وعن ابن عمر - ا - أن رسول الله ﷺ قال: خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور[2].
ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر - ا - مثله، قال أيوب: فقلت لنافع: فالحية؟، قال: الحية لا شك فيها ولا يختلف في قتلها، وألحق بالكلب العقور الذئب والسبع والنمر والفهد؛ لأنها أشد ضرراً منه أو لأن الكلب يطلق عليها، فالله أعلم.
الكلب له إطلاقان، له إطلاق متبادر وهو الكلب المعروف، والأصل: أن يحمل مثل هذا الخطاب على الظاهر المتبادر، وقد يطلق بإطلاق أوسع من هذا وهو عند العرب يدخل فيه ما ذكر، كالذئب والنمر والأسد والفهد وما أشبه ذلك، ويدل على هذا: الحديث الذي قال فيه النبي ﷺ : اللهم سلط عليه كلباً من كلابك[3] فعدا عليه الأسد، فهو كلب بهذا الاعتبار، ولذلك فإن بعض من ذكر أسماء الكلب ذكر منها كل هذه الأشياء وقال: إن أبا العلاء المعري - وهو رجل أعمى البصر والبصيرة ولكل مسمى له من اسمه نصيب - كان يمشي في المسجد فعثر برِجْل رجلٍ نائم في المسجد فقال النائم: من هذا الكلب فقال: الكلب الذي لا يعرف للكلب سبعين اسماً، فالسيوطي لما رأى هذا ألف رسالة سماها "التبري من معرة المعري" فجمع للكلب مائة اسم ثم نظمها، فله رسالة في هذا، وذكر من أسماء الكلب الذئب والأسد والنمر، وذكر هذه الأشياء جميعاً، فهي عند العرب بهذا الاعتبار، وأما أهل علم الحيوان المعاصر فعندهم فصيلة الكلبيات لا يدخلون فيها الأسد مثلاً؛ لأنه عندهم من فصيلة السنوريات، وعلى كل حال لا عبرة بهذه الاصطلاحات الجديدة، لكن الكلام يحمل على الظاهر المتبادر.
والمقصود بالعقر في قوله: الكلب العقور أي الذي يعدو على الناس فيعقرهم، وما كان فيه هذا المعنى، بمعنى أنه يعدو فيفسد ويضر فإنه يلحق به، والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى: وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [سورة المائدة:95] قال مجاهد بن جبر: المراد بالمتعمد هنا القاصد إلى قتل الصيد الناسي لإحرامه، فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه فذلك أمره أعظم من أن يكفِّر وقد بطل إحرامه، وهو قول غريب والذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه.
هذا القول الذي ذكره عن مجاهد هو في غاية الغرابة حيث يقول: إن المراد بالمتعمد هنا القاصد إلى قتل الصيد الناسي لإحرامه، يعني أنه قصد قتله وليس حاله كمن أراد أن يقتل كلباً عقوراً يطارد الظباء مثلاً، فأصاب ظبياً فهذا بالخطأ وقد ينسى أنه محرم ويقتل الصيد، ففي هذه الحال يكون وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ [سورة المائدة:95] لكن إذا كان ذاكراً لإحرامه - فعند مجاهد - الأمر يختلف فهو يرى أن الإحرام قد بطل، وهذا قول في غاية الغرابة، فارتكاب محظورات الإحرام وقتل الصيد لا تبطل الإحرام وإنما يبطله الجماع فقط.
وجمهور أهل العلم يقولون في قوله: وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا [سورة المائدة:95] مفهوم المخالفة لهذا الشرط غير معتبر، أي من قتله متعمداً ومن قتله غير متعمد، فإنْ قتَله غير متعمد كأن يكون قتله خطأ أو قتله متعمداً؛ لأنه قد نسي إحرامه فعليه الجزاء ولا إثم عليه؛ لأنه لا يؤاخذ بالخطأ والنسيان، وإنْ قتله متعمداً ذاكراً للإحرام فإنه في هذه الحال يكون عليه الجزاء ويأثم، فهذا الجزاء ليس بكفارة، وهذا المعنى أكده ابن جرير وقوّاه، وقال: هذا ليس من باب الأمور المكفِّرة خلافاً لما جاء في الحدود بأنها كفارات..الخ، فالحاصل أن هذا عندهم من قبيل الجناية التي توجب العوض، والإثم يبقى بينه وبين الله .
