قوله تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أواب حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [سورة ق:35] يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة: هل امتلأت؟ وذلك أنه - تبارك وتعالى - وعدها أنه سيملؤها من الجِّنة والناس أجمعين، فهو يأمر بمن يأمر به إليها ويُلقَى، وهي تقول: هل من مزيد أي هل بقي شيء تزيدوني؟ هذا هو الظاهر في سياق الآية، وعليه تدل الأحاديث، روى الإمام أحمد عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، وعزتك، وكرمك، ولا يزال في الجنة فضلٌ حتى ينشئ الله لها خلقاً آخر فيسكنهم الله - تعالى - في فضول الجنة[1] رواه مسلم.
حديث آخر: روى البخاري عن أبي هريرة رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان: يقال لجهنم هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد؟، فيضع الرب - تبارك وتعالى - قدمه عليها فتقول: قط قط[2]، طريق آخرى روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرتُ بالمتكبرين، والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس، وسقطهم، قال الله للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فيها فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ، وينزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقاً آخر[3].
فقوله - تبارك وتعالى -: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - من أن المقصود أنها لا تزال تطلب الزيادة حتى يضع فيها رب العزة قدمه، فتقول: قط قط، يعني كفاني كفاني، هذه الأحاديث تدل على هذا المعنى، وإن كانت الآية تحتمل غيره من جهة ظاهر اللفظ، ولذلك فإن القول الآخر الذي قال به طائفة من السلف فمن بعدهم أن المقصود أن ذلك هو استفهام المقصود به: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ هل بقي فيَّ مكان يحتمل الزيادة؟ يعني هي امتلأت، الله - تبارك وتعالى - وعدها بملئها، فمَلأها، لا تزال يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ يعني هل بقي فيَّ متسع، يعني أنه لم يبق فيها متسع، حينما تسأل: هل امتلأتِ تقول: هل بقي فيَّ متسع؟ يعني لم يبق فيَّ متسع، فهذا قول آخر معروف في الآية، وقال به جماعة كعطاء، ومجاهد، ومقاتل بن سليمان، لكن المعنى الأول هو الذي تدل عليه الأحاديث، وهو الذي اختاره المحققون من المفسرين كابن جرير، وابن كثير، والحافظ ابن القيم - رحم الله الجميع - فيكون هذا باعتبار أنها تطلب الزيادة لا تزال تطلب المزيد حتى يضع فيها رب العزة قدمه فتقول: قط قط كفاني كفاني.
- رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم (2848)، وأحمد في المسند، برقم (13457)، وقال محققوه: "حديث صحيح، وهذا إسناد قوي على شرط مسلم".
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وتقول هل من مزيد [سورة ق:30]، برقم (4849)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم (2848).
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وتقول هل من مزيد [سورة ق:30]، برقم (4850)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم (2846).