التخصيص فهذا لا مشاحة في الاصطلاح، وإذا كان المقصود به رفع الحكم فهذا لا يثبت بالاحتمال.

يقول: "وقد تقدم معنى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء: 24]" فسره فيما مضى بالصداق "ومعنى: الأخدان" وفسّره فيما مضى أيضًا بمعنى: الخليل، والأخدان: الأخلاء.

س: شيخنا - أحسن الله إليكم - قوله: "لأن هذه في الكتابيات، والأخرى في المشركات من العرب" هل يدخل غير العرب أيضًا؟

هذا باعتبار إنه وقت النزول لربما بعضهم تزوج من المشركات من العرب، حتى جاء التحريم، لكن ذلك لا يختص به قطعًا، فكل مشركةٍ فهي محرمة.

  1.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/575)، وتفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (3/465).
  2.  تفسير الإمام الشافعي (2/763)، واللباب في علوم الكتاب (7/211).
  3.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/576).
  4.  دقائق التفسير (2/19).
  5.  تفسير الرازي = مفاتيح الغيب، أو التفسير الكبير (11/295)، وتفسير البغوي - طيبة (4/35)، وتفسير النيسابوري = غرائب القرآن، ورغائب الفرقان (2/551).
  6.  لم نجده بهذه الزيادة غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم في كتب السنة، وإنما ذُكر بهذا اللفظ في تفسير الرازي (6/410)، وتفسير البيضاوي (2/116)، واللباب في علوم الكتاب (4/55).
    وفي مصنف ابن أبي شيبة برقم: (16325)، ومسند الحارث برقم: (675) عن الحسن بن محمد، أن النبي ﷺ. كتب إلى مجوس أهل هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل منه، ومن لم يسلم ضرب عليه الجزية غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم.
  7.  اللباب في شرح الكتاب (3/7)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، وحاشية الشلبي (2/110) والمبسوط للسرخسي (4/211).
  8.  التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (4/75)، والتبصرة للخمي (5/2111).
  9.  الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (2/506)، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (5/301).
  10.  المغني لابن قدامة (7/130).
  11.  تفسير ابن كثير ت سلامة (3/40).
  12.  أخرجه البخاري في كتاب الذبائح، والصيد، باب ذبائح أهل الكتاب، وشحومها، من أهل الحرب، وغيرهم برقم: (5508)، ومسلم في الجهاد، والسير، باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب برقم: (1772)، واللفظ لمسلم. 
  13.  أخرجه أبو داود في كتاب الديات، باب فيمن سقى رجلاً سمًا، أو أطعمه فمات أيقاد منه برقم: (4511)، وقال الألباني: "حسن صحيح".
  14.  تفسير القرطبي (6/76)، وفتح القدير للشوكاني (2/18).
  15.  تفسير القرطبي (6/76)، وفتح القدير للشوكاني (2/18).
  16.  زاد المسير في علم التفسير (1/518).
  17.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/578).
  18.  السبعة في القراءات (ص: 230)، ومحجة القراءات (ص: 196).
  19.  التبصرة للخمي (5/2110).
  20. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/581).
  21. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/42).