ابن جرير -رحمه الله- يقول: ليس عندنا دليل على تحديد شيء معين، هذه الصلاة وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ، يقول: الصلاة في أي وقت كان من الليل، ويرد ابن جرير على من خص ذلك بصلاة المغرب، يقول: ليست المغرب فقط من صلاة الليل بل العشاء، فهما داخلان في ذلك، يقول هذا ردًّا على من خصه بصلاة المغرب، ثم قرر أن المعنى أعم، وأن الله لم يخص معنى دون معنى، فالصلاة بالليل في أي وقت كان، كثير من المفسرين يحملون ذلك على صلاة الليل -الذي هو القيام- وكان مفروضاً على النبي ﷺ، وبعضهم قال: المراد بذلك الركعتان قبل الفجر -سنة الفجر الراتبة-، وبعضهم يقول: هي صلاة العشاء، لكن كلام ابن جرير أوضح وأقرب، والله تعالى أعلم.
وَأَدْبَارَ السُّجُودِقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس -ا-: هو التسبيح بعد الصلاة، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال: جاء فقراء المهاجرين فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال النبي ﷺ:وما ذاك؟ ، قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم،ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، قال ﷺ: أفلا أعلمكم شيئاً إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثل ما فعلتم؛ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، قال: فقالوا يا رسول الله: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال ﷺ: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء [1].
والقول الثاني: أن المراد بقوله تعالى:وَأَدْبَارَ السُّجُودِ، هما الركعتان بعد المغرب، وروي ذلك عن عمر وعلي وابنه الحسن وابن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة ، وبه يقول مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي والحسن وقتادة وغيرهم.
ذكر هنا معنيين: أنها الأذكار بعد الصلوات، والثاني: أنها الركعتان بعد المغرب، ونقله عن هؤلاء من السلف -وهم كثير-، ولهذا ابن جرير -رحمه الله- لمّا ذكر المعنى السابق من أن المراد الأذكار ثم حمله على هذا المعنى الثاني أنهما الركعتان بعد المغرب، مع أنه يرى أن اللفظ أشمل وأوسع من هذا، وأنه لم يدل دليل على تخصيص الآية بالركعتين- قال: إلا أنا لا نستجيز مخالفة إجماع الحجة، وإجماع الحجة عند ابن جرير-رحمه الله- يعني قول الجمهور -قول الأكثر-، والآية ليس فيها إجماع، فيها خلاف، فابن جرير حملها على الركعتين وهو يرى أن اللفظ أعم من هذا قال: لإجماع الحجة، وهذه الطريقة عند ابن جرير في الترجيح معروفة ويقصد بإجماع الحجة قول الجمهور، وبعض السلف كابن زيد قال: هي النوافل التي بعد الفرائض، لم يخصها بالركعتين بعد المغرب وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ إذا كان هذا القول ليس بمحل إجماع بمعنى الاتفاق فمعنى ذلك أنه يجوز مخالفة قول الجمهور، فقول من قال: إن ذلك في الأذكار نقل عن ابن عباس قال: التسبيح بعد الصلاة واحتج له ابن كثير بالحديث، يعني كأن ابن كثير يؤيد هذا، في قراءة لنافع وابن كثير: وَإدْبَارَ السُّجُودِ يعني بعد الصلوات، الذين خصوه بصلاة المغرب لماذا خصوا الركعتين باللتين بعد المغرب؛ كأنه -والله أعلم- باعتبار أن صلاة المغرب هي وتر النهار فهذا آخِر هذه الصلاة، -توترها- وليس بعد الوتر شيء، بمعنى أن صلاة المغرب هي الأخيرة بعد صلوات النهار، وَإدْبَارَ السُّجُودِ إذاً ما يكون بعدما يوترها، كأنه بهذا الاعتبار -والله تعالى أعلم- في الآية الأخرى وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ، هنا وَإِدْبَارَ النُّجُومِ فسرت بالركعتين بعد الفجر باعتبار آخر الليل، وَإدْبَارَ السُّجُودِ فسرت بالركعتين بعد المغرب بعد ختم صلاة النهار بالوتر، وَإِدْبَارَ النُّجُومِ النجوم معروف أنه يكون إدبارها في النهار، فإذا جاء الفجر فذلك مؤذن بزوال النجوم، تغيب النجوم ففسر بالركعتين قبل الفجر، قراءة نافع وابن كثير وحمزة في قوله–تعالى-: وَإدْبَارَ السُّجُودِفهذه فيها قراءتانوَأَدْبَارَ السُّجُودِ و وَإدْبَارَ السُّجُودِ أما وَإِدْبَارَ النُّجُومِ فليس فيها إلا قراءة واحدة وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ، والله أعلم.
- [1] - رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (595).