السبت 19 / ذو القعدة / 1446 - 17 / مايو 2025
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِىٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ۝ جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۝ اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۝ مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [سورة المائدة:96-99].
قال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وغيرهم في قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ يعني ما يصطاد منها طرياً وَطَعَامُهُ ما يتزود منه مليحاً يابساً.
وقال ابن عباس - ا - في الرواية المشهورة عنه: صيده ما أخذ منه حياً وطعامه ما لفظه ميتاً.


فقوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [سورة المائدة:96] البحر معروف ولا نحتاج أن نقول: إنه الماء الكثير المستبحر، ولكن نبهت على هذا؛ لأن كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - فسره في هذا الموضع بالأنهار، وهذا فيما أظن - والله أعلم - لا حاجة إليه لسببين:
السبب الأول: أن البحر إذا أطلق فأول ما يتبادر منه الماء الكثير المالح المعروف الذي يقال له البحر، ويُلحق به الأنهار وما يعيش في الماء بالنسبة لهذا الحكم في صيد البحر، يعني لو وجد شيء من البحيرات أو المستنقعات أو الآبار التي يوجد فيها أسماك فإنه يحل صيدها.
الأمر الثاني: أن الأنهار لا وجود لها في جزيرة العرب، والكلام عن الإحرام، فمن أين يحرم الإنسان، لا يحرم من بلاد فيها أنهار، فالحاصل أن البحر هنا هو البحر المعروف ويحلق به غيره مما يصطاد منه.
ونقل عن سعيد بن جبير - رحمه الله - أنه قال في صيد البحر: "ما يصطاد منه طرياً" وهذا القيد لا حاجة إليه أيضاً، فصيد البحر يبقى على ظاهره، وهو ما يصطاد منه أي من البحر.
وقوله: وَطَعَامُهُ قال هنا: "ما يتزود منه مليحاً يابساً" يعني جعل صيد البحر هو الطري وجعل طعامه من المليح المجفف الذي يتزودونه معهم وينقلونه معهم مما ليس بطري، ويمكن أن يقال: في حكمه اليوم المبرد أو المثلج، لكن هذا غير مراد - والله تعالى أعلم - ؛ لأن هذا المليح - يعني المملوح أو المجفف أو المبرد أو نحو ذلك - في الواقع إن كان مما صيد فهو من جملة صيد البحر، ولهذا يقال: إن هذا التفسير فيه بعد، والعلم عند الله - تبارك وتعالى -، وابن جرير - رحمه الله - أرجعه إلى ما ذكرت، أي أن هذا المليح إن كان مما صيد فهو من جملة صيد البحر.
وبعضهم قال: إن طعامه هو ما ينعقد فيه من الملح، وبعضهم يقول: طعامه هو ما يؤخذ منه من النباتات ونحوها، وهذا لا حاجة إليه، وإنما يقال: صيد البحر ما صيد منه فإنه حلال للمحرم، ومن باب أولى للمحل، وَطَعَامُهُ ما طفا أو ألقاه ميتاً فإنه يحل؛ لأن النبي ﷺ قال: أحلت لنا ميتتان ودمان[1].
وأما قوله - تبارك وتعالى - : لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا [سورة النحل:14] يعني أنه يستخرج منه اللحم الطري وغير الطري لكنه ذكر أشرف النوعين وأحسن النوعين؛ لأن المقام مقام امتنان لا يذكر فيه إلا الأشرف.
وبعض أهل العلم يقول: هذا من الاكتفاء كقوله تعالى: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [سورة النحل:81] يعني والبرد فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى [سورة الأعلى:9] أي وإن لم تنفع، فذكر أشرف القسمين، وهناك أمثلة معروفة في هذا، والله أعلم.

وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي والحسن البصري.
وقوله: مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [سورة المائدة:96] أي: منفعة وقوتاً لكم أيها المخاطبون.
وَلِلسَّيَّارَةِ وهم جمع سيَّار، قال عكرمة: لمن كان بحضرة البحر والسفر، وقال غيره: الطري منه لمن يصطاده من حاضرة البحر.


القول بأن طعامه أي ما لفظه ميتاً هو الذي عليه الجمهور، وهو اختيار كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- وهو القول الذي لا ينبغي العدول عنه.

وقال غيره: الطري منه لمن يصطاده من حاضرة البحر وَطَعَامُهُ ما مات فيه أو اصطيد منه ومُلِّح وقُدِّد زاداً للمسافرين والنائين عن البحر.