وهناك قول آخر: وهو أن هذا الشرط وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا [سورة المائدة:95] هو قيد معتبر، ومفهومه أنه إن قتله من غير عمد فلا شيء عليه؛ لأن هذا القيد علق عليه الحكم، وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [سورة المائدة:95] مفهوم المخالفة إن قتله غير عامد فلا جزاء، هذا هو ظاهر القرآن، وهو الأقرب والله تعالى أعلم، وهذا القول منقول عن ابن عباس – ا - وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد خلافاً للأئمة الثلاثة، وبه قال جماعة كداود الظاهري وسعيد بن جبير وطاوس بن كيسان وأبي ثور، والحسن، وإبراهيم النخعي، وهو الذي رجحه ابن جرير الطبري، ومال إليه الشيخ محمد الأمين - رحمه الله - وعلى كل حال فمفهوم المخالفة حجة، لكن الذين قالوا: إنه هنا غير معتبر جعلوه أحد الأنواع السبعة أو الثمانية التي لا يعتبر فيها مفهوم المخالفة، ومنها أن يكون ذلك خرج مخرج الغالب، فإذا خرج مخرج الغالب فليس بمعتبر نحو قوله تعالى في المحرمات من النساء: وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ [سورة النساء:23] فلو كانت الربيبة ليست في حجره وإنما هي عند جدتها فإنها تحرم عليه أيضاً، إذاً قول الله : وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ [سورة النساء:23] مفهوم المخالفة لهذه الآية أنها إن لم تكن في حجره فإنها تحل له لكن قالوا: هذا خرج مخرج الغالب، وهذا هو الراجح في هذه الآية، وذلك أن الغالب أن تكون مع أمها عنده فتحرم عليه، فإن كانت في مكان آخر – خلاف الغالب - فإنها تحرم عليه أيضاً.
وهنا في الصيد الذين قالوا: إن المفهوم غير معتبر، قالوا: إن قوله: مُّتَعَمِّدًا خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن الإنسان يعمد إلى قتل الصيد ويستفزه الصيد إذا رآه حيث إنه لا يتمالك ولا يصبر فينسى نفسه ويسرع إلى قتله، هذا هو الغالب، وقالوا: إن الصيد أحد وجوه المكاسب المعروفة عند العرب فهم يتطلبونه غاية التطلب بخلاف غيرهم من بعض الأمم الذين لا يشتغلون بالصيد، والله المستعان.
الذين قالوا: إنه لا يضمن الصيد، قالوا: الإتلاف مضمون في حق الآدميين، فلو أن إنساناً صدم دابة إنسان، أي قتلها خطأً فإنه يضمن، ولو أتلف سيارته خطأً فإنه يضمن، فالخطأ لا يذهب معه الحق، لكن هذا يختلف، فهذا في حق الله وصاحب الحق يقول: وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [سورة المائدة:95] أي فمن قتله غير متعمد فلا جزاء، هذا صاحب الحق جعل ذلك على العامد دون غيره، هذا جواب من قال: إن ذلك يختص بالعمد، والله أعلم.
قوله: فَجَزَاء مِّثْلُ مَا الراجح أن المثل ثم ما ذكر بعده أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [سورة المائدة:95] ليس للتخيير، وإنما ما كان له مثل فيجب فيه المثل وهذه المثلية إنما تكون لوجه من الشبه في الظاهر، ولهذا قالوا: الحمامة فيها شاة مع أنها ليست مثلها في الحجم، لكن قالوا: إنها عندما تشرب تعب الماء عباً، فهي تشرب بنفس الطريقة التي تشرب فيها الشاة فجعلوا فيها الشاة، وأما الدجاجة فطريقة شربها تختلف عن الحمامة فهي التي تقر الماء بأن تأخذه بمنقارها ثم ترفع رأسها حتى ينحدر، فالمقصود أن المثلية تكون لوجه من الشبه وليس للمطابقة، وهذا مما يستدل به على أن لفظة المثل لا تعني المطابقة من كل وجه في كل المواضع خلافاً للمشهور، فالمشهور أن الشبيه هو الذي يوجد بينه وبين مشابهه بعض وجوه التطابق أي يتطابق معه من بعض الوجوه فتقول: فلان يشبه فلاناً، وأما المثل فالمشهور أنه ما كان مطابقاً لنظيره، لكن المثل هنا في الآية فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [سورة المائدة:95] ليس المراد به المطابقة، ولذلك يقولون مثلاً: الوعل فيه بقرة، والنعامة فيها بدنة، والزرافة فيها بدنة مع أن الزرافة أكبر من البعير، والشاة أكبر من الحمامة والجدي أكبر من الضب، وهكذا.
