الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا۟ ٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَٰنًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ۝ إِنَّ الَّذِينَ آمنوا وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة المائدة:68-69].
يقول تعالى: قل يا محمد: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ أي: من الدين حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ أي: حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء، وتعملوا بما فيها، ومما فيها الأمر باتباع محمد ﷺ، والإيمان بمبعثه، والاقتداء بشريعته."

فقوله - تبارك، وتعالى - هنا: وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ [سورة المائدة:68] قال الحافظ هنا: "أي: حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء، وتعملوا بما فيها، ومما فيها الأمر باتباع محمد ﷺ ..." إلى آخره.
وقوله تعالى: حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ يعني العمل بها، والتحاكم إليها.
وقوله: وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ يحتمل أن يكون المراد: ما أنزل إليهم مما أوحاه الله إلى أنبيائهم مما ليس في التوراة، والإنجيل، ويحتمل معنىً آخر أي: سوى التوراة، والإنجيل، وهو القرآن، والفرق بين المعنيين ظاهر، وهذا الأخير هو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - أي أن قوله: وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ المراد به القرآن؛ باعتبار أن النبي ﷺ مبعوث للأحمر، والأسود، فبعثته ﷺ موجهة لأهل الكتاب، ولغيرهم.
والمعنى الذي ذكره ابن كثير - رحمه الله - يلزم منه هذا المعنى فإن مما أنزل إليهم من ربهم أن يؤمنوا بمحمد ﷺ، وأن يتبعوه.
"وقوله: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا [سورة المائدة:68] تقدم تفسيرُه.
فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [سورة المائدة:68] أي فلا تحزن عليهم، ولا يَهيدنَّك ذلك منهم." 

مرات الإستماع: 0

"قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ الآية، أي: لستم على دين يعتد به فيُسمى شيئًا.

حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ومن إقامتها الإيمان بمحمد ﷺ ".

يقول: "حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ومن إقامتها الإيمان بمحمد ﷺ " وكذلك الأمر باتباعه حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ومعنى ذلك: توفية حقوق الكتابين، بالعلم، والعمل، فيدخل فيه ما أُمروا به من الإيمان بالنبي ﷺ وما أُنزل إليه.

"وقوله: وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ قال ابن عباس: يعني القرآن[1]".

وهذا اختيار ابن جرير - رحمه الله -[2] باعتبار أن التأسيس مقدم على التوكيد، فالكتب التي أنزلت عليهم هي التوراة، والإنجيل، ثم قوله: وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وهذا خارج عنها، وزائد عليها، فقال هنا: يعني القرآن. 

"قال: ونزلت الآية بسبب رافع بن حارثة، وسلَّام بن مشكم، ورافع بن حُريملة، وغيرهم من اليهود، جاءوا إلى رسول الله ﷺ فقالوا: إنا نتبع التوراة، ولا نتبع غيرها، ولا نؤمن بك، ولا نتبعك[3]".

وفي تمامه فأنزل الله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ إلى قوله: فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فهذا جاء عن ابن عباس - ا - لكنه لا يصح.

  1.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/218).
  2.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (7/500).
  3.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/473)، والبحر المحيط في التفسير (4/324).