الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَٰكِعُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ [سورة المائدة:55] أي: ليس اليهود بأوليائكم، بل ولايتكم راجعة إلى الله، ورسوله، والمؤمنين.
وقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أي: المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقامِ الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين، ومساعدة للمحتاجين، والمساكين.
وأما قوله: وَهُمْ رَاكِعُونَ فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أي: في حال ركوعهم."

يعني أنهم توهموا أن المعنى أنه يؤتي الزكاة، وهو راكع، ويذكرون في هذا أثراً عن علي أنه تصدق بخاتمه، وهو راكع - وهذا لا يصح -، ويقولون: إن المراد بقوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ [سورة المائدة:55] يعني علياً ، وهذا غير صحيح، فهو من جملة أولياء الله - تبارك، وتعالى -، ومن خيار المؤمنين لكن الآية لا تختص به، وإنما هي صادقة عليه، وعلى كل من ينطبق عليه هذا الوصف.
وأما قوله: وَهُمْ رَاكِعُونَ فليس المراد بذلك أنهم في حال الركوع يتصدقون، وإنما يحتمل معنىً آخر، أو معاني أخرى، منها أن يكون معنى وَهُمْ رَاكِعُونَ أي هم في جملة الرُّكَّع - يعني في جملة المصلين - فهم يؤتون الزكاة، ويصلون، حيث يقرن الله كثيراً بين الصلاة، والزكاة، كما في قوله - تبارك، وتعالى -: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [سورة البقرة:43] فيكون هذا من هذا القبيل وَهُمْ رَاكِعُونَ [سورة المائدة:55] أي في جملة المصلين.
ويمكن أن يكون المراد بالركوع معنىً آخر هو الخضوع، والتواضع، والخشوع، وما أشبه ذلك، سواء ربط بما قبله من قوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ بمعنى أنه يؤتيها، ولا يكون بهذا العمل كأنه يترفع، أو يمتن به على ربه - تبارك، وتعالى - أي كأنه يقول: أنا قدمت شيئاً، وإنما المؤمن هو الذي يؤدي العبادة، وحاله كما قال الله : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا، وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [سورة المؤمنون:60] فهو يخاف أن لا يقبل منه ذلك العمل، وعلى هذا إذا فسر الركوع بغير المعنى المتبادر يكون قوله: وَهُمْ رَاكِعُونَ [سورة المائدة:55] معناه الخضوع، والخشوع، والاستكانة لله - تبارك، وتعالى -.
ويمكن أن يقال: إن قوله: وَهُمْ رَاكِعُونَ [سورة المائدة:55] لا يختص بقوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وهي الجملة الأخيرة، وإنما يختص بكل ما قبله أي يقيمون الصلاة يؤتون الزكاة، وهم راكعون، بمعنى أنهم يفعلون ذلك جميعاً - يصلون، ويتعبدون لله ، ويزكون -، وهم في غاية الخشوع، والخضوع لله .
"ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى، فالمعنى وَهُمْ رَاكِعُونَ [سورة المائدة:55] أي: يحضرون في صلواتهم الفريضة في مساجد الله لأداء صلواتهم مع الجماعة، وينفقون صدقاتهم في مصالح المسلمين."

مرات الإستماع: 0

"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ذكر الوليّ بلفظ المفرد إفرادًا لله تعالى بها، ثم عطف على اسمه تعالى الرسول - عليه الصلاة، والسلام - والمؤمنين على سبيل التبع، ولو قال: إنما أولياؤكم لم يكن في الكلام أصلٌ، وتبع.

وَهُمْ رَاكِعُونَ قيل: نزلت في عليّ بن أبي طالب فإنه سأله سائل، وهو راكعٌ في الصلاة، فأعطاه خاتمه[1] وقيل: هي عامّةٌ، وذكر الركوع بعد الصلاة؛ لأنه من أشرف أعمالها، فالواو على القول الأوّل واو الحال، وعلى الثاني للعطف".

هنا القول بأن ذلك نزل في علي لا يصح بحالٍ من الأحوال، وقد ضعَّف جميع الروايات الواردة في هذا الحافظ ابن كثير[2] وجاء هذا عن ابن عباس[3] وعمار[4] وسلمة بن كُهيل[5] ومجاهد[6] بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : بأن ما ورد من أن ذلك في علي وأنه تصدق بخاتمه في الصلاة، موضوع، باتفاق أهل العلم على هذا[7] وقال ابن كثيرٍ في موضعٍ آخر: بأنه لا يصح نزول شيء من الآيات في خصوص عليٍّ [8] لا هذا، ولا غير هذا مع فضائل علي .

يقول: "وقيل: هي عامّةٌ، وذكر الركوع بعد الصلاة؛ لأنه من أشرف أعمالها، فالواو على القول الأوّل واو الحال" يعني يكون في حال الركوع على القول الأول "وعلى الثاني" أن ذلك في عموم أهل الإيمان، وأن ذلك من جمل صفاتهم الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَوهُمْ رَاكِعُونَ فهذا من جملة الأوصاف، يكون للعطف، فلا تختص بعلي .

  1.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/425).
  2.  تفسير ابن كثير ت سلامة (3/139).
  3.  المصدر السابق (3/138).
  4.  المصدر السابق (3/139).
  5.  تفسير ابن أبي حاتم - محققا (4/1162)، وتفسير ابن كثير ت سلامة (3/138).
  6.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/426).
  7.  فضل أبي بكر الصديق (13/1238).
  8.  البداية، والنهاية ط إحياء التراث (7/395).