الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لَا تَغْلُوا۟ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓا۟ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا۟ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا۟ كَثِيرًا وَضَلُّوا۟ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ [سورة المائدة:77] أي: لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق، ولا تُطْروا من أُمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية كما صنعتم في المسيح ، وهو نبي من الأنبياء، فجعلتموه إلهاً من دون الله، وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخكم شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديماً."

في قوله: لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ [سورة المائدة:77] يقول: "أي لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق"، وهذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير هو تفسير عام على المعنى، لكن حينما ننظر إلى التركيب، والألفاظ نجد أن قوله: غَيْرَ الْحَقِّ يمكن أن يكون في محل نصب على أنه نعت لمصدر محذوف تقديره، لا تغلوا في دينكم غلواً غير اتباع الحق، لكن هل يجوز للإنسان أن يغلو غلواً حقاً، يعني هل يوجد غلو حق، وغلو باطل؟
من فسر بهذا التفسير قال: المقصود بالغلو الحق هنا استفراغ الوسع في طلب الحق، والبحث عنه، وبذل الجهد في تطلبه، وهذا ليس مذموماً، وبعضهم يقول: إن قوله: غَيْرَ الْحَقِّ [سورة المائدة:77] في محل نصب على الاستثناء المتصل، وبعضهم يقول: استثناء منقطع - والله أعلم -.
"وقوله تعالى: وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ [سورة المائدة:77] أي: وخرجوا عن طريق الاستقامة، والاعتدال إلى طريق الغواية، والضلال."

مرات الإستماع: 0

"قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ خطابٌ للنصارى".

هذا على اختيار ابن جرير[1] وبهذا قال أيضًا جماعة من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية[2] والحافظ ابن القيم[3] ومن المعاصرين: الشيخ عبد الرحمن السعدي[4] ولكن من أهل العلم من عممه فقال: إن قوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ يدخل فيه اليهود، والنصارى، ومما قال بذلك: ابن كثير[5] والطاهر بن عاشور[6].

"والغلوّ: الإفراط، وسبب ذلك: كفر النصارى". 

"قوله تعالى: وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قيل: هم أئمتهم في دين النصرانية، كانوا على ضلالٍ في عيسى، وأضلوا كثيرًا من الناس، ثم ضلوا بكفرهم بمحمدٍ ﷺ وقيل: هم اليهود، والأول: أرجح؛ لوجهين:

أحدهما: أن الضلال وصفٌ لازمٌ للنصارى، ألا ترى قوله تعالى: وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7].

والآخر: أنه يبعد نهي النصارى عن اتباع اليهود، مع ما بينهم من الخلاف، والشقاق".

هذا إذا قلنا بأن الآية في خصوص النصارى، فهو ينهاهم أن يتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا، فالقول الأول أنه ينهاهم عن اتباع أئمةٍ لهم في دين النصرانية، كانوا على ضلال في الاعتقاد في عيسى - عليه الصلاة، والسلام - وهذا الذي اختاره الحافظ ابن كثير - رحمه الله -[7] وهذا التعليل الذي ذكره المؤلف من وجهين وجيه، ألا يتبعوا أسلافًا لهم كانوا على ضلالة، والنصارى ما كانوا يتبعون أهواء اليهود، بل كانوا يعادونهم، والقول الآخر بأنهم اليهود هذا كما ذكرت اختيار ابن جرير - رحمه الله -[8] وبه قال مجاهد من التابعين[9].

  1.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/487).
  2.  اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/78).
  3. التفسير القيم = تفسير القرآن الكريم لابن القيم (ص: 15).
  4.  تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 241).
  5.  تفسير ابن كثير ت سلامة (3/159).
  6.  التحرير، والتنوير (6/290).
  7. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/159).
  8.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/487).
  9.  تفسير القرطبي (6/252).