يقول تعالى منكراً على من عبد غيره من الأصنام، والأنداد، والأوثان، ومبيناً له أنها لا تستحق شيئاً من الإلهية، فقال تعالى: قُلْ أي: يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله، من سائر فرق بني آدم، ودخل في ذلك النصارى، وغيرهم: أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا أي: لا يقدر على دفع ضر عنكم، ولا إيصال نفع إليكم وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي: السميع لأقوال عباده، العليم بكل شيء."
فالسياق في الكلام في الآيات السابقة كله في النصارى حيث قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [سورة المائدة:72]، وقال: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ [سورة المائدة:73]، وقال: أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ [سورة المائدة:74]، وقال: مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ [سورة المائدة:75] ثم قال: قُلْ أَتَعْبُدُونَ [سورة المائدة:76]، فقوله: قُلْ أَتَعْبُدُونَ [سورة المائدة:76] متوجه أيضاً إلى النصارى؛ لأن الحديث كان عنهم، ويكون السياق قرينة تدل على هذا، وهذا الذي رجحه كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير - رحمه الله - أي أنها في النصارى، وأما الحافظ ابن كثير فيرى أن الخطاب أعم من ذلك، وأنه يدخل فيه النصارى، والذي يقول: إن هذا في النصارى يقول: إن قوله: وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا [سورة المائدة:77] يعني اليهود، أي أنه يخاطب النصارى، ويحذرهم من اتباع سنن اليهود الذين ضلوا قبلهم فيكونون مشابهين لهم، وعلى طريقتهم في الضلال - والله أعلم -.