هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هو المتبادر كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ أي: لا ينهى بعضهم بعضاً عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [سورة المائدة:79] أي: عن المنكر الذي أتوه، وقارفوه، والمعنى واضح، ولذلك تجد عامة أهل العلم إذا تحدثوا عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ذكروا هذه الآية للدلالة على أن ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر سبب للعن، وهذا ذائع شائع معروف، ومن أهل العلم - وعلى الأخص ابن جرير - رحمه الله - من حملها على معنىً آخر، فقال: لاَ يَتَنَاهَوْنَ أي: لا يقصرون، بل هم في تمادٍ، وإسراف على أنفسهم في الباطل، فلا يرعوي الواحد منهم، ولا ينزجر، ولا ينكف عن فعل الباطل، والمنكر، وإنما هو غارق فيه، ومتمادٍ لا يتوب، ولا يفتأ يعمل الباطل، والمنكر من غير ملل، ولا كلل، هكذا فسره كبير المفسرين - رحمه الله - لكن الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هو الأقرب، وهو الذي عليه عامة أهل العلم، وهو المتبادر إلى الذهن، وكأن هذا التفسير الذي ذكره ابن جرير - رحمه الله - صدر منه باعتبار أن الله قال: كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [سورة المائدة:79] فأضاف الفعل يَتَنَاهَوْن إليهم جميعاً ففسره بأنهم لا يقصرون، ولا ينكفون، ولا يرعوون عن منكر فعلوه، فالفعل مضاف إلى الجميع، لكن الذي عليه عامة أهل العلم أنهم لا ينهى بعضهم بعضاًَ، وقالوا: إنه نسب الفعل إليهم؛ لأنه صدر من بعضهم، وإذا صدر من البعض صح أن ينسب إلى الجميع تنزيلاً للجميع منزلة النفس الواحدة، ومعلوم أن لهذا الأسلوب نظائر، فالله يضيف كثيراً من الأفعال إلى الطائفة، وإن كان ذلك قد صدر من بعضها، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [سورة البقرة:91]، والذين قتلوا أنبياء الله هم بعض أسلافهم، ومن ذلك قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ [سورة التوبة:30]، وقد قال ذلك طائفة من اليهود، ومثل ذلك قوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ [سورة البقرة:92]، والذين عبدوا العجل ليسوا كل اليهود، ومن ذلك أيضاً أن الله ذكر عنهم كثيراً من الأفعال، وقد صدرت من طوائف منهم، ولم تصدر من كل واحد منهم، وهذا أسلوب عربي معروف، أي أن يضاف الفعل إلى القوم، أو إلى الطائفة، وإن كان قد صدر من بعضها، وذلك إذا كان أولئك الذين صدر منهم الفعل لهم الغلبة، والظهور، أو كان هؤلاء على طريقتهم، وسنَنَهم، أو أنهم قد رضوا فعلهم، ووافقوهم، ومن ذلك ما يقع عليهم كقوله - تبارك، وتعالى -: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ [سورة البقرة:49]، وهذا، وقع لأجدادهم في زمن فرعون، ولم يقع لكل بني إسرائيل، وكذلك الأمر في قوله: كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [سورة المائدة:79] أي: لا ينهى بعضهم بعضاً، فـ أضاف فَعَلُوهُ إلى الجميع مع أن الفعل، واقع من بعضهم - والله أعلم -.
