وقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أي: المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقامِ الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين، ومساعدة للمحتاجين، والمساكين.
وأما قوله: وَهُمْ رَاكِعُونَ فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أي: في حال ركوعهم."
يعني أنهم توهموا أن المعنى أنه يؤتي الزكاة، وهو راكع، ويذكرون في هذا أثراً عن علي أنه تصدق بخاتمه، وهو راكع - وهذا لا يصح -، ويقولون: إن المراد بقوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ [سورة المائدة:55] يعني علياً ، وهذا غير صحيح، فهو من جملة أولياء الله - تبارك، وتعالى -، ومن خيار المؤمنين لكن الآية لا تختص به، وإنما هي صادقة عليه، وعلى كل من ينطبق عليه هذا الوصف.
وأما قوله: وَهُمْ رَاكِعُونَ فليس المراد بذلك أنهم في حال الركوع يتصدقون، وإنما يحتمل معنىً آخر، أو معاني أخرى، منها أن يكون معنى وَهُمْ رَاكِعُونَ أي هم في جملة الرُّكَّع - يعني في جملة المصلين - فهم يؤتون الزكاة، ويصلون، حيث يقرن الله كثيراً بين الصلاة، والزكاة، كما في قوله - تبارك، وتعالى -: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [سورة البقرة:43] فيكون هذا من هذا القبيل وَهُمْ رَاكِعُونَ [سورة المائدة:55] أي في جملة المصلين.
ويمكن أن يكون المراد بالركوع معنىً آخر هو الخضوع، والتواضع، والخشوع، وما أشبه ذلك، سواء ربط بما قبله من قوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ بمعنى أنه يؤتيها، ولا يكون بهذا العمل كأنه يترفع، أو يمتن به على ربه - تبارك، وتعالى - أي كأنه يقول: أنا قدمت شيئاً، وإنما المؤمن هو الذي يؤدي العبادة، وحاله كما قال الله : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا، وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [سورة المؤمنون:60] فهو يخاف أن لا يقبل منه ذلك العمل، وعلى هذا إذا فسر الركوع بغير المعنى المتبادر يكون قوله: وَهُمْ رَاكِعُونَ [سورة المائدة:55] معناه الخضوع، والخشوع، والاستكانة لله - تبارك، وتعالى -.
ويمكن أن يقال: إن قوله: وَهُمْ رَاكِعُونَ [سورة المائدة:55] لا يختص بقوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وهي الجملة الأخيرة، وإنما يختص بكل ما قبله أي يقيمون الصلاة يؤتون الزكاة، وهم راكعون، بمعنى أنهم يفعلون ذلك جميعاً - يصلون، ويتعبدون لله ، ويزكون -، وهم في غاية الخشوع، والخضوع لله .