قوله: مَتَاعًا لَّكُمْ [سورة المائدة:96] يعني أنه متاع لمن كان مقيماً منكم فينتفع به غاية الانتفاع، وقوله: وَلِلسَّيَّارَةِ أي: وللمسافرين يحملونه معهم مليحاً مجففاً يأكلون منه في أسفارهم ويتنقلون به وما أشبه ذلك.

وقد روي نحوه عن ابن عباس - ا - ومجاهد والسدي وغيرهم.
وروى الإمام مالك بن أنس عن جابر بن عبد الله - ا - قال: بعث رسول الله ﷺ بعثاً قِبَل الساحل فأمَّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلاثمائة وأنا فيهم، قال: فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فنِيَ الزاد، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر، قال: فكان يقوتنا كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمـرة، فقلت: وما تغني التمرة؟، فقال: قد وجدنا فقدها حين فنيت، قال: ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظَّرِب.


قوله: "فإذا حوت مثل الظَّرِب" يعني حوت مثل الجبل الصغير.

فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر براحلة فرحلت ومرت تحتهما فلم تصبهما، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين[2].
وروى مالك عن أبي هريرة قال: سأل رجل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله ﷺ : هو الطهور ماؤه الحل ميتته[3] وقد روى هذا الحديث الإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل، وأهل السنن الأربع، وصححه البخاري والترمذي وابن حبان وغيرهم، وقد روي عن جماعة من الصحابة عن النبي ﷺ بنحوه.
وقوله: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [سورة المائدة:96] أي في حال إحرامكم يحرم عليكم الاصطياد، ففيه دلالة على تحريم ذلك.


قال: "يحرم عليكم الاصطياد" هذه اللفظة "صيد" في قوله: صَيْدُ الْبَحْرِ أو صَيْدُ الْبَرِّ [سورة المائدة:96] مصدر، والمصدر تارة يراد معناه المصدري، وتارة يراد معنى المفعول، فالمعنى المصدري لصيد البر أو صيد البحر يعني الاصطياد، مثل ما يقال في الكلام والكتابة وما أشبه ذلك فتقول مثلاً: هذا الذي أفعله كلام، أي تكلُّم، فهذا مصدر، وتقول: هذا كلام زيد، يعني ما تكلم به، هذا كلام الله تعني به القرآن، وتقول للأخ وهو يقرأ: هذه قراءة، ويقال للمقروء أيضاً قراءة،، يقال: أكْل لعملية الأكل - بالمعنى المصدري - ويقال أكْل للمأكول، ويقال: شرْب لنفس عملية الشرب، ويقال: شرْب للمشروب، وهكذا الصيد هل المراد به هنا المعنى المصدري أي حُرِّم عليكم الاصطياد بحيث إذا لم تصده أنت حلَّ لك، أو أن المراد بقوله: صَيْدُ الْبَرِّ [سورة المائدة:96] ما صيد في البر بحيث تكون الصيود محرمة على المحرمين سواء صادوها هم أو صادها غيرهم؟
خلاصة ذلك أن من أهل العلم من جعله بمعنى المفعول فقال: صَيْدُ الْبَرِّ [سورة المائدة:96] يعني جميع أنواع ما صيد منه – أي الصيود - بمعنى المفعول، فهي محرمَّة على المحرم سواء صادها أو صادها غيره له أو لم تصد له، ويحتجون بحديث الصعب بن جثامة لما أهدى للنبي ﷺ حماراً وحشياً، فرده النبي ﷺ عليه فلما رأى ما بوجهه من الكراهة بيّن له أنه إنما رده لكونه محرماً فقال: إنا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم[4] وكذلك جاء عن علي أنه كان يرى تحريم ذلك كما في القصة المعروفة حينما وضع بين يدي عثمان بن عفان حين استقبله أمير مكة في الطريق، وضع له لحم الصيد فعليٌّ امتنع من الأكل وأخبر أن هذا لا يحل، فالحاصل أنه مذهب معروف لبعض السلف وهو أنه لا يجوز أكل لحم الصيود سواء صيدت للمحرم أو لم تصد له، صادها أو صادها غيره.
ومنهم من يقول: إنما يحرم عليه ما صاده هو، فجعلوا الصيد بالمعنى المصدري، يعني يحرم عليهم الاصطياد فإذا حرم عليهم الاصطياد فإن ما نتج عنه فهو حرام، والأعدل في هذا - والله تعالى أعلم - أنه يفرق بين ما إذا صاده المحرم أو صيد له أو كان بإشارته أو إعانته، فهذا لا يجوز، وأما ما صاده المحل لنفسه أو صاده لغيره من المحلين فإنه يجوز للمحرم أن يأكل منه، ولذلك جاء عن النبي ﷺ في حديث أبي قتادة حينما صاد أيضاً حماراً وحشياً ثم سألوا عنه النبي ﷺ فسألهم: هل معكم منه شيء؟[5] فالحاصل أنه أباحه، فالجمع بينه وبين حديث الصعب أن الصعب بن جثامة صاده لهم، وأما حديث أبي قتادة فهو لم يصده لهم، ولهذا سألهم النبي ﷺ : عما إذا كانوا أعانوه على ذلك أو أشاروا إليه، أو نحو هذا، فأجابوا بالنفي.
وقد حمل ابن جرير - رحمه الله - هذه اللفظة صَيْدُ الْبَرِّ على ذلك جميعاً إلا ما صاده المحل لنفسه أو لمحل مثله فجعل صَيْدُ الْبَرِّ بالمعنى المصدري - هكذا ظاهر كلامه - أي أنه جعلها بمعنى المفعول، وهذا الذي عليه كثير من المحققين، والله تعالى أعلم.

فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمداً أثم وغرم، أو مخطئاً غرم وحرم عليه أكله؛ لأنه في حقه كالميتة وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين.


على كل حال يحرم على المحرم صيد البر فلا يشتريه ولا يبيعه ولا يأكله ولا يقتله ولا غير ذلك سوى ما ذكرنا، والله تعالى أعلم.
لأنه في حقه كالميتة وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين.
أما كون أنه يصطاد أو يقتل الصيد وهو مخطئ فالأقرب أنه لا غرم عليه؛ لأن مفهوم المخالفة هنا معتبر من قتله منكم متعمداً فمن قتله غير متعمد فلا جزاء.

وأما إذا صاد حلال صيداً فأهداه إلى محرم فإن كان الحلال قد قصد المحرم بذلك الصيد لم يجز للمحرم أكله لحديث الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي ﷺ حماراً وحشياً، وهو بالأبواء - أو بوَدّان - فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم[6] وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وله ألفاظ كثيرة.
قالوا: فوجهه أن النبي ﷺ ظن أن هذا إنما صاده من أجله فرده لذلك، فأما إذا لم يقصده بالاصطياد فإنه يجوز له الأكل منه؛ لحديث أبي قتادة حين صاد حمار وحش وكان حلالاً لم يحرم، وكان أصحابه محرمين، فتوقفوا في أكله ثم سألوا رسول الله ﷺ فقال: هل كان منكم أحد أشار إليها أو أعان في قتلها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا وأكل منها رسول اللهﷺ وهذه القصة ثابتة أيضاً في الصحيحين بألفاظ كثيرة[7].
وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [سورة المائدة:96] قد ذكر الحافظ ابن كثير هنا أربع آيات هي السادسة والتسعون والسابعة والتسعون والثامنة والتسعون والتاسعة والتسعون، ثم فسر أكثر الآية الأولى منها فقط إلى هذا الموضع، ولم يذكر تفسير آخرها ولا الثلاثة بعدها، وهذا هو الثابت في كل الأصول المخطوطة والمطبوعة، والظاهر أنه سها عن ذلك - رحمه الله - فمن البعيد جداً أن يكون ذلك سهواً من الناسخين يتفقون عليه في جميع النسخ على اختلاف مصادرها، فرأيت تكميل هذا النقص بإثبات تفسيرها من تفسير إمام المفسرين ابن جرير الطبري بشيء من الاختصار والتصرف والاقتصار على التفسير نفسه مراعياً الدقة في المحافظة على العبارة العالية ما استطعت إن شاء الله وبه الاستعانة.
تكميل بقلم الشيخ أحمد شاكر:
هذا كتب هنا في الأصل: سقط من هذا الموضع تفسير الثلاث الآيات - السابعة والتسعين والثامنة والتسعين والتاسعة والتسعين - وتُرك لها بياض في النسخة المكية، وليس فيه هذا التكميل [الناشر].
وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [سورة المائدة:96] يقول تعالى: واخشوا الله أيها الناس واحذروه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه وفيما نهاكم عنه في هذه الآيات التي أنزلها على نبيكم ﷺ من النهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وعن إصابة صيد البر وقتله في حال إحرامكم فإن لله مصيركم ومرجعكم فيعاقبكم بمعصيتكم إياه ويجازيكم فيثيبكم على طاعتكم له.
  1. أخرجه ابن ماجه في كتاب الأطعمة – باب الكبد والطحال (3314) (ج 2 / ص 1102) وأحمد (5723) (ج 2 / ص 97) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1118).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الشركة - باب الشركة في الطعام والنهد والعروض (2351) (ج 2 / ص 879) ومسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان – باب إباحة ميتات البحر (1935) (ج 3 / ص 1535).
  3. أخرجه أ[و داود في كتاب الطهارة – باب الوضوء بماء البحر (83) (ج 1 / ص 31) والترمذي في أبواب الطهارة - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور (69) (ج 1 / ص 100) والنسائي في كتاب الطهارة – باب ماء البحر (59) (ج 1 / ص 50) وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها – باب الوضوء بماء البحر (386) (ج 1 / ص 136) وصححه الألباني في المشكاة برقم (479).
  4. أخرجه البخاري في  أبواب الإحصار وجزاء الصيد - باب إذا أهدى للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل(1729) (ج 2 / ص 649) ومسلم في كتاب الحج - باب تحريم الصيد للمحرم (1193) (ج 2 / ص 850).
  5. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير – باب اسم الفرس والحمار (2699) (ج 3 / ص 1048) ومسلم في كتاب الحج – باب تحريم الصيد للمحرم (1196) (ج 2 / ص 851).
  6. سبق تخريجه.
  7. أخرجه البخاري في أبواب الإحصار وجزاء الصيد - باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال (1728) (ج 2 / ص 648) ومسلم في كتاب الحج (1196) (ج 2 / ص 851).