في قوله: لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [سورة المائدة:79] سمى تركهم للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فعلاً - أي سمى الترك فعلاًً -، وهذا يستدل به الأصوليون الذين يقولون: إن الفعل أربعة أقسام، ويذكرون منه الترك،
وقد قال صاحب المراقي:
فكفنا بالنهي مطلوب النبي | والترك فعل في صحيح المذهب |
لئن قعدنا والنبي يعمل | فذاك منا العمل المضلل |
على كل حال هذه الآيات يذكرها الله في سياق ذكر مخازيَ، ومعايبَ بني إسرائيل إلا أن ذلك لا يختص بهم، فهم لعنوا بسبب هذا، وذلك وعيد لهذه الأمة أيضاً، وتهديد أن لا يقعوا فيما وقع فيه بنو إسرائيل كما سبق في الآيات السابقة: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا [سورة المائدة:76] فالسياق في النصارى لكن هذا أيضاً يتوجه لغيرهم؛ لأن الجميع منهيون عن عبادة غير الله ، وعن الغلو في الدين، وما أشبه ذلك، والمقصود بالغلو في الدين مجاوزة الحد بالإفراط، والتفريط من تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، أما الذي يتمسك بدين الله ظاهراً، وباطناً فهذا ليس بغالٍ إلا عند المفرطين الذين يرون أن إطلاق اللحية غلوٌ، كما أن عند البيئات التي اعتادت على شرب الخمور الذي يتعفف من شرب الخمر عنده غلو، والبيئات المتبرجة يرون المرأة المحتشمة المستترة المحجبة أنها متشددة، وأن عندها غلواً، والناس الذين اعتادوا على سماع الأغاني، وسماع المعازف، وسماع الشر الذي لا يسمع عندهم هذا فيه غلو، والذين اعتادوا على أكل الحرام، والربا الإنسان الذي لا يأكل الربا، ويتحرز من الأشياء المشتبهات هذا متشدد، وعنده غلو، وهكذا كل المضيعين، والمفرطين يرون أن من تمسك بدينه، أو بشيء من دينه أن عنده غلواً، وأنه متشدد، فإذا جاء وقت الصلاة، وهم في عملهم، وأراد الملتزم أن يذهب ليصلي فهذا عندهم فيه غلو في الدين، وهكذا تجد اليوم من يردد هذا الكلام، ويدعو إلى التحذير من الغلو، فأين الغلو؟
إن الغلو اليوم هو في ما نعاني من التفريط، والتضييع، وترك أمر الله ، وانتهاك حدوده، هذا الذي نعاني منه، أما أن يوجد أحد يحرم الحلال، أو يقول: أنا أقوم الليل، ولا أنام، وأصوم، ولا أفطر، أو ما أشبه ذلك، فما رأينا أحداً يتبنى مثل هذا أبداً.
والأحاديث في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كثيرة جداًً، ولنذكر منها ما يناسب هذا المقام:
وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمـان رواه مسلم[2]."
في قوله: مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده "مَـن" من صيغ العموم، وبدأ باليد؛ لأنها أقوى، وأبلغ في إزالة المنكر، وهذا هو المطلوب، فإن عجز عنه انتقل إلى ما دونه مما يخفف المنكر، أو يبرئ الذمة على الأقل، أو يقيم الحجة، ولذلك قال: فإن لم يستطـع فبلسانه، فإن لم يستطـع فبقلبه.
وقوله: فإن لم يستطـع فبقلبه أي يكون كارهاً، ولا يجزئه أن ينتقل من مرتبة إلى أخرى، وهو قادر على التي قبلها.
ومسألة التغيير باليد تجب على كل قادر ما لم يترتب على ذلك مفسدة أكبر، وأما القول بأن هذا يختص بالسلطان فهذا ليس له أصل إطلاقاً؛ فحديث: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده عام، لكن إن ترتب عليه مفسدة أكبر فإنه لا يجوز أن يُغيَّر، ومن نظر في ما جاء عن الصحابة ، فمن بعدهم يجد أنهم كانوا يغيرون بأيديهم لكن فيما لا يترتب عليه مفسدة أكبر، فالإنسان في بيته يغير بيده، وقد يغير أيضاًَ في أماكن أخرى حيث لا يترتب عليه مفسدة، ومن أمثلة ذلك: لو رأى أحدنا، وهو يمشي في الطريق رجلاً يريد أن يظلم، أو يضرب، أو يقتل أحداً ظلماً، وجوراً فهل نكتفي بالنهي باللسان، أم لا بد أن نخلصه باليد؟ لا شك أنك - إذا كنت مستطيعاً - تغير هذا المنكر بيدك.