وما حكم فيه الصحابة رُجع فيه إلى حكمهم، فقوله: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ [سورة المائدة:95] يعني من المسلمين، فيُرجع إلى أحكام الصحابة في هذا فيما حكموا فيه وما لم يحكم فيه الصحابة فإنه يحكم به اثنان من ذوي العدالة من المسلمين، وما ليس له مثل فإنه ينتقل إلى ما ذكر بعده أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ [سورة المائدة:95] والمراد بالمساكين هنا يعني من مساكين الحرم، والعلماء اختلفوا في تقدير هذا الإطعام، والأقرب - والله تعالى أعلم - أن ذلك باعتبار قيمة الصيد، لكن أيضاً اختلفوا في تحديد قيمة الصيد هل هو بسعره في ذلك المحل في ذلك اليوم؟، فقد يوجد في منطقة ما من يأكلون الصيود ولا يرفعون لها رأساً أو نحو ذلك فمثل هذا لو جاء الإنسان يبيع الصيد أو يشتريه فيمكن أن لا يباع ولا بريال وفي مكان آخر قد يباع بألف أو أكثر، فبعضهم قال: إنه يرجع في القيمة إلى المحل الذي هو فيه في يومه.
وقال بعضهم: بل يعرف ثمن الصيد الذي يستحقه فعلاً ثم يخرج بقدر ذلك من الطعام بحيث لو فرضنا أن قيمة الصيد تساوي خمسمائة ريال فإنه يشترى بهذا المبلغ برّاً أو أرزاً أو نحو ذلك ثم يُعطى للفقراء.
فإن عُدل إلى الصيام فيقدر هذا الذي قيمته خمسمائة ريال من البُّر بحيث لو فرضنا أن كيلو البُّر بريالٍ واحد فمعنى ذلك أن المطلوب منه خمسمائة كيلو كل مُد منه لمسكين، فإذا كان الصاع أربعة أمداد، والصاع كيلوان ونصف – كما في بعض التقديرات - فعلى هذا عليه أن يصوم يوماً عن كل مد، وعلى هذا سيحتاج إلى صيام مدة طويلة، فلا شك أن إخراج الطعام في هذه الحالة أسهل بكثير من الصيام.
وبعضهم قال: يطعم ستة مساكين أو يصوم ثلاثة أيام، وهؤلاء كأنهم جعلوه كفدية الأذى، لكن نقول: هناك فرق بين جزاء الصيد وبين فدية الأذى، والله تعالى أعلم.
بالنسبة للثمن فالله قال: فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [سورة المائدة:95] أي أن هذا المثل يقرب إلى الكعبة، يعني يوصل به إلى أرض الحرم وليس المقصود بالكعبة البناء المعروف وإنما المراد إلى أرض الحرم فيذبح هناك ويوزع على فقراء الحرم كما يفعل بالهدي، لكن الطعام قال الله فيه: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ [(95) سورة المائدة] ما قال: لفقراء الحرم، ولهذا قال بعضهم: يطعمه من حضره، كما يقال في فدية الأذى: إذا ذبح فإنه يذبح في مكانه، وكذلك المحصر في مكانه الذي أحصر فيه، وأما ابن عباس - ا - فيقول: إن الثمن والطعام يرسلان إلى الكعبة.
وروى ابن جرير عن أبي جرير البجلي قال: أصبت ظبياً وأنا محرم، فذكرت ذلك لعمر.
قوله: "عن أبي جرير البجلي" أبو جرير هذا يروي عن عمر وعن بعض الصحابة، فهو غير جرير بن عبد الله البجلي الصحابي المعروف.
وروى ابن جرير عن طارق قال: أوطأ أربد ظبياً فقتله وهو محرم.
أوطأ أربد ضباً هكذا الرواية ضباً وليس ظبياً، بمعنى أنه جعل دابته تطأ الضب فقتله وهو محرم، فهذا متعمد لكن لو أنه حصل من غير عمد بأن وطِئت الدابة الضب أو وطِئت الجراد فليس عليه شيء، فالجراد إذا انتشر صار مثل البساط في الأرض فلا يمكن توقيه لذلك ليس عليه شيء إن قتله.
قوله: "جدياً قد جمع الماء والشجر" يعني أنه مفطوم قد رعى الشجر وشرب الماء واستغنى عن لبن الأم، فعمر هنا في هذه الرواية - إن صحت - قال له: احكم معي مع أن الكثيرين من أهل العلم يقولون: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ [سورة المائدة:95] غير الجاني الذي وقع منه قتل الصيد، فمن وقع منه لا يحكم وإنما يحكم عليه.
وقوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أي: واصلاً إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك ويفرَّق لحمه على مساكين الحرم، وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة.
