قوله : وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فيه تقرير للمعاد لأن من قدر على خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى، وقال قتادة: قالت اليهود -عليهم لعائن الله-: خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت، وهم يسمونه يوم الراحة، فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ أي من إعياء ولا تعب ولا نصب، كما قال الله -تبارك وتعالى- في الآية الأخرى أَوَلَمْ يَرَوْا أن اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أن يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إنه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[سورة الأحقاف:33]، وكما قال: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [سورة غافر:57]، وقال تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا[سورة النازعات:27].
هنا في هذه الآية يبين الله كمال قدرته، خلق السماوات والأرض في ستة أيام قال:وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ يعني من تعب، وهذه الآية تتضمن معنى آخر بالإضافة إلى ما سبق، وهو أن ذلك دليل على قدرته على البعث، إذا كان خلقَ السماوات والأرض هذه الأجرام العظيمة في ستة أيام، خلقهما وما بينهما في ستة أيام وما مسه من تعب -لغوب- فقدرته -تبارك وتعالى- على إحياء الناس لا شك فيها، وأنه -- على ذلك قدير، ولهذا قال:أَوَلَمْ يَرَوْا أن اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ نفس المعنى استدل به على قدرته على إحياء الموتى،بِقَادِرٍ عَلَى أن يُحْيِيَ الْمَوْتَى فهذه الآية مصرحة بهذا المعنى، والآية التي في سورة ق غير مصرحة، ولكن الآيات عموما في سورة ق تتحدث عن اليوم الآخر والبعث والنشور، وقدرة الله على ذلك.