الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۝ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ [سورة المائدة:76-77].
يقول تعالى منكراً على من عبد غيره من الأصنام، والأنداد، والأوثان، ومبيناً له أنها لا تستحق شيئاً من الإلهية، فقال تعالى: قُلْ أي: يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله، من سائر فرق بني آدم، ودخل في ذلك النصارى، وغيرهم: أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا أي: لا يقدر على دفع ضر عنكم، ولا إيصال نفع إليكم وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي: السميع لأقوال عباده، العليم بكل شيء."

فالسياق في الكلام في الآيات السابقة كله في النصارى حيث قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [سورة المائدة:72]، وقال: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ [سورة المائدة:73]، وقال: أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ [سورة المائدة:74]، وقال: مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ [سورة المائدة:75] ثم قال: قُلْ أَتَعْبُدُونَ [سورة المائدة:76]، فقوله: قُلْ أَتَعْبُدُونَ [سورة المائدة:76] متوجه أيضاً إلى النصارى؛ لأن الحديث كان عنهم، ويكون السياق قرينة تدل على هذا، وهذا الذي رجحه كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير - رحمه الله - أي أنها في النصارى، وأما الحافظ ابن كثير فيرى أن الخطاب أعم من ذلك، وأنه يدخل فيه النصارى، والذي يقول: إن هذا في النصارى يقول: إن قوله: وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا [سورة المائدة:77] يعني اليهود، أي أنه يخاطب النصارى، ويحذرهم من اتباع سنن اليهود الذين ضلوا قبلهم فيكونون مشابهين لهم، وعلى طريقتهم في الضلال - والله أعلم -.
"وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [سورة المائدة:76] أي: السميع لأقوال عباده العليم بكل شيء فلِمَ عدلتم عنه إلى عبادة جماد لا يسمع، ولا يبصر، ولا يعلم شيئاً، ولا يملك ضراً، ولا نفعاً لغيره، ولا لنفسه؟! 

مرات الإستماع: 0

"قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية، إقامة حجة على من عبد عيسى، وأمه، وهما لا يملكان ضرًّا، ولا نفعًا".

يحتمل أن يكون مختصًّا بالنصارى، كما يقول ابن جرير - رحمه الله -[1] كما خصَّ قوله تعالى: وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا باليهود[2] لكن هذا - والله تعالى أعلم - أولاً ليس محل اتفاق، حتى في قوله: أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا ولذلك ابن كثير - رحمه الله - حمله على عمومه[3] فـقُلْ أَتَعْبُدُونَ لا يختص بالنصارى، لكن السياق هنا في هذه الآية التي قبلها في الكلام على النصارى.

  1. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/486).
  2. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/487).
  3. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/159).