يبقى الخلاف في الطعام هل لا بد أن يوصل إلى الحرم أو لا؟.
الجمهور - ومنهم ابن جرير - على أنه مخير، إما المثل وإما الإطعام وإما الصيام، وهذا على أن "أو" هنا للتخيير، ومنهم من يقول: إن "أو" هذه ليست للتخيير وإنما هي للتقسيم، وهذا الخلاف مثله الخلاف الذي في قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ [سورة المائدة:33] فهل الإمام مخير بحسب ما يراه من المصلحة أو أن ذلك ليس للتخيير، وإنما هو للتقسيم إن قتلوا قُتلوا، وإن أخذوا المال وقتلوا فإنهم يصلبون أو تقطع أيديهم، أو ينفوا الأرض إن أخذوا المال وأخافوا السبيل دون أن يقتلوا، هكذا قال بعض أهل العلم كالشافعي، وهنا الخلاف في "أو" كذلك، فمن قال: إنها للتخيير قال هو مخير وهذا قول الجمهور، وذهب بعض أهل العلم كابن عباس إلى أن ذلك لمن لم يجد المثل.
يقول: " فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام" هذا الإطعام لستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام ورد في فدية الأذى عند قوله تعالى:وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [سورة البقرة:196] ثم رخص فقال: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [سورة البقرة:196] وقال النبي ﷺ لكعب بن عجرة: أتجد شاة؟[5] وذكر له أيضاً الإطعام - إطعام ستة مساكين - أو صيام ثلاثة أيام، وهذا في فدية الأذى، فالأقرب - والله أعلم وهو الذي عليه عامة أهل العلم - أن ذلك ليس كفدية الأذى بل يكون الإطعام مراعىً فيه القيمة، والصيام يكون عن كل مُدٍّ يوماً؛ لأن إطعام ستة مساكين أين هو من قيمة الصيد إذا كان كبيراً؟! والله أعلم.
وقوله: لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ [سورة المائدة:95] أي أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذي ارتكب فيه المخالفة.
عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف [سورة المائدة:95] أي في زمان الجاهلية لمن أحسن في الإسلام واتبع شرع الله، ولم يرتكب المعصية.
ثم قال: وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ [سورة المائدة:95] أي: ومن فعل ذلك بعد تحريمه في الإسلام وبلوغ الحكم الشرعي إليه فينتقم الله منه وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [سورة المائدة:95] قال ابن جريج: قلت لعطاء: ما عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف؟ [سورة المائدة:95] قال: عما كان في الجاهلية، قال: قلت: وما وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ؟ [سورة المائدة:95] قال: ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه مع ذلك الكفارة، قال: قلت: فهل في العود من حد تعلمه؟، قال: لا، قال: قلت: فترى حقاً على الإمام أن يعاقبه؟، قال: لا، هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله ولكن يفتدي، رواه ابن جرير. وقيل: معناه فينتقم الله منه بالكفارة، قاله سعيد بن جبير وعطاء، ثم الجمهور من السلف والخلف على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء، ولا فرق بين الأولى والثانية والثالثة وإن تكرر ما تكرر سواء الخطأ في ذلك والعمد.
قوله: "الأولى والثانية والثالثة" يعني كل ما قتل صيداً فإنه عليه الجزاء بناء على قوله: وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ [سورة المائدة:95] يعني ليست الأولى فيها الجزاء والثانية كما قال بعضهم: إن من قتله متعمداً فهذا يترك؛ لأن عقوبته أشد وأعظم عند الله ، فهذا غير صحيح، بل الصحيح أنه كلما قتل صيداً فعليه الجزاء، وينتقم الله منه بما شاء يوم القيامة.
وقوله: ذُو انْتِقَامٍ يعني أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه.
- أخرجه البخاري في أبواب الإحصار وجزاء الصيد - باب ما يقتل المحرم من الدواب (1732) (ج 2 / ص 650) ومسلم في كتاب الحج - باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم (1199) (ج 2 / ص 858).
- أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم (1199) (ج2/ ص858).
- أخرجه الحاكم (3984) (ج 2 / ص 588) والبيهقي في السنن الكبرى (9832) (ج 5 / ص 211) وصححه الذهبي في التلخيص.
- أخرجه أبو داود في كتاب المناسك – باب ما يقتل المحرم من الدواب (1850) (ج 2 / ص 108) وأحمد (11003) (ج 3 / ص 3) وضعفه العلامة الألباني وشعيب الأرنؤوط.
- أخرجه مسلم في كتاب الحج - باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدره (1201) (ج 2 / ص 859).