ومن أمثلة ذلك لو رأيت بيت جارك يُسرق فهل تكتفي بالنهي باللسان فتقول: يا جماعة هذا حرام لا يجوز، وتذهب، وأنت تستطيع أن تغير باليد؟ هذا لا يكفي، ولا تبرأ به الذمة.
وكذلك إذا رأيت الأطفال يلعبون، والناس يصلون ألست تأتي، وتأخذ الكرة من أيديهم، وتقول لهم: هيا إلى الصلاة أم أنه يكفي أن تقول: اذهبوا إلى المسجد، وتتركهم؟ الاكتفاء بالتغيير باللسان في مثل هذه الأمثلة البسيطة لا يكفي.
ابن عمر هتك الستر الذي في بيت الرجل الذي كان عنده، وقال له: متى تحولت الكعبة إلى بيتكم؟ لكن ليس معنى ذلك إذا زرت إنساناً أن تأتي، وتغير بيدك، وتوقع مشكلة معه، فهذا الرجل قَبِل هذا التصرف من ابن عمر إذ إن من الناس من يُقبل منه، ويتحمل الناس منه مثل الرجل الكبير، أو العالم الكبير لكن لا يقبلونه من كل أحد، ولهذا لا يجوز لأحد إذا ذهب إلى بيوت الناس، أو زارهم أن يتلف بعض الصور التي في الجدران، أو يأخذ بروازاً، فيكسره، وإنما يمكن هذا حيث لا تترتب مفسدة.
الخلال، أو المروزي لما وجد جرة، أو نحوها فيها خمر في بيت رجل فقال له الإمام أحمد: هلا وضعت فيها ملحاً، فحط فيها ملحاً يفسدها دون أن يشعر أحد، فهذا من التغيير باليد.
ومرة كان الإمام أحمد يمشي مع أحد أصحابه فوجد صبياً، وامرأة، ومع الصبي دف فخرقه، وإبراهيم النخعي قال: كانوا يأخذون - يقصد أصحاب ابن مسعود - كانوا يأخذون الدفوف من أيدي الصبيان، ويخرقونها.
فالمقصود أن قاعدة تغيير المنكر مطلقة عامة، وأما عبارة: "التغيير باليد مختص بالسلطان" هذه عبارة غير دقيقة، وإنما الصواب إنه حيث لا يترتب عليه مفسدة، فليس لآحاد الناس أن يذهب، ويغير في السوق بيده، ويكسر على الناس بضائعهم، وأشياءهم، ويقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فتقع فتنة في السوق، لكن حيث لا يترتب عليه مفسدة، وهكذا.
فمثلاً: إذا دخلت المسجد، ووجدت أحداً قد علق إعلاناً تجارياً، أو عن مدرسة تجارية أهلية يبدأ التسجيل فيها في تاريخ كذا فبادر بتسجيل ابنك، فهل هذا يصلح في المسجد؟ لا يصلح في المسجد، فما الذي عليك فعله؟ عليك أن تزيل هذا الإعلان، وما شابهه كأن يكون تقويماً فيه صور ذات أرواح، ونحوه، فهذا من التغيير باليد.
ومن أمثلة ذلك لو أن أحداً علَّق، ورقة فيها كلام لا يصلح، كأن يكون فيها تحريض على الخروج على، ولي الأمر، فهذا مما لا يصلح، لذلك عليك أن تأخذ هذه الورقة، وتمزقها، وذلك من التغيير باليد، وهذه الصورة الأخيرة أظنها مما لا يخالف فيها أحد فهي بالإجماع أي أنك تأخذها فترميها، وهكذا الأمر بالنسبة لما لا يترتب عليه مفسدة أكبر، فالإطلاقات ينبغي أن تضبط، ولا بد أن يكون كلام طالب العلم دقيقاً فيقول: حيث لا يترتب عليه مفسدة أكبر، وبالنسبة لمسألة تعارض المفاسد، والمصالح، فهذه مسألة طويلة فيها تفصيل، ليس هنا محل ذكرها - والله أعلم -.