مرات الإستماع: 0

"أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ [المائدة: 96] أي: أحلّ الله بهذه الآية صيد البحر للحلال، والمحرم، والصيد هنا المصيد، والبحر هو الماء الكثير: سواءً كان مالحًا، أو عذبًا [وفي النسخ: (ملحًا)]".

يُقال: مالحًا، وملحًا، كل هذا في اللغة صحيح، لكن الغالب، أو الأصح، والأفصح أن يُقَال: ماء مِلح وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ [الفرقان: 53] قال: أو عذبًا، ابن جرير - رحمه الله - حمله على الأنهار[1] والأقرب أنه يعم ذلك جميعًا.

"كالبرك، ونحوها وَطَعَامُهُ [المائدة: 96] هو ما يطفو على الماء، وما قذف به البحر؛ لأنّ ذلك طعام، وليس بصيدٍ، قاله أبو بكرٍ الصدّيق، وعمر بن الخطاب[2] وقال ابن عباسٍ: طعامه ما ملح منه، وبقي[3]".

القول بأن ذلك قال به أبو بكر لا يصح عنه، وثبت ذلك عن عمر وجاء عن جماعة كبيرة من الصحابة كابن عباس - ا - وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وأبي سلمية بن عبد الرحمن من التابعين، وسعيد بن جبير، والسدي، وقتادة، وسعيد بن المسيب، ومجاهد[4].

قال: "وقال ابن عباسٍ: طعامه ما ملح منه، وبقي" يعني المجفف الذي يحملونه معهم في السفر، ويدخرونه، ولكن رده ابن جرير - رحمه الله - باعتبار أن المليح إن كان مما صيد فهو راجع للأول[5] فهو صيد، يعني لا يتقيد بالمليح، والرواية المشهورة عن ابن عباس - ا - : أن طعامه ما لفظه ميتًا، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -[6] وبعضهم يقول: طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه، وسائر ما فيه من النباتات[7] وهذا في غاية البُعد، طعام البحر يعني الملح، يعني يجوز لك أن تأخذ الملح البحري، وتضع ذلك في طعامك، أو النباتات البحرية، فهذا حديث عن الصيد، وليس عن هذا، صيد البحر، وطعامه، يعني ما لفظه ميتًا - والله أعلم -.

"قوله تعالى: مَتاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة: 96] الخطاب بـ(لكم) للحاضرين في البحر، والسيارة المسافرون، أي: هو متاعٌ تأتدمون به".

مَتاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ خطاب بـ(لكم) للحاضرين في البحر، وللسيارة للمسافرين، وابن جرير - رحمه الله - حمل لكم يعني للمقيمين، يعني يا معاشر المقيمين في بلادكم[8] وبهذا قال الواحدي[9] وابن عطية[10] وسبقهم إلى ذلك مقاتل[11] وحمله ابن عاشور على المخاطبين[12] بقوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ باعتبار كونهم متناولين الصيد، يعني متاعًا للصائدين، وللسيارة، والسيارة هم المسافرون، يعني متاعًا للجميع للمقيم، والمسافر، أو لمعاشر المخاطبين، الذين قال لهم: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ.

