قوله -تبارك وتعالى- هنا: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ التسبيح يأتي بمعنى التنزيه أن يقول الإنسان -مثلا- سبحان الله، ويأتي بمعنى الصلاة، كما جاء عن ابن عمر -ا- في الصلاة الراتبة بعد الفريضة، لو كنتُ مسبِّحا لأتممت [2]، ولذلك الصلاة يقال لها: تسبيح، فهنا،فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ[سورة الحجر:98] سبح متلبسا بحمده، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ فابن جرير -رحمه الله- حمله على صلاتي العصر والفجر، قبل غروب الشمس، والفجر قبل طلوعها، ويدل على هذا، الحديث: فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ، ثم قرأ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ هذا من قبيل التفسير النبوي الذي ذكرت فيه الآية، وهذا النوع من التفسير لا يدخله الاجتهاد -كما هو معلوم-، فإذا صح سنده فبعد ذلك لا كلام، لكن النبي ﷺ أحياناً يذكر بعض المعنى -بعض ما دلت عليه الآية-، وأحياناً يذكر النبي ﷺ بعض المعاني الداخلة تحت العموم وإن كان السياق في غيره فهو لا ينفي المعنى الذي فيه السياق، وهذا مضى له أمثلة، لكن تفسير ذلك بصلاتي العصر والفجر يدل عليه هذا الحديث، مع أن من أهل العلم من قال: هما وقت العصر والفجر وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ لا شك أن الوقتين هما العصر والفجر، هل المقصود الذكر، أو المقصود الصلاة؟، ابن جرير يقول: الصلاة، وبعضهم زاد على هذا قال: الصلوات الخمس وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ وقالوا: الليل يدخل فيه المغرب والعشاء، والذي قبل طلوع الشمس هو الفجر، وقبل الغروب يدخل فيه صلاتي العشي -الظهر والعصر-، وبعض الآيات أوضح في دخول الصلوات الخمس، وابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين حمل ذلك على الأذكار التي تقال في الصباح والمساء، واستدل على هذا بما جاء من الذكر بالغدو والآصالوَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [سورة الأعراف:205] يعني أوقات الذكر -العصر والفجر- بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، فهذا معنى تحتمله الآية، ولكن التفسير النبوي هنا دل على أنها صلاة العصر وصلاة الصبح، لكن لو قال قائل: إن التسبيح هنا يدخل فيه ما ذكره النبي ﷺ دخولاً أولياً صلاة الصبح والعصر، ولفظ التسبيح أعم من هذا وأوسع فيدخل فيه الذكر أذكار الصباح وأذكار المساء فإنها مشروعة في هذين الوقتين، وقد يقول قائل: إنه ذكر الطرفين كما في قوله:بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِلاستغراق الأوقات، فإن العرب تذكر الطرفين وتريد ما بينهما، لكن تفسير النبي ﷺ هنا بصلاتي الصبح والعصر يدل على خلاف ذلك، ولكنه قد يكون هكذا في مواضع أخرى غير هذا الموضع، وذكرنا هذا في مناسبات رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [سورة المزمل:9] يعني وما بينهما، إذن قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ الصبح والعصر، ودخول الأذكار عندئذ يؤخذ من عموم اللفظوَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَولا أقصد بالعموم هنا المعروف عند الأصوليين، وإنما أن التسبيح لفظ يصدق على هذا وهذا، فإن المشترك هو نوع ملحق بالعام، أقصد لا تبحث عن صيغة من صيغ العموم المعروفة عند الأصوليين.
- رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم (554)، وأبو داود، كتاب السنة، باب في الرؤية، برقم (4729)، والإمام أحمد في المسند، برقم (19205)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
- رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (689).