وروى أبو داود عن رجل من أصحاب النبي ﷺ أن النبي ﷺ قال: لن يهلك الناس حتى يعذروا، أو يعذروا من أنفسهم[4].
وروى ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قام خطيباً فكان فيما قال: ألا لا يمنعنَّ رجلاًَ هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه قال: فبكى أبو سعيد، وقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا[5].
وفي حديثٍ عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، ورواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه[6].
وروى الإمام أحمد عن حذيفة عن النبي ﷺ قال: لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه قيل: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق، وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب[7].
في قوله - عليه الصلاة، والسلام -: ألا لا يمنعنَّ رجلاًَ هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه يقول أبو سعيد : "قد، والله رأينا أشياء فهبنا" يقول هذا، وهو من علماء الصحابة.
وفي قوله - عليه الصلاة، والسلام -: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وقوله في الحديث الآخر: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره، ونهاه فقتله[8] صار من اتصف بهذه الصفة بمنزلة سيد الشهداء، وجهاده من أفضل الجهاد؛ لأن هذا أمر تحجم عنه النفوس بما جبلت عليه من الضعف، والخوف الذي يعتريها، فمثل هذه الأشياء ينبغي أن تراعى، ولذلك لا ينبغي أن يكون لسان الإنسان سليطاً يفري به أعراض أهل العلم بحجة أنهم قصروا، وأنهم ما قاموا بواجبهم، ونحو ذلك، بل ينبغي أن يكون هناك مذاكرة، ومناصحة، وتذكير، وإلا فإذا وضع الإنسان نفسه في هذا المقام فقد يكون أعجز من غيره، ولذلك فإن كثيراً من الناس من لا يعرف عيوبه، وضعفه، وتقصيره، ولا يعرف أحياناً أن عنده مشكلة، لكن إذا جاء مقام خوف، وصار أمام الموت أمام القتل أمام العدو فإن الذي يحصل لبعض الناس أن تجده قد انعقدت ركبه فلا يستطيع أن يقوم، ولا يقعد، ولذلك فالحريق الذي وقع قبل سنوات في منى حصل عنده لكثير من الناس، وبالذات النساء أن انعقدت أرجلهن، فمما صارت الواحدة منهن تستطيع القيام، مع أنه قبل ذلك الموقف يمكن أن يكون كثير من الناس لم يكن يظن أن الخوف قد بلغ به هذا المبلغ، وهكذا فيما يزاوله الإنسان من قدرة، وقوة سواء كان ضبط النفس، أو قوة بدنية، فإنه إذا جاء موقف يستثير، وغضب يجد نفسه لا يستطيع أن يتصرف لا بيديه، ولا بعلامات وجهه فتراه مثل المجنون، وكان يظن أنه حليم، وهكذا فيما يبذله الإنسان ببدنه قد يظن أنه قوي، وما عنده مشكلة، وتمشي معه مسافة فتراه قد اصفر وجهه، وجلس، وبدأ يشعر بإغماء، وتدرك ضعفه الشديد، وعجزه، وأنه ضعيف في غاية الضعف، حتى لم يكن يتصور هو نفسه هذا الكلام.
وكذلك بعض الناس نجده إذا جرح في حادث، ولو كان بسيطاً إذا رأى الدم بدأ يصفر وجهه، وترتعش أطرافه، وصارت رجله لا تحمله، ويشعر بإغماء، وهو من قبل ما كان يشعر بهذا، ولا يظن أنه في هذه الدرجة من الضعف.
فالمقصود أن كثيراً من الأشياء لا يدركها الإنسان من نفسه، ومن أراد أن يعرف هذا الجانب من الضعف في الإنكار فليتأمل في نفسه، وهو يصلي إذا سمع من أحد العمال، أو السائقين جواله يرن بالموسيقى، والأغنية، ونحو ذلك في الصلاة، وكان من بجواره مسبلاً ثوبه، ولابساً خاتم ذهب هل ينكر عليه أم لا؟ ربما لا ينكر خوفاً من لا شيء!!
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن ترى إنساناً في الطريق، أو في الشارع، أو عند الإشارة مشغلاً أغاني، وبأصوات مرتفعة، ومع ذلك لا تنكر عليه، فلماذا لا تنكر عليه؟ إنه الخوف من لا شيء!!
وتجد الواحد يجلس مع ناس على، وليمة، وهم ضعاف لا يملكون حولاً، ولا طولاً فيشرب من بجواره بيده اليسرى، ولا إنكار، فلماذا؟ وتجلس في المجلس، وهذا يغتاب، وأنت تنظر، وتبتسم، فلماذا تبتسم بدلاً من أن تنهاه عن الغيبة، وخاصة أنه لا يملك حولاً، ولا قوة؟ فكيف حالك إذن لو جلست مع ناس أعظم من هذا ممن لهم مكانة، وسلطة، وهيبة، ونحو ذلك؟.
فالإنسان لا يدرك في كثير من الأحيان عيوبه، وليس هذا تبريراً للقعود عن الحسبة، لكن أقول: ينبغي للإنسان أن ينظر إلى عيوبه قبل أن ينظر إلى عيوب الناس، وينظر إلى تقصيره قبل أن ينظر إلى تقصير الناس، ينشغل بذنوبه قبل أن ينشغل بذنوب الناس، هذا هو القدر الذي أقصده فقط، ولو أن الإنسان التفت إلى نفسه، ونظر إليها بهذا النظر لاستراح من كثير من الكلام، لكن في كثير من الأحيان الإنسان ينسى نفسه، وينشغل بغيره، ويأتيه الشيطان، ويزهده بأهل العلم، ثم يكون هو الذي يفتي نفسه، أو يكون له من أقرانه، ونظرائه من يفتيه، ومن يجعلونه رئيساً لهم في العلم، ويفتيهم، وهو جاهل، أو لم ينضج بعد، ثم تقع المصائب، والمشكلات، والبلايا.
- أخرجه الترمذي في كتاب الفتن - باب ما جاء في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر (2169) (ج 4 / ص 468)، وأحمد (23349) (ج 5 / ص 388)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7070).
- أخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد، وينقص، وأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجبان (49) (ج 1 / ص 69).
- أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم - باب الأمر، والنهى (4347) (ج 4 / ص 218)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (689).
- أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم - باب الأمر، والنهى (4349) (ج 4 / ص 218)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5231).
- أخرجه الترمذي في كتاب الفتن - باب ما جاء أخبر النبي ﷺ أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة (2191) (ج 4 / ص 483)، وابن ماجه في كتاب الفتن - باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر (4007) (ج 2 / ص 1328)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (168).
- أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم - باب الأمر، والنهى (4346) (ج 4 / ص 217)، والترمذي في كتاب الفتن - باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر (2174) (ج 4 / ص 471)، وابن ماجه في كتاب الفتن - باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر (4011) (ج 2 / ص 1329)، وأحمد (18850) (ج 4 ص 315)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، وصححه الألباني أيضاً في مشكاة المصابيح برقم (3705).
- أخرجه الترمذي في كتاب الفتن - باب 67 (2254) (ج 4 / ص 522)، وابن ماجه في كتاب الفتن - باب قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [سورة المائدة:105] (4016) (ج 1 / ص 1332)، وأحمد (23491) (ج 5 / ص 405)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7797).
- أخرجه الحاكم في مستدركه (4884) (ج 3 / ص 215)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3675).