وجاء عن عكرمة لمن كان بحضرة البحر، والسفر[13] وبعضهم يقول: الطري لمن يصطاده من حاضرة البحر، وطعامه ما مات فيه، أو اصطيد منه، وملح، وقدد زادًا للمسافرين، والنائين عن البحر[14] وتعرفون ذكرت كلام ابن جرير، واعتراضه على هذا، وجاء نحو هذا عن مجاهد، والسدي بالإضافة إلى ما نقل عن ابن عباس - ا - مع أن الرواية في هذا عن ابن عباس يعني قوله: إنه المملح، لا تثبت عنه، والمشهور عنه أن طعامه: ما لفظه ميتًا، يعني مثل قول الجمهور.

هنا قوله: مَتاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ قال: "أي: هو متاعٌ تأتدمون به" هو أعم من هذا، تأتدمون به، وتبيعونه، إلى آخره، فالمتاع أوسع، وأعم مما ذُكر.

"وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة: 96] الصيد هنا يحتمل أن يراد به المصدر، أو الشيء المصيد، أو كلاهما، فنشأ من هذا أن ما صاده المحرم فلا يحل له أكله بوجه، ونشأ الخلاف فيما صاد غيره، فإذا اصطاد حلال، فقيل: يجوز للمحرم أكله، وقيل: لا يجوز إن اصطاده لمحرم، والأقوال الثلاثة مروية عن مالك[15] وإن اصطاد حرام لم يجز لغيره أكله عند مالك[16] خلافًا للشافعي[17]".

قوله: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة: 96] حمله ابن جرير - رحمه الله - على أعم معانيه وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ أي: بيعه، وشراؤه، واصطياده، وقتله، إلا إن وجده مذبوحًا ذبحه حلال لحلال فيجوز، يعني بخلاف ما ذبحه حلال لمحرم، أو ذبحه حلال لنفسه مثلاً، فلا إشكال أن يأكل المحرم منه.

يقول: "الصيد هنا يحتمل أن يراد به المصدر" يعني المصدر، ومعنى المصدر: عملية الاصطياد "أو الشيء المصيد" يعني: يطلق المصدر على المفعول، يقال: هذا ظبي صيد، هذه الطيور صيد، يعني مصيدة، مثلما يقال: الأكل، يطلق على نفس العملية، فيقال: هذا أكل، ويطلق على نفس الطعام، فيقال: هذا أكل "أو كلاهما" يعني يشمل هذا، وهذا "فنشأ من هذا أن ما صاده المحرم، فلا يحل له أكله بوجه" والراجح أنه لا يحل له أكله، ولا لغيره "ونشأ الخلاف فيما صاد غيره، فإذا اصطاد حلال، فقيل: يجوز للمحرم أكله" بشرط أنه لم يصده للمحرم، لحديث أبي قتادة حين صاد حمار، وحش، وكان حلالاً، فسألهم النبي ﷺ: أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟[18] فلم أجابوه بالنفي أباح لهم الأكل منه، وأيضًا أخذ منه - عليه الصلاة، والسلام - ولكن هنا يقول: "وقيل: لا يجوز إن اصطاده لمحرم" كما سبق لحديث الصعب بن جثامة [19] "والأقوال الثلاثة مروية عن مالك، وإن اصطاد حرام لم يجز لغيره أكله عند مالك خلافًا للشافعي" يعني تنزيلاً له منزلة الميتة، وأن النفي يقتضي الفساد - والله أعلم -.

  1.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/61).
  2.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/241).
  3. المصدر السابق.
  4.  تفسير ابن كثير ت سلامة (3/197).
  5.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/69).
  6.  المصدر السابق.
  7.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/241).
  8.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/73).
  9.  الوجيز للواحدي (ص: 336).
  10.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/241).
  11.  زاد المسير في علم التفسير (1/588).
  12.  التحرير، والتنوير (7/52).
  13.  تفسير ابن أبي حاتم - محققا (12/355).
  14.  المصدر السابق.
  15.  بداية المجتهد، ونهاية المقتصد (2/95)، وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة (1/300).
  16.  الشامل في فقه الإمام مالك (1/240).
  17.  المجموع شرح المهذب (7/324).
  18.  أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد، باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال برقم: (1824)، ومسلم في كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم برقم: (1196).
  19.  أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد، باب إذا أهدى للمحرم حمارًا، وحشيًا حيًا لم يقبل برقم: (1825)، ومسلم في كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم برقم